يهدف الفكر الشمولي الى فرض توجهاته بشكل قسري على المجتمع من خلال إلغاء الذوات الإنسانية للافراد والجماعات. ويشخص د.إمام عبد الفتاح ثلاث خصائص للأنظمة الشمولية هي:
1 - ضرب من ضروب الحكم التسلطية، يختلف ويتميز عن شتى أنواع الاستبداد والتسلط وهي تتمسك بالمظهر الديمقراطي لتسويغ سلطتها وإعطاء نظام حكمها طابعا شرعيا.
2 - الديمقراطية في المذهب الشمولي، تعني أن إرادة القائد زعيما أو حزبا هي إرادة الشعب.
3 - الاستفادة من تحديث وسائل الإعلام والاتصال والإثارة والترغيب والترهيب للتأثير على جماهير الناس وتحقيق التطابق المنشود بين إرادة الشعب وإرادة القائد».
وتجد الاحزاب الشمولية بيئة خصبة ومناسبة في بلداننا باستخدام الدين ودغدغة احلام البسطاء باعادة عصر الخلافة الراشدة، ومن ثم سوقهم الى الصناديق لصالحها.
ويضمحل دور الأحزاب الشمولية تماماً في المجتمعات المتقدمة التي تحتكم لأنظمة دستورية، نتيجة ارتفاع مستوى وعي المواطن بحقوقه ومصالحه. إضافة لوجود ضوابط قانونية تحد من توجهات الأحزاب الشمولية الساعية، لفرض نهجها بالعنف والاستبداد على المجتمع. والضوابط القانونية الضرورية لمنع الحكم الشمولي تتلخص فيما يلي:
•ان ينص الدستور على الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية والتوازن بينها وعلى استقلالية المؤسسات السيادية للدولة وهي البنك المركزي، وجهاز الرقابة والمحاسبة، وجهاز الخدمة المدنية، واللجنة العليا للانتخابات.
•قانون لإنشاء الأحزاب السياسية يسمح للمواطنين بإنشاء الأحزاب السياسية ويكتسب الحزب شرعيته بمجرد الإشهار. وينظم القانون شروط حظر الأحزاب التي تشكل خطرا على الأمن الوطني او السلام الاجتماعي ويكون الحظر لاحقا لا سابقا ومناطاً بالقضاء.
•قانون لإنشاء الجمعيات والمنظمات الأهلية والفردية المدنية يسمح للمواطنين بإنشاء المنظمات والجمعيات التي تكتسب شرعيتها بمجرد الإشهار. وينظم القانون شروط حظر المنظمات التي تشكل خطرا على الأمن الوطني او السلام الاجتماعي ويكون الحظر لاحقا لا سابقا ومناطاً بالقضاء.
•قانون الصحافة والاعلام يحول المؤسسات الاعلامية الحكومية الى مؤسسات وطنية مستقلة تعبر عن المجتمع وتفسح المجال لصوت الشعب وفقا للمعايير المهنية وحدها. ويسمح القانون للمواطنين والشخصيات الاعتبارية باصدار الصحف والمواقع الالكترونية دون ترخيص او اخطار او اشعار لاي جهة. ودون قيد اوشرط.
•قانون لحرية الاحتجاجات المدنية السلمية والذي يسمح للمواطنين بالتظاهر والإضراب وكل صور الاحتجاجات السلمية دون قيد أو شرط وينظم القانون شروط إيقاف الاحتجاجات التي شكلت خطراً على السلامة العامة والعقوبات اللاحقة التي تتخذ ضد منظميها بأحكام قضائية .
•القضاء المستقل القوي النزيه هو اهم مقومات الدولة الديمقراطية الحديثة ، ومن الضروري الغاء كل انواع المحاكم الاستثنائية وضمها الى القضاء العادي، وسن التشريعات التي تكفل استقلالية القاضي وتبعد عنه اي نوع من التاثير من قبل بقية السلطات او من الجهات الحزبية والمذهبية، يجب تنقية القضاء من العسكريين واحالتهم الى جهاز للنيابة والقضاء الاداريين والقضاء العسكري. وان يكون القاضي في القضاء العادي قد تدرج في الدراسة المدنية العامة او الخاصة التي تدرس المنهج الحكومي وان يتخرج من كلية حقوق حكومية ومن معهد القضاء الحكومي، وان يمنع خريجو الجامعات او المدارس المذهبية من مزاولة مهنة القضاء.
