في واقع الامر إن المعطيات الجديدة في الصومال والتغييرات التي شهدها ومايزال يشهدها الصومال هذا البلد الفقير بإمكانياته المتواضعة والغني بثرواته وأصالة شعبه ، يجعلنا نقول بأن الصوملة (السلبية) قد انتهت تقريباً ليبدأ عهد الصوملة (الايجابية) والتي تؤكدها مجموعة من الخطوات (الايجابية) التي بدأت (الصومال) تخطوها والمتمثلة في الاتي :
(1) تشكيل الاعمدة الرئيسية لمقومات الدولة مثل البرلمان والانتخابات الرئاسية التنافسية التي أسفرت عن انتخاب رئيس جديد للصومال ممثلاً بفخامة الرئيس / حسن شيخ محمود وانتخاب رئيساً للوزراء وتشكيل حكومة من ( 10 ) وزراء لإدارة شئون ومصالح الدولة إلى جانب (5) وزراء للدولة في إطار الحكومة بعد تجميع عدة وزارات في إطار وزارة واحدة .
(2) هزيمة الشباب المجاهدين في الصومال بل ودحرهم عن العاصمة الصومالية (مقديشو) والمدن المجاورة لها حتى آخر معقل لهم في مدينة (جوهر) فضلاً عن استسلام العديد منهم .. بينما من تبقى منهم ما يزال اليوم يبحث له عن ملجأ جديد يؤويه أو مكان يختبئ فيه عقب الهزيمة التي تكبدوها .
(3) تطور وتطوير العلاقات الصومالية مع بعض دول الجوار من خلال تحركات فخامة الرئيس الصومالي الجديد للصومال والتي كان قد بدأها من خلال زيارته لـ (جيبوتي) التي تربط شعبها علاقات وطيدة ووشائج قربى ونسب بالشعب الصومالي فضلاً عن كونها من الدول التي ساهمت في معظم المصالحات التي تمت ما بين الفصائل والقبائل المتناحرة والحكومات في الصومال .. ناهيك عن زيارة فخامته إلى ( أثيوبيا ) التي شكلت وما تزال البعد الاستراتيجي للصومال خاصة من خلال مشاركتها في محاربة الاسلاميين مع القوات الصومالية وتربطها مع الصومال حدود تمتد لأكثر من ( 2000 ) كيلومتر مربع .. وأيضاً زيارة فخامته إلى ( كينيا ) وهي الضلع الثالث في المثلث المحيط بالصومال وتربطها مع الصومال علاقات ( أمنية ، واقتصادية ) حيوية وهامة وقد جاءت زيارة فخامة الرئيس الصومالي الجديد اليها بالطبع لوضع النقاط على الحروف .. وزيارة فخامته إلى (تركيا) والتي تكللت بتوقيع عدة اتفاقيات هامة (اقتصادية ، وأمنية ، وتعليمية) تم تنفيذ جزءً منها في السابق مثل اتفاقية (المنح الدراسية) الممنوحة للطلبة الصوماليين بغرض الابتعاث والدراسة في (تركيا) .. علماً بأن زيارة فخامة الرئيس الصومالي الجديد تلك كانت قد جاءت بهدف توطيد أواصر العلاقات (الصومالية ــ التركية) وتقديم الشكر في ذات الوقت لتركيا شعباً وحكومة ً على كافة جهودها في سبيل استقرار الاوضاع في الصومال وما قدمته ( تركيا) من مساعدات للصومال والصوماليين وخصوصاً أثناء أزمة الجفاف التي شهدتها الصومال فضلاً عن الزيارة الرسمية التاريخية التي قام بها شخصياً رئيس الوزراء التركي السيد/ رجب طيب أردوغان إلى الصومال والتي جاءت للتأكيد على مدى الاستقرار الذي بدأت تشهده الصومال وتركت بالمقابل أثراً كبيراً في نفسية الشعب الصومالي زاد منها ما تبعتها من زيارات رسمية رفيعة المستوى لوفود تركية كان آخرها زيارة وزير الخارجية التركي .. وأخيراً زيارة فخامة الرئيس الصومالي الجديد إلى (أوغندا) التي شاركت وماتزال تشارك بأكبر عدد من الجنود في إطار القوات المتواجدة على أرض الصومال .
(4) حلحلة وتحريك ملف قضية (اللاجئين) الصوماليين المتواجدين في عدد كبير من الدول وفي مقدمتها (اليمن) الشقيق .. وهي القضية التي بدأت تشهد إنفراجاً تجلى بوضوح من خلال عودة العديد من أولئك اللاجئين مع توقعات بعودة المزيد منهم .. خصوصاً بعد دعوة وتأكيد فخامة الرئيس الصومالي الجديد/ حسن شيخ محمود مؤخراً على عدم ممانعته من عودة اللاجئين الصوماليين من أرض المهجر في الدول الصديقة والشقيقة وفي مقدمتها (اليمن) إلى وطنهم (الصومال) شريطة مساهمة المجتمع الدولي في تهيئة الاجواء وترتيب العملية تحت إشراف المنظمات الدولية وبما لا يشكل عبءاً على الصومال ويزيح العبء في ذات الوقت عن كاهل الدول المستضيفة للاجئين الصوماليين على أراضيها .
