ومن جانبه لم يستطع الإعلام تكريس ثقافة الوفاق الوطني والابتعاد عن التأجيج وتكريس ثقافة الاختلاف وشق الصف الوطني دون وعي بما يترتب على ذلك من مخاطر، والإدراك بأن المرحلة تحتاج إلى ما يُعمق الوئام والمحبة والتسامح والوفاق.. ويدفع إلى ان يعمل الجميع بروح الفريق الواحد من أجل حاضر الوطن ومستقبله لا من أجل الأمجاد الذاتية والمصالح الأنانية.
لقد حان الوقت أن تتغير مفردات خطابنا الإعلامي والسياسي والابتعاد عن المُكايدات وسياسة تقاسم الأدوار، وخطاب التجريح والسب والشتم والفبركات الإعلامية الكاذبة، وصناعة الأخبار المُلفقة وأساليب التحريض المتعمد والاستخفاف بعقول الناس، والتلاعب بعواطفهم، ودغدغة مشاعرهم وأحاسيسهم، واستثارة غرائزهم الجاهلية، وتبرير فشل الحكومة وأجهزتها في أداء مهامها وواجباتها وتحميل الآخرين مسئولية الفشل.
لقد حان الوقت أن يبدأ الجميع وبالذات شُركاء العملية السياسية بالعمل لمعالجة ما خلفته صراعاتهم البينية وأحقادهم وضغائنهم على هذا الوطن والشعب من دمار وخراب مادي ومعنوي، وإعادة الأمور إلى نصابها ليعاد لهذا الوطن عافيته وابتسامته وحتى يتمتع أبناؤنا وأطفالنا بطفولتهم ويمارسون طقوس أفراحهم وألعابهم في الساحات والحدائق العامة والحارات في أمن وأمان وطمأنينة، ولابد من إزالة مظاهر التجول بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة من قبل رجال القبائل وعصابات التقطع والإرهاب في العاصمة صنعاء وبقية المُدن، والقضاء على ظاهرة تجول السيارات غير المرقمة المدججة بالمسلحين غير النظاميين والذين يستفزون مشاعر المواطنين ويشكلون مظهراً غير حضاري في عاصمة الدولة وبقية مُدنها الرئيسية، ناهيك عما يحدث من مثل هذه الممارسات في المُدن الثانوية والأرياف، والأهم من هذا وذاك هو أن تُخمد جذوات الفتن ويُطفأ لهيب الصراعات وتسكت أصوات الرصاص وأزيزها والأصوات الناعقة بالخراب والدمار.
المرحلة تستوجب من جميع أبناء اليمن دون استثناء عقد العزم وصدق النية وقوة الإرادة والوفاء بالعهود والمواثيق وعدم التنصل منها أو الإلتفاف عليها، ولابد أن تتهيأ الأجواء الآمنة ليذهب الطالب إلى مدرسته أو جامعته وهو آمن وأسرته مطمئنة، والتاجر إلى متجره وهو قرير العين لا يخاف من ناهب أو متغطرس أو مقتحم، والمزارع إلى أرضه دون أن يأتي من يستولي عليها أو يدّعي ملكيتها زوراً وبهتاناً وبقوة السلاح والمال والنفوذ، والجندي إلى ثكنته وهو مطمئن على نفسه وحقوقه من أي اعتداء إرهابي أو تسلط قائده على راتبه ومستحقاته وقوت أولاده، وأن تفتح المؤسسات العامة والمعامل والورش ويُعاد بناؤها وتجهيزها بعد أن دمرتها الصراعات المريرة خلال الأزمة، ولابد أن يعود للتعليم هيبته وللعلم قدسيته، وان تُخلى الجامعات وبعض المدارس من المظاهر المسلحة والمتارس والثكنات التي ازدحمت بها بعيداً عن ساحات المعسكرات الواسعة والتي تحتل ثلث مساحة العاصمة صنعاء.
إن مسئولية الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني وفي المقدمة حكومة الوفاق الوطني أن يعيدوا الحياة إلى طبيعتها الآمنة المستقرة وإصلاح كافة الخدمات، وإعادة الهدوء إلى ربوع الوطن وإلى جميع مرافق الدولة الحيوية، وإشاعة الأمن والأمان في البلاد.. ولو في حده الأدنى؛ إذ إنه من غير المعقول أن تتحول العاصمة صنعاء إلى ساحات للتقطع والنهب والاغتيالات والاختطافات على مرأى ومسمع من الحكومة والأجهزة الأمنية التي لم تحرك ساكناً تجاه مثل هذه الأعمال الخارجة عن القانون، وهو ما يفرض أن تعمل الحكومة على فرض هيبة الدولة وتطبيق القوانين والأنظمة ووضع حد لمظاهر الفوضى والابتزاز، والاستجابة لمطالب الشباب وتحقيق طموحاتهم والقرب منهم ومعالجة مشاكلهم وإصلاح أوضاعهم وإشراكهم في العملية السياسية، لا تحريضهم على التصعيد والاستمرار في الخطأ الذي من شأنه تعطيل قدراتهم الإنتاجية والإبداعية تحت مبرر الاستمرار في الاعتصامات، كما أن المنتظر من الحكومة أن تعمل على توفير الاحتياجات الأساسية، وتأمين حياة كريمة وآمنة ومستقرة للمواطن، ومعالجة آثار الأزمة، وإعادة إعمار ما تدمر خلالها، وإزالة كل أسباب ومظاهر الفتنة والخلاف والتأزم والتوتر السياسي؛ لأن أمام حكومة الوفاق الوطني مهام صعبة وتحديات عويصة وأعباء ثقيلة لابد من تجاوزها، وهو ما يتطلب تكاتف جهود كافة قوى المجتمع وصدق النوايا، وقيامهم بواجباتهم بأمانة وإخلاص، ووضع مصلحة اليمن فوق كل مصلحة، والترفع عن الدنايا والصغائر والسمو فوق الجراحات، والكف عن تحميل الآخرين مسئولية العجز والفشل في أداء المهام والواجبات، واعتماد مبدأ المصارحة والمُكاشفة والشفافية بعيداً عن المُغالطات والتبريرات والتسويف الذي ملّه وسئم منه الشعب.