قامت الانظمة الجمهورية العربية الشمولية بتجريف الحياة السياسية وتركتها قاعا صفصفاً تمرح فيه اجهزة السلطة القمعية وتنظيمات الاسلام السياسي السرية وعلى راسها جماعة الاخوان المسلمين التي ليس لها كيان قانوني شرعي في أي بلد عربي باعتبارها جمعية سرية يقسم اعضاؤها يمين السمع والطاعة على المصحف والمسدس. وقد نهجت هذه الجماعة منذ نشأتها الاولى نحو خدمة الاستعمار الانجلو سكسوني والعائلة المالكة العميلة له منذ عهد مؤسسها حسن البنا، الذي كان يتسلم تمويلا من العائلة ومن بريطانيا، ثم الولايات المتحدة الامريكية من خلال العداء المشترك للحركة القومية العربية والتحالف مع دول الرجعية العربية في الجزيرة والخليج هي علاقات واضحة بذاتها وموثقة ولا تحتاج الى بيان. قد قدمت الجماعة للغرب خدمات كبرى بدءا من محاربة المد القومي العربي وصولا الى تقديم المجندين للحروب في افغانستان ويوغسلافيا والاتحاد الروسي.
وعند اندلاع الاحتجاجات الشعبية بدءا من تونس كانت الانظمة الغربية قد قررت التخلي عن الانظمة لصالح الاخوان المسلمين نظرا لشعبويتهم ومكافأة لهم على الخدمات الكثيرة، واثقة بانهم لن يتصدوا لمصالح الامبريالية الغربية وفي مقدمتها اسرائيل، واستباقا لوصول التنظيمات الاسلامية الراديكالية الجهادية الى السلطة. وقد اتبع الغرب في تمكين الاخوان المسلمين سبيلين واضحين:
الاول ارغام الجيش في كل من تونس ومصر على المساعدة على اسقاط النظام وتقديم الدعم المالي والسياسي الكافي لتمكين الجماعة من الوصول الى السلطة وهو ما تم في تونس ومصر وجزئيا في اليمن.
والثاني اشعال الحرب في الانظمة التي ليس للغرب تأثير فيها على الجيش كليبيا وسوريا تمهيداً للتدخل العسكري الغربي لاسقاط النظام، وهو ما حدث في ليبيا، وقد تعذر ذلك في سوريا حتى الآن بسبب الممانعة القوية من قبل الصين والاتحاد الروسي في مجلس الامن من ناحية، وتدفق التنظيمات الجهادية الراديكالية على سوريا من ناحية أخرى بحجم أثار مخاوف الغرب ودفعه لاعلان بعضها منظمات ارهابية.
وكنت قد كتبت في الرابع من نوفمبر 2011 مع اندلاع الثورة في مصر مقالة بعنوان»الضغط الدولي سيكون حاسما في نجاح ثورة المصريين» ويمكن لمن يشاء الاطلاع عليه في الانترنت، وقد قلت فيها:
(في مواجهة ثورة المصريين تبدو خيارات الحكومة المصرية محدودة جدا. وتواجه القوات المسلحة ضغوظا دولية قوية وجدية لحماية المحتجين المصريين تحت طائلة اجراءات غاية في الشدة. فبعد التحذير الذي اطلقه السيناتور جون ماكين بان قطع المساعدات العسكرية عن مصر خيار مطروح، وهي مساعدات سنوية كبيرة تبلغ قيمتها 1300 مليون دولار، جمدت المانيا امدادات الاسلحة الى مصر. وطبقا لموقع بي بي سي فقد تبنى مجلس الشيوخ الأمريكي مساء الخميس الماضي بالاجماع قرارا له رمزية معينة يحث الرئيس المصري على تشكيل حكومة انتقالية ولكن دون أن يطلب مع ذلك استقالة حسني مبارك.
وقبل التصويت، قال السيناتور جون كيري احد اللذين وضعا النص بان القرار غير الملزم يبقى غامضا عمدا حول الدور الذي يمكن ان يلعبه مبارك في هذه الحكومة المقبلة. واوضح كيري «يمكن ان يشارك فيها او لا. كل شيء يتوقف على ما يتفق عليه المصريون».
وكان السيناتور الجمهوري جون ماكين الذي وضع النص ايضا مع كيري قال الاربعاء «انه امر مؤسف ولكن حان الوقت كي يستقيل الرئيس مبارك ويترك السلطة». واضاف كيري ان الهدف من النص هو العمل بشكل تبدأ معه مصر «التجاوب مع تطلعات شعبها».)
نتائج حكم الاخوان:
يسعى الاخوان المسلمون كسابقيهم الى اقامة نظام شمولي على اساس من التغلب عبر السيطرة على وسائل القمع ومفاصل القوة والثروة في المجتمع. ولهذا فإنها تسيطر على كل القنوات الشرعية وغير الشرعية التي يمكن أن تحدث تصحيحاً أو تغييراً في النظام. مدركة ان ذلك يجعل الوسيلة الوحيدة للتغيير هي الانقلاب أو العنف والحروب الأهلية. فالشارع والثورة والانقلاب هي وسائل التغيير.
