تذكرت مصطفى لطفى المنفلوطى، الذى رحل مثل عمار فى يوم سلطت الأضواء على حدث آخر مثلما سلطت الأضواء على الاتحادية وجذبت الأنظار بعيداً عن وفاة عمار، فقد سار فى جنازة المنفلوطى خمسة أشخاص فقط، كما يقال، لأنه تصادف أن كان يوم جنازته يوم إطلاق الرصاص على الزعيم سعد زغلول، الذى اتجهت إليه الملايين وتركوا المنفلوطى وجنازته، لدرجة أن أمير الشعراء قال:
اِختَرتَ يَومَ الهَولِ يَومَ وَداعِ
وَنَعاكَ فى عَصفِ الرِياحِ الناعي
هَتَفَ النُعاةُ ضُحىً فَأَوصَدَ دونَهُم
جُرحُ الرَئيسِ مَنافِذَ الأَسماعِ
مَن ماتَ فى فَزَعِ القِيامَةِ لَم يَجِد
قَدَماً تُشَيِّعُ أَو حَفاوَةَ ساعي
ما ضَرَّ لَو صَبَرَت رِكابُكَ ساعَةً
كَيفَ الوُقوفُ إِذا أَهابَ الداعي
خَلِّ الجَنائِزَ عَنكَ لا تَحفِل بِها
لَيسَ الغُرورُ لِمَيِّتٍ بِمَتاعِ
بالرغم من أن وفاة عمار الشريعى فى هذا اليوم الأسود فى وقت انشغلت فيه الشاشات بتغطية أحداث الاتحادية، فإن عمار فى القلب وفى الوجدان وفى العقل، لو لم يؤلف قطعة موسيقية فى حياته إلا موسيقى رأفت الهجان لكفاه لكى يخلد فى الوجدان، وكذلك الأيام، أرجو من القراء أن يستمعوا إلى الأغانى القصيرة لعلى الحجار داخل المسلسل التى تمس شغاف القلب وتقطر رقة وعذوبة، استمع إلى موسيقى البرىء وأغنية «الدم اللى فى إيديا بالليل ينده عليا ويقوللى قتلت مين؟»، تلك الأغنية الرائعة التى غناها بصوته النافذ إلى القلب والذى لا تمتلك إلا أن ترتعش رهبة وشجناً وهو يعزف بحنجرته وعوده.
كان عجينة مصرية من سمالوط تنتمى إلى الباشوات تربية ولقباً وإلى الفلاحين قلباً وفناً، خفة دم وسرعة بديهة ودمعة قريبة وذكاء خارق وكاريزما لا تقاوم وحلم لا ينتهى ونغم خالد لا يموت، هذا هو عمار الشريعى الذى اختار يوم الهول يوم وداع، ولكن الفنان لا يودع؛ لأنه يسكن القلوب لا القبور.