وقد اشتهر الشيخ الديلمي ـــ الذي أصبح خطيبا ومحرضا ثوريا في صلوات الجمعة أمام المعتصمين في ساحة الجامعة ـــ بفتواه الدموية التي أباحت إزهاق الأرواح وسفك دماء المسلمين المدنيين من نساء ورجال وأطفال وشيوخ وشباب مدينة عدن والمحافظات الجنوبية أثناء حرب صيف 1994 المشؤومة، بذريعة ان جمهور الفقهاء المسلمين أجمعوا على جواز قتل هؤلاء المسلمين المدنيين إذا تترس بهم الكفار ـــ في إشارة واضحة الى الحزب الاشتراكي اليمني الذي يتحالف اليوم مع حزب الديلمي في إطار اللقاء المشترك دون أن يعتذر حزب ( الاصلاح) وفقهاؤه التكفيريون عن فتواهم الدموية التي أطلقوها في حرب صيف 1994 لتبرير وتغطية جرائم حرب الابادة الجماعية ضد أبناء وبنات مدينة عدن، والتي جرى توثيقها بالصوت والصور الفوتوغرافية والتلفزيونية من قبل بعض المنظمات الحقوقية اليمنية والعربية والدولية لملاحقة مرتكبي هذه الجرائم المعادية للانسانية في صبر والوهط بمحافظة لحج، وكود بيحان والممدارة ودار سعد والشيخ عثمان والمنصورة والحسوة بمحافظة عدن، وهي جرائم حرب لا تسقط بالتقادم ـــ بموجب معاهدات جنيف الأربع.
وفي ما يلي سنرد على الديلمي ونفضحه، وهو رد موصول أيضا على احدى الصحف الحزبية التي زعمت بأن من أسمتهم خصوم الديلمي عجزوا عن تقديم الدليل على صدور تلك الفتوى، وهو دليل سبق لغيرنا من الكتاب والصحف والمواقع الالكترونية نشره وبصوت الديلمي أيضا عبر إذاعة صنعاء أثناء حرب صيف 1994م، وقد استنكر هذه الفتوى الظالمة فور صدورها أثناء حرب 1994م كل من شيخ الازهرالاسبق جاد الحق علي جاد الحق والشيخ عبدالعزيز بن باز الرئيس الأسبق لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية والشيخ ابن عثيمين عضو هيئة كبار العلماء في السعودية قبل أن يتوفاه الله، ومفتي مصر الشيخ محمد سيد طنطاوي قبل أن يصبح شيخا للأزهر والشيخ محمد متولي شعراوي رحمهم الله جميعاً.
وقد أجمع هؤلاء الائمة الكبارـ الذين ردوا على الفتوى و صاحبها باسمه الصريح ـ على أن الاسلام لايجيز قتل وسفك دماء المسلمين والمسالمين، واستنكروا مزاعم فتوى الديلمي بأن قتل المدنيين المسلمين جائز اذا تواجدوا بين المقاتلين، لأن قتلهم يساعد على هزيمة العدو ونصرة الاسلام بحسب قول الديلمي فض الله فاه.
كما رد على هذه الفتوى بعد صدورها عدد من علماء الاسلام على نحو ما سنوضحه لاحقا.