ولمنع ذلك تعمد الانظمة الشمولية إلى السيطرة على وسائل الإعلام تحسباً من إثارتها للاحتجاجات بما تنشره من حقائق وفضائح قد تؤدي إلى الثورة المسلحة، أو الانقلاب العسكري، أو الاحتجاجات الانقلابية للشارع.
وبينما نرى في المجتمعات الليبرالية الغربية أن أي فضيحة سياسية أو فساد، أو خروج على القانون، يتم الإعلان عنه دون تردد أو قمع، ومن ثم طي صفحاته إعلامياً، وترك تداعياته للقنوات الشرعية الدستورية والقانونية، نجد الانظمة الشمولية تخشى من إعلان هذه الأمور، وتقمع كل محاولة للإعلان عنها، وتعمل على إبقائها طي الكتمان، حتى أن المواطنين يلجأون إلى الإعلام الأجنبي بغرض الاطلاع على ما يجري في وطنهم ومدينتهم.
ولذلك يتراكم الفساد والأخطاء وقد تتعطل التنمية، وبينها ومن جرائها الاقتصاد، وتتدهور معيشة الشعب، وصولاً إلى دورات العنف المتكررة، لأن السلطة تفرض نظام الحكم والمنتج الثقافي والسلعة والخدمة بالقوة.
يغيب القانون وتتحكم الأجهزة الأمنية والمحاكم الاستثنائية ويعطل القضاء، فيعم الخوف أول ما يعم موظفي الدولة، الذين يصبحون هدفاً للتطهير العنيف والأقل عنفاً، ويتردد مصيرهم بين الموت والسجن والتعذيب، والفصل من الخدمة والتشريد. فتتعملق حثالة من الناس ملئت حقداً، تستغل مثل هذه الأوضاع الكريهة المخيفة لتقدم خدماتها إلى أولي الشأن، وشايات ونميمة وتجسساً، ويصبح لهؤلاء الجبناء الخبثاء هيبة ومكانة، فتنقلب الأوضاع، ويصبح الطريق إلى علو الشأن والمكانة في المجتمع سيئ الخلق وأرذله، الذي يقترن عادة بالجهل، وحتى الأمية ويهان العلماء وذوو الخبرة والعلم، ويتسلط عليهم الجهلة، ويقود الخوف والرعب أكثرهم إلى وهاد من الخلق لا تليق بإنسان متعلم وقدير، لو كان وادعاً آمناً في سربه، فتصبح النكبة نكبتين، أو بالأحرى ثلاثاً:
•نكبة في شأن القيادة التي انحدرت إلى مستوى العصابات،
•ونكبة في الإدارة التي يتحكم بها أراذل كالوشاة والنمامين وكتاب التقارير،
•ونكبة في أخلاق النخبة من ذوي العلم والخبرة، ينحدرون مضطرين إلى مهاوي التزلف والملق، وكل ينتظر فرصة للخلاص بالهجرة إن أمكنته الهجرة من هذا الجحيم، والتي تصبح الطريق الوحيد لخلاص أمثاله من الأحوال المعوجة، فتشرع البلاد في الخلو من أفضل كوادرها، ومقدرات أبنائها لتصبح خراباً بلقعاً تنعق فيه الغربان والبوم.
ترى احدى القوى المصرية المناهضة لحكم الاخوان «ان الفكر الاصولي الشمولي «الواحد» لا يملك في الأصل إمكانية التفكير «المتعدد»، ومعنى ذلك أنه يلغي بالتالي إمكانية التفكير النقدي، وبطبيعة الحال فانه لذلك مناهض للديمقراطية. وأن أسوأ ما سيسجله التاريخ عن هذه الحقبة السوداء أن من كان رئيسا لمصر لم يكن سوى عضو في ميليشيا إرهابية تأخذ قراراتها من غيره وأن حالة الصمم الرئاسي و التوحش الاخواني دعوة مفتوحة لتحويل المتظاهرين السلميين إلى ميليشيات مسلحة. وأنه إذا دارت الدائرة لن تتوقف عن الاتساع..عنف يقابله عنف ورصاصة تقابلها رصاصة وميليشيا تواجه ميليشيا..هكذا تتحول الثورات الشعبية الى حروب أهلية»
ولذلك كله أرى ضرورة الكفاح من اجل تثبيت الضمانات الدستورية والقانونية التي ذكرناها في صدر المقالة لمنع قيام الحكم الشمولي، والتضحية بالنفس والنفيس لاستمرار الضمانات وفرض تنفيذها دون هوادة، لان ذلك كفيل بمنع الشمولية بصرف النظر عن هوية الحاكمين.