والرؤية غير واضحة أمام الأغلبية الساحقة من المواطنين. فكل ما يعرفه المواطن البسيط هو أن بيانات مطلبية تكتب وتنشر هنا أو هناك، وأن تظاهرات عددها لا يوحي بالقلق تحتشد فجأة بتلك الطرقات وتطالب بالإصلاح والانتخابات والإفراج عن معتقلي الرأي.. إلخ.
كلها أمور لا تخيف المواطن لكن الباعث على القلق هو الأخبار التي تصدرها الداخليات الخليجية مؤكدة على خلايا ومؤامرات تحاك إخوانياً وعربياً وغربياً ضد أمن الداخل، فى بيانات حكومية تربط بين هذه المؤامرات والتظاهرات والمطالبات التي اعتقد المواطن أن بها إحياء للنهضة ومحاولة لتحسين معيشته. نبدأ الآن بالاستماع للعنات المواطنين على الديمقراطية والحرية وكل من اخترع مبدأ المشاركة السياسية.
التخويف السياسي الدارج يشير للشوارع العربية بابتسامة «تشفٍّ» عريضة: انظروا إلى ما حدث فى مصر. انظروا لما أصاب تونس.
تجيب بأن التحول الديمقراطي يتطلب وقتاً فيأتيك الرد: لن يخرج الإسلاميون من الحكم إلا بعد عشرات السنين، حينها يكون الإنسان قد انتهى من هنا. ثم انظروا للقسمة في ليبيا.
لا أريد ثورة تفتت الأرض وتعيد قسمة العشرينيات من جديد، كأن قدرنا أن نموت كل مائة عام.. لكن السؤال: هل الأرض أغلى من الإنسان، أم الكرامة أغلى من كل شيء؟ وإن حياة بلا كرامة لا تليق بإنسان.
سيحيا العربي بين كرامة وأمن واستقرار يوما من الأيام .. أما متى فذلك في علم الغيب ومتروك لقدره مع الحكومات القديمة والجديدة ومع الاستعمار المزمن ومع أشياء مهلكة أخرى.
أعود للفزع الخليجي، عدا القطري بالطبع الذي يحتضنهم ويدعمهم كما يدعم الثورات، وما يهمني هو التخويف من حكم الإسلام السياسي «الإخوان» فى بلد حكمته مؤسسات الدين عشرات السنين. فهل تكون هذه يقظة أخيرة؟ «طبعا لا يتم التخويف بشكل علنى إنما عبر مقالات الصحافة والإعلام وغيرها من قنوات الحكومة الدارجة».
فهل ترغب السعودية فى الخلاص نهائياً من التطرف السائد؟ وهل هذه بداية للتحرر من الحكم الديني «السلفي»؟ أم أن المقصود هو تنظيم الإخوان بغض النظر عن أيديولوجيتهم؟
وهنا تبرز قصة أخرى، فالسعوديون يصرون على أن الإخوان هم سبب النكسة الثقافية والردة الحضارية التى نعيشها فى الداخل السعودي. الرواية التاريخية تقول إنه حين استقطب النظام الإخوان المضطهدين من حكوماتهم السورية والمصرية وغيرها، عهد لهم بســذاجة سياسية بمقاليد أهم أبواب الحضارة والتنشئة وهي التعليم، إضافة طبعا لمناصب مهمة أخرى، لكنهم بمكرهم ودهائهم أمسكوا من خلال التعليم بزمام الأجيال القادمة بتنظيم محكم، تحكموا فيها وأخرجوا ماردا متوحشا هو خليط من السلفية والإخوانية، وعنه تفجرت النزعة الإرهابية.
وما أعرفه من أبي وجدي والناس الذين عاشوا النصف الأول من القرن العشرين أن البلاد كانت ترزح تحت السلفية لكنها لم تكن تعاني التطرف مطلقاً. حتى التفاصيل الصغيرة التي حُرمنا منها اليوم كانت موجودة وبشكل طبيعي في المدن والقرى وغيرها. حتى دور السينما كانت موجودة في الرياض وجدة. وكانت المذاهب الأربعة تدرس فى الحرم المكي جنبا إلى جنباً بأجمل أنواع التعايش. وكان أبي يري فى طفولته في أربعينيات القرن الماضي نساء بلدته متجهات للحقل دون غطاء يكسو الوجه. لم نكن واجهة حضارية متقدمة، كانت بيئة بسيطة لكنها متحررة بشكل حضاري متصاعد.
هذه القصص والأمثلة على الحرية المجتمعية في الماضي السعودي يتداولها كثيرون لإثبات أن الإخوان هم سبب التعصب والدمار الفكري الذي نعايشه اليوم ويكاد يخنقنا لحد الموت.
فهل الحذر من الإخوان مشروع؟
وإن كان الحذر منهم لمجرد مواقف سياسية تبنوها في أوقات مختلفة كحرب الخليج وأفغانستان وغيرها فهل الحذر الآن مشروع؟
أنا مواطنة وأريد أن أضع نهاية للفزع؟ مخاوفي ليست كمخاوف المصريين. أنا نشأت بمكان يضطهد حتى صوتي، لذا فتساؤلي بعيد عن صلاحية الحكم السياسي الإسلامي من عدمها، سؤالي لمعرفة ما نهاية الفزاعة: أهى انفراجة حضارية أم قمع ديني جديد؟
سؤالي مبني على ردة فعلنا الماضية بعد الثورة الإسلامية بإيران وحركة جهيمان بمكة، فقد ارتمينا في حضن رجال التطرف والشدة. فهل سيعاد الخطأ اليوم، أم أن استرجاع التاريخ القريب جداً سيوقظنا من سباتنا المريض؟
أريد أن أعرف لأني سئمت سياسة الصمت. ومللت من عرض الأخبار المخيفة بإيجاز وترك التخمين للمواطن كما أحاول التخمين اليوم.
هل إخوان الخليج مسلحون؟ ما أعدادهم؟ هل لهم ارتباط بمنظمات إخوانية عربية؟ هل تسعى قطر بالتعاون مع الإخوان لانقلابات في السعودية والإمارات؟ هل تجسد قطر عدواً جديداً؟ وهؤلاء الذين يتآمرون من الداخل، ما أشكالهم؟ ما أسماؤهم؟ كيف يحاكمون؟ وما تهمتهم؟
وللحديث شجون.
* كاتبة سعودية