(( نص الفتوى ))
(( إننا نعلم جميعاً أن الحزب أو البغاة في الحزب الاشتراكي اليمني المتمردين المرتدين هؤلاء لو احصينا عددهم لوجدنا أن اعدادهم بسيطة ومحدودة، ولو لم يكن لهم من الأنصار والاعوان من يقف إلى جانبهم ما استطاعوا ان يفعلوا ما فعلوه في تاريخهم الاسود طوال خمسة وعشرين عاماً، وكل الناس يعرفون في داخل المحافظات الجنوبية وغيرها أنهم اعلنوا الردة والالحاد والبغي والفساد والظلم بكل أنواعه وصنوفه، ولو كان هؤلاء الذين هم راس الفتنة لم يكن لهم من الاعوان والانصار ما استطاعوا أن يفرضوا الألحاد على أحد ولا أن ينتهكوا الاعراض ولا أن يؤمموا الاموال ويعلنوا الفساد ولا أن يستبيحوا المحرمات، لكن فعلوا ما فعلوه بادوات، هذه الادوات هم هؤلاء الذين نسميهم اليوم المسلمين، هؤلاء هم الذي اعطى الجيش ولاءه لهذه الفئة، فاخذ ينفذ كل ما يريد أو ما تريد هذه الفئة ويشرد وينتهك الاعراض ويعلن الفساد ويفعل كل هذه الافاعيل وهنا لابد من البيان والإيضاح في حكم الشرع في هذا الأمر:
أجمع العلماء أنه عند القتال بل إذا تقاتل المسلمون وغير المسلمين فإنه إذا تترس اعداء الاسلام بطائفة من المسلمين المستضعفين فإنه يجوز للمسلمين قتل هؤلاء المتترس بهم مع أنهم مغلوب على أمرهم وهم مستضعفون من النساء والضعفاء والشيوخ والاطفال، ولكن إذا لم نقتلهم فسيتمكن العدو من اقتحام ديارنا وقتل أكثر منهم من المسلمين ويستبيح دولة الإسلام وينتهك الاعراض.
إذا ففي قتلهم مفسدة اصغر من المفسدة التي تترتب على تغلب العدو علينا، فإذا كان إجماع المسلمين يجيز قتل هؤلاء المستضعفين الذين لا يقاتلون فكيف بمن يقف ويقاتل ويحمل السلاح.
هذا اولاً، الامر الثاني: الذين يقاتلون في صف هؤلاء المرتدين يريدون أن تعلو شوكة الكفر وأن تنخفض شوكة الإسلام، وعلى هذا فإنه يقول العلماء من كان يفرح في نفسه في علو شوكة الكفر وإنخفاض شوكة الإسلام فهو منافق، أما إذا اعلن ذلك وأظهره فهو مرتد أيضاً».
(( انتهت الفتوى ))
هذا هو نص الفتوى التي نفى الديلمي أنه قالها ، والأدهى من كل هذا الكذب والتضليل أن عبدالوهاب الديلمي دافع بنفسه عن فتواه التكفيرية في صحيفة (الصحوة ) الناطقة بلسان حال حزب التجمع اليمني للاصلاح في عددها رقم 447 الصادر بتاريخ 29 ديسمبر 1994 تحت عنوان ( لفتات ايمانية ) ورد على الذين استنكروها بقوله : ( انهم يتجرؤون على حكم الله وشرعه دون معرفة تخول لهم ذلك وبدافع من الجهل للحكم الشرعي وذلك يحدث بدافع التعاطف مع الحزب الاشتراكي). ثم تساءل الديلمي في ذلك المقال بعد ان أصبح وزيرا للعدل غداة حرب 1994 الظالمة قائلا : ((هل فات هؤلاء ـــ يقصد الذين استنكروا فتواه ـــ أن يدركوا مدى الخطر العظيم على الدين والدنيا اذا كانت الغلبة للمرتدين، وهم يعلمون حقيقة هؤلاء ــ يقصد الجيش الجنوبي والحزب الاشتراكي ـ ونواياهم الخبيثة وماضيهم المليء بالجرائم والافساد والظلم والجبروت والقهر والاذلال واستباحة كل شيء مما حرم الله ومحاربة الدين والخير والفضيلة الى غير ذلك مما لايجهله أحد .. هل يريدون أن يعود هؤلاء حاكمين من جديد ليذيقوا الناس كل الوان العذاب؟ هل يريدون أن تعلو كلمة الكفر في الارض وأن ينتصر الباطل )).
ويضيف الديلمي في ذلك المقال المنشور في صحيفة «الصحوة» قائلا: (( أن المشككين يردون على الفتوى بأن الذين يقاتلون مع المرتدين مسلمون، فكيف يقاتلون مسلمين، قد يكون المقتول والقاتل في النار .. والجواب عن هذا ان الحزب الاشتراكي هو عبارة عن عدد محصور وهم اصحاب القرار فلو كانوا في الساحة وحدهم ولم يكن معهم من يناصرهم ويعاونهم ويتجند في صفوفهم ويقاتل معهم ما كان لهم قدرة على ان يفعلوا شيئا مما فعلوه)) .
