تتزاحم صور تنقيب أم كلثوم، وقطع رأس المعرّي، مع صور أخرى للموت والدمار والعنف، على مواقع التواصل. وبخلاف الصور الإخباريّة التي تذهب إلى الأرشيف، تختزن صورتا أم كلثوم والمعري طاقة الاستشراف ،. كأنّهما تقولان لنا إنّ دعوة شيخ إخواني لتحطيم تمثال ‘’أبو الهول’’ والأهرامات في مصر ، أسوةً بتحطيم تمثال بوذا في أفغانستان، لن تكون حديثاً مثيراً للسخرية في المستقبل.
انتشرت الصورتان بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي. وإلى جانب قدرتهما على إثارة الجدل، تحمل الصورتان طاقة درامية. وذلك ليس بمعنى تجسيد الواقع والتقاط اللحظة التراجيدية فيه، بل بقدرتهما على استشراف المستقبل، والتبشير بالمقبل من الأيام. وتلك ميزة قلّما تحملها الصورة الفوتوغرافية، خلافاً للصورة الدرامية السينمائية والتلفزيونية، التي يميل صناعها إلى تحميلها رؤىً وإسقاطات. وفي هذا السياق، يمكن استعادة تفاصيل مشاهد درامية قديمة، كأنّها تعقيبٌ على ما يحدث اليوم، كأنّها تصلح لتكون جزءاً من تلفزيون الواقع.
تنافس صورتا أم كلثوم ورأس المعري المقطوع الدراما، على رصد صورة التاريخ وهو يعيد نفسه، لناحية تذكيرنا بحادثة تماثيل بوذا. الفرق أنّ صناع الدراما يختارون لحظة من التاريخ لمحاكاة العالم، كما كان الحال في مسلسل «سقف العالم» لنجدة أنزور، أو «ملوك الطوائف» و«صلاح الدين» للمخرج حاتم علي، أو فيلم «المصير» ليوسف شاهين.
وفي التجارب العالمية نذكر فيلم «حرب طروادة» الذي لفت مخرجه ولفغانغ بيترسن إلى التشابه بين حربي طروادة والغزو الأميركي للعراق، قائلاً: «لم أستطع أن أصدق ما حدث، كما لو أن شيئاً لم يتغير منذ ثلاثة آلاف عام، فالبشر ما زالوا يلجأون للخداع لشن حروب للانتقام». ومن الصور الدرامية من يصوغها كتّاب السيناريو، على نحو افتراضي، بما يتوافق واللحظة الراهنة .
تلك الطاقة المتاحة للصورة الدرامية في رصد التاريخ، تنطوي عليها صور نقاب أم كلثوم ورأس المعري المقطوع. لكن صناع هذه الأخيرة يفتقدون القدرة على تشكيل تفاصيلها، ويكتفون بدور الرصد والتوثيق لها.. الأمر الذي قد يجعل مثل هذه الصور، أشد إيلاماً من أيّ صورة مركّبة.