اتفق تماماً مع المطالبين بالحقوق، بل اني في مقدمتهم بقلمي في كل الصحف والمواقع الإعلامية، ولكني بطبيعة الحال اختلف تماما مع الطريقة التي تتم بها.. فالمظلوم يحس بمرارة الظلم، وبالتالي لا يرضى ان يصاب به غيره، فما بالنا عندما يكون المظلوم ذاته سبباً في ايذاء الآخرين وإلحاق الضرر بهم.
حذرت من الفوضى التي تعيث بالبلاد فساداً، وها هي تصل الى مدينتنا الحديدة، ويا ليتها لم تصل، فالدم التهامي بدأ يسيل وأول قتيل سقط، لأسباب لا يعرفها المساكين الطامحون إلى رفع المظالم عنهم، ولكن يعيها مشعلو الفتن، المستفيدون الحقيقيون مما يجري اليوم في الحديدة، فهم يدركون انه ومع اول قتيل لن تهدأ الحديدة ولن تستقر اطلاقاً.
ما ذنب من قتلوا -وبالتأكيد سيقتل الكثيرون في ظل الفوضى- ما ذنب شباب في عمر الزهور يخرجون ليعبروا عن قضيتهم بأن يكون مصيرهم الموت، من بنادق لا يعرفون هويتها -وإن قيل لهم انها من رجال الامن- لتكون الوقيعة أكبر بينهم وقواتنا المسلحة الذين هم من أهلنا وذوينا، وهنا نتساءل من أين يأتي السلاح؟؟ ولماذا يوجد سلاح لدى البعض؟؟.
الفتنة تطل برأسها، ويراد منها ان تصل لكل بيت ليس في عاصمة المحافظة بل على مستوى كل مديرية، وهنا يبرز التساؤل المهم: من هو المستفيد من اراقة الدم التهامي؟؟ ومن هو المسؤول عنه؟؟ بالتأكيد ان المساكين لا فائدة لهم في الأمر، على اعتبار ان صدورهم هي من تستقبل الرصاص غير المعروف مصدره.
أثناء كتابتي لهذا المقال تلقيت مكالمة هاتفية من فضيلة العلامة الشيخ عبد الرحمن عبدالله مكرم -إمام وخطيب الجامع الكبير- عبر من خلالها عن تضامنه الكبير مع القضية التهامية من باب انصاف الناس وإرجاع حقوقهم، وعدم تهميشهم، راجيا في الوقت نفسه ان تكون المطالبات عن طريق الاطر الشرعية والدستورية مع المحافظة على استتباب الامن وعدم ترويع الآمنين أو نهب الممتلكات العامة او الخاصة، والحفاظ على الدم الغالي على كل يمني، وخلق الالفة بين المواطنين ورجال الامن... لقد قال الشيخ المكرم ما يفرضه علينا ديننا الحنيف من اشاعة المحبة والتضامن والمطالبة بالحقوق في قالب سلمي بعيدا عن المناطقية او الحزبية او الطائفية، وهو ذاته ما ذهب اليه الشيخ محمد عاموه -خطيب جامع دحمان- الذي انكر دعوات التفرقة، وعدها من الدعوات المقيتة التي يراد منها تمزيق الامة وتشتيتها.
إننا كتهاميين لنا حقوق، ينبغي علينا ان نسوّق قضيتنا بالطريقة التي تجعل الآخرين يتعاطفون معنا، لا ان نحرفها عن مسارها الصحيح، فالوطن بدأ يضمد جراحه ونحن شرعنا في نكئها.. اليمنيون متجهون للحوار بعيدا عن الفوضى، ونحن سلكنا مسلكا لن يحمدنا عليه أحد.
قال لي أحدهم: صحيح انكم مظلومون في تهامة، ولكن هل هذا الظلم وليد هذه السنة حتى تكون ردة فعل اليوم مغايرة لما كنتم عليه طيلة خمسة عقود؟؟ ان تساؤله يحتوي على كثير من المضامين فهو يريد ان يقول لي: لماذا سكتم كل هذه السنين؟ بما فيها السنتان الماضيتان عندما شاعت الفوضى كل ربوع اليمن.. ولماذا انتم سائرون خلف اناس ساهموا طيلة الخمسين عاماً في ان تظلوا مظلومين، وهم متنعمون، وما ان بدأت النعمة تزول من ايديهم حتى ارادوا هدم المعبد على من فيه في تهامة.
نعود ونذكر ونوجه نداءً عاجلاً لولي الامر الاخ عبد ربه منصور هادي -رئيس الجمهورية- بالتدخل السريع واحتواء المشكلة، فما حدث من صراعات في مختلف محافظات الوطن، صعب تداركها حتى استفحلت وتفاقمت، ها هي اليوم تتكرر في تهامة العاشقة للسلام..
فعلى الاخ الرئيس تدارك الوضع فوراً حتى لا يتمكن البعض من تحقيق مآربهم في تأجيج الوضع، وخلق البلبلة بما يعكر صفو مؤتمر الحوار.. ولن يكون ذلك إلا بزيارة سريعة له إلى محافظة الحديدة ليطلع بنفسه على همومها، وبالتالي التوجيه الفوري بإنصافها، أسوة بالمناطق الاخرى، مع تقديري له باعتبار من سقطوا شهداء كغيرهم من الذين خسرهم وطننا الحبيب.
* أستاذ مساعد بجامعة البيضاء