ويضيف الديلمي : ( فالذين وقفوا الى جانبهم وجندوا انفسهم لخدمتهم وطاعتهم ـــ يقصد المواطنين والجيش والامن والموظفين في اجهزة الدولة في الجنوب ـــ هم الادوات التي استخدمها الحزب الاشتراكي لفرض الالحاد والمحرمات وسفك الدماء، ولأن هؤلاء الناس الذين تسمونهم بالمسلمين هم الذين نفذوا للحكام الاشتراكيين كل ما أرادوه، فقد أجاز أهل العلم قتل هؤلاء المسلمين لانه لايمكن مقاتلة العدو الا بقتل المتترس بهم من المدنيين حتى ولو كانوا مسلمين، لأن عدم قتل هؤلاء المسلمين يترتب عليه مفسدة أعظم من من مفسدة قتلهم، وهي غلبة الكفر وأهله على أهل الاسلام)).
ويختتم الديلمي مقاله بالقول : (( أنه مادمنا على حق في جهادنا فلا يهمنا من رضي عنا أو سخط علينا )) .
ردود علماء الدين
رد فضيلة شيخ الازهر جاد الحق علي جاد الحق حينها على فتوى الديلمي بقوله : ( ان مسألة العدوان بين المسلمين غير مقبولة شرعا ومصلحة، والاقتتال بين المسلمين حرام وقد قال رسول الله صلى عليه وسلم ان قتل الاطفال والنساء والشيوخ حرام لأن الحرب اليمنية ـــ يقصد حرب 1994م ـــ أصلا غير مشروعة ولان قتل هؤلاء غير مشروع مع غير المسلمين فما بالنا بالمسلمين) .
وقال الشيخ محمد الغزالي في رده على فتوى الديلمي ( ان قتل الاطفال والنساء وكل من لايشارك في الحروب جريمة في عرف الاسلام، والمسلمون منهيون في حالة الحرب مع العدو عن اقتلاع شجرة فهل نجيز لهم ذبح الاطفال والنساء في حرب غير مشروعة كهذه الحرب التي ابتلي بها اخواننا في اليمن).
أما الشيخ احمد حسن مسلم عضو لجنة الافتاء في الازهر الشريف فقد رد على فتوى الديلمي بقوله: ( ان الحفاظ على النفس البشرية بصفة عامة أمر مطلوب شرعا ولا يجوز تسويغ الذرائع لسفك دماء المدنيين سواء كانوا مسلمين او غير مسلمين بحجة ان عدم قتلهم يمنع الانتصار على العدو ) .
ومن جانبه رد رئيس قسم الشريعة في كلية الحقوق بجامعة القاهرة على فتوى الديلمي بجواز قتل المتترس بهم من المدنيين ( ان الشريعة الاسلامية واضحة تماما في تحريم دم المسلم وعدم جواز سفكه، بل أن الاسلام يعتبر قتل نفس واحدة قتلا للناس كلهم، وان عقوبة اباحة دم المسلم هي القصاص في الدنيا والخلود في النار ).
كما قال نائب رئيس جامعة الازهر الاسبق والامين العام الاسبق لرابطة الجامعات الاسلامية الشيخ الدكتور جعفر عبد السلام ( ان اباحة دم المسلم أكبر جريمة يمكن ان ترتكب على وجه الارض ، ولهذا حرمها الاسلام والمواثيق الدولية ) .
من جانبه قال الدكتور محمد سليم العوا الامين العام للهيئة العالمية لعلماء المسلمين أن مثل هذه الفتاوى تجعل من من الصعب علينا اقناع العالم بأن الاسلام سبق القانون الدولي ومعاهدات جنيف في تحريم الاعتداء على المدنيين أثناء الحروب ، فما بالنا عندما تأتي مثل هذه الفتوى التي تبيح قتل الاطفال والنساء الذين يتواجدون في مناطق الحروب بحجة ان العدو يتترس بهم .
أما الشيخ عبدالعزيز التويجري فقد استنكر هذه الفتوى وقال انها ليست من الاسلام بل تسيء اليه وتظهره بأنه دين يجيز القتل الجماعي ولا يراعي حياة المدنيين من النساء والاطفال أثناء الحروب سواء بين المسلمين أنفسهم أو بينهم وغيرهم ، وهذا يحرمه الاسلام بنص الكتاب والسنة.