وهذا ما يجعله، أي الفيلم، الى جانب سابقته وهي الرسوم الكاريكاتورية التي تستهزئ بالنبي، في موقف رسمي تحاسب عليه الادارة الامريكية وبعض دول الغرب.. فليست المسألة لتقتصر على مجرد حادث عرضي يستهدف النيل من المسلمين عامة جراء واقعة 11 سبتمبر 2001م.. او مجرد مؤامرة تهدف لخلق فتن طائفية في عالمنا الاسلامي.. ولا ندري حتى كيف يمكن أن يكون تعبيرا عن الرأي فيما يسمى بحرية الإبداع، فللحرية قواعد ضبط تخضع لها كي لا تختلط بالفوضوية التي ترى ان «من الديمقراطية أن ترفض الديمقراطية»!.. غير أن الولايات المتحدة الامريكية وسواها من دول الغرب، يقولون لك وهذا ما لا يفهمه المسلمون: نحن دولة حرة.
فالحرية لا تكون إلا حرية منظمة.
الأمر كذلك في الأعراف الدبلوماسية المحكومة بتبادل المصالح بين الدول، والتعاطي مع مختلف الشعوب والأديان والأجناس بالاحترام المتبادل.. وأي خلل في مجرى هذه الأعراف يؤدي الى الجرم المشهود الذي يستدعي مقاضاته او ان ينتهي الى قطع تلك العلاقات.. وقد يفضي الى مواجهة بالمثل او اعلان حرب!.
غير هذا، فقد دأبت السينما في الغرب من خلال عشرات الافلام التي تؤصل لملامح الشخصية العربية- الاسلامية في السينما العالمية الى الإساءة للعرب والمسلمين عامة بشكل يدعو الى الاستفزاز وبعث الريبة في النفوس العربية تجاه العالم الغربي، وتفسد على الإنسانية بشكل عام في ان يسود التعاون والتفاهم بين مختلف الأجناس.. وللتقارب او التآخي بين الأديان.. والى درجة لا تتوازى معها الآداب التي انتهجت القص الديني بوقعه التهذيبي، والشعر بنفسه الانساني، والرواية بنبضها العالمي.. والتي كان من شأنها ان حققت التقارب بين مختلف الشعوب!.
وما يحدث هو ان الفكر اليهودي كان دائما خلف هذه الافلام بكل ثقله كما يحلل الناقد السينمائي احمد رأفت بهجت (الهلال يناير 1995) في كل مجال من مجالات صناعة الفيلم السينمائي ما أدى بشكل تلقائي الى مساندة الالتقاء بين المصالح الاستعمارية والصهيونية.
وكان احدث تلك الافلام: الفيلم الامريكي «قواعد الاشتباك» الذي جرت احداثه وتم تصويره منذ بضع سنوات في اليمن، تحت رعاية النظام الخانع للغرب.. وهو فيلم يصور اليمنيين حتى الاطفال بصفتهم: إرهابيين!.
ونشاهد آلة الحرب الامريكية وهي تحصد الآلاف منهم في قلب العاصمة اليمنية أمام السفارة الامريكية!.. وقد علق النقاد السينمائيون العرب ممن تسنى لهم مشاهدة الفيلم وهو يعرض في الصالات الامريكية: انه يمثل اكبر اساءة للعرب.
على ان الحادث اليوم قد تخطى جميع الحدود في انتاج فيلم سينمائي يسيء الى النبي الأعظم، في دولة تدعي احترام القيم الإنسانية المثلى وتزجي الحديث عن تقديرها البالغ للدين الإسلامي!.. وفوق هذا تدعو الى الديمقراطية بطابعها الإنساني لا القومي ونشرها في العالم.
هذه هي «الولايات المتحدة الامريكية» الراعي الأكبر للمسيحية ـ الصهيونية العالمية وفيها منتجو هذا الفيلم الذي يعرض بنبي الاسلام ليفت من عضد هذا الدين العظيم!.. فكيف لا تقوم قيامة المسلمين؟.. ثم (متى يكون الجهاد ان لم يكن دفاعا عن الدين..عن المعتقدات والمقدسات؟). ويريدها البعض قيامة «إدانة واحتجاج واستنكار تذهب في مهب الرياح!.. او كما يحدث عادة من خلال ردود الفعل الوقتية التي تصيبنا بين فترة واخرى كلما شاهدنا فيلما او عملا فنيا يهاجم العرب وحضارتهم واسلامهم!.. وينكرون حق الفعل الإرادي (لا العفوي) لهذه الشعوب الغاضبة الهادرة التي لم تجد منفذا لرد فعلها الا ما تراه بين يديها: سفارات ومصالح للغرب.. وكان حريا بدول العالم الاسلامي قبل ان يستفحل الامر ويصل الى عامة المسلمين اتخاذ موقف رسمي بموجبه حتى يتم اتخاذ إجراءات عقابية بحق منتجي هذه (السفاهة) وتقديم الاعتذار الرسمي الامريكي لكافة المسلمين ومن ثم إعادة رسم خريطة العلاقات بين الدول الإسلامية والغرب، ما يترتب عليه تشريع قانون دولي يحظر التعرض والمساس بالمقدسات والإساءة للخصائص القومية للشعوب بمحمل الطابع العنصري.
اما والحال هذه من التجاوز الرسمي عن الإساءة (المتكررة) لنبي الإسلام ورسول رب العالمين، فالأنسب لتبرير ردود الفعل العنيفة في صفوف المسلمين المستشرية، وهي غيرة على العقيدة التي يتنفسونها مع كل نسمة حياة.. وفيما هي تدعو الى الجهاد ضد أمثال هؤلاء المتطرفين من المسيحيين ـ الصهاينة السفهاء الذين (يؤذون الله ورسوله والمؤمنين بغير ما اكتسبوا).. وفيما الرسول الأكرم يمثل في هذه العقيدة، بعد الله جل وعلا وكتابه العزيز: الشرف الأسمى لعزتنا القومية وسؤدد ديننا الإسلامي.. فالأنسب ان نتأسى بقول المتنبي شاعر العرب:
(لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم)
ولا اعتقد ان أدب «بيت» المتنبي هذا قد أصبح خارج الأدب العربي، وان علينا ان نمحوه من ذواكرنا الثقافية وقد ترسخ عبر منشور وعينا القومي الإسلامي!..
وفيما لا يسعنا هنا الا ان نترحم على ضحايا هذه النفرة والغضب الشعبي.. من كان يؤدي واجبا مقدسا في عقيدته.. ومن كان يؤدي واجبا شريفا في سفارته.. او كان يؤدي واجبا وطنيا لحفظ الأمن.. وإنما العتب على الحكومات والدول الراعية للإرهاب الفكري من خلال المنتج الثقافي المدمر للعلاقات بين الشعوب والأديان والحضارات.