(5) تحريك ملف قضية (المرأة) الصومالية وحقوقها المشروعة والمكانة التي يجب أن تتبؤها .. بل وباتت فعلاً اليوم تتبوؤها في الصومال من خلال شغلها فعلياً العديد من المواقع القيادية والمركز الحساسة في مختلف مفاصل الدولة الصومالية ، وهو الامر الذي لا يدع مجالاً للشك بمدى رغبة الصومال حكومة وشعباً في الانتقال بالبلد إلى مرحلة جديدة وتحديداً الانتقال بالصومال من عصر حكم القبائل وسيطرة العشائر إلى عصر الدولة المدنية الحديثة قولاً وعملاً ..وخير دليل على صحة كلامنا هذا وعلى سبيل المثال اختيار امرأة وللمرة الاولى في الصومال لشغل منصب (نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية) في الحكومة الصومالية الجديدة والذي شغلته السيدة الفاضلة / فوزية حاجي آذن الدبلوماسية السابقة ابنة التربوي القدير / حاجي آذن الملقب بـ (ابو المتعلمين) .. إضافة لمنصب (وزير الخدمات العامة) والذي يعد من أهم المناصب الوزارية في الحكومة الصومالية اليوم وشغلته بالطبع الدكتورة / مريم قاسم .. ناهيك عن عدة مناصب أخرى شغلتها المرأة الصومالية المتسلحة بالعلم والمعرفة والمهارات العملية العالية اليوم سواء في إطار الحكومة كنائبات لوزراء بعض الوزارات في الحكومة أو كنائبات (عضوات) في البرلمان الصومالي الذي باتت تشغل عضويته اليوم نحو (30) امرأة صومالية .
(6) دور اللاجئين الصوماليين اليوم والذي تحول من مجرد لجوء إلى مشاركة فاعلة في صنع القرار بالصومال .. وقد تجلى ذلك من خلال تعيين عدد من اللاجئين الصوماليين (سابقاً) كأعضاء (وزراء) في حكومة الصومال الجديدة بهدف الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم وكفاءاتهم وإمكانياتهم العلمية والعملية على حد سواء في إدارة شئون الدولة .. ومن أمثال أولئك الذين تحولوا من مجرد لاجئين إلى وزراء .. اللاجئة الصومالية (سابقاً) الوزيرة (حالياً) سعادة الدكتورة / مريم قاسم ــ وزيرة الخدمات العامة ــ والتي كانت في يوم من الايام (لاجئة صومالية) في (اليمن) وفي محافظة (تعز) تحديداً .. والسيد الفاضل / محي الدين محمد ــ وزير الاشغال العامة والنقل والموانئ ــ والذي كان في يوم من الايام هو الآخر (لاجئ صومالي) في (صنعاء) باليمن .. وغيرهما من (اللاجئين) ذوي الكفاءات والذين شغلوا العديد من المناصب والمراكز الحساسة في (الصومال) عقب عودتهم للبلد .
في الاخير .. وبعد كل ما تطرقنا إليها من ظروف موضوعية ومعطيات ملموسة وخطوات إيجابية بدأت تخطوها (الصومال) وعلى أرض الواقع ، باعتقادكم هل ما يزال بمقدور الساسة والسياسيين استخدام كلمة أو مصطلح (صوملة) ؟؟
إلا إذا كان أولئك الساسة والسياسيين يريدون تجاوز الواقع أو القفز عليه متجاهلين الخطوات (الايجابية) الطيبة والتي بدأت تخطوها (الصومال) بقيادة فخامة الرئيس الجديد للصومال / حسن شيخ محمود والذي يعد من أكثر أبناء الصومال إخلاصاً وعزماً وتصميماً على النهوض بالبلد والعبور بها إلى بر الامان واعتبر الكثيرون بأن فوزه في رئاسة الجمهورية الصومالية بداية إعلان لمرحلة جديدة من التقدم والازدهار والرقي وبناء المؤسسات القومية مثل الجيش الوطني وقوات الأمن الأخرى التي تعزز استعادة هيبة البلد وتضعه في مكانته الطبيعية بين الأمم التي تسعى إلى الرقي والازدهار.. وهو الامر الذي يجعلنا بالمقابل نقول وبكل ثقة (( لا للصوملة بعد اليوم )) .
* نائب القنصل الصومالي العام بعدن