تمتهن انسانيتي ..
تصب في اذني سيول من عبارات الاستهزاء.. ومجلدات من قواميس السب والشتم والسخرية..
طعام لا يكفيني،.. والموت البطيء مصير حتمي نظير رعايتهم لصحتي.. لسان حالي يقول دائما ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون )..
في حياتي اصدقاء دائمون، ضرب ورفس وركل، هراوات وعصي، صعق بالكهرباء، والتعرض لعفتي، ورصاص حي قد تسكن به انفاسي بقسوة وتماد وبدون مساءلة..
.. الشرب من المجاري والبيات فيها، الزنزانة (انفرادي).. كلها وسائل للتحقيق وعقوبات تاديبية تعبث بي، ويعبث بها سجاني..
في الحظيرة حيث انام نتكوم بدون هواء، نتنشق العناء، ازدحام ورطوبة وروائح كريهة وحمامات قذرة وفرش اقذر، فالنظافة ترف تحلم به مخيلة حيوان مثلي..
يتفننون في تعذيبي.. والضياع تدفعه معي اسرتي ثمن اخطائي.. لا مستقبل لي فحبسي يعني نهاية حياتي.. لست في اجندة الحكومات، ولا اثير اهتمام السفارات، ولست من اولويات نشاط المنظمات والنقابات، ولا قيمة لي لدى دولتي، احتجز لسنوات بدون محاكمة داخل وخارج بلادي، وكثيرا ما ارمى في تلك الحظيرة بدون تهم، وقد تتجاوز سنو احتجازي عقوبة الادانة ذاتها، وبلا ادنى تعويض لعمري الذي ذهب ادراج الرياح ضحية لاهمال قاضٍ..
هذه بعض ملامح معاناتي.. فهل علمتم من انا ؟؟؟
نعم انه انا.. السجين اليماني آلامي تترى، وكثير منكم قرر أن ينساني..
وبعد هذا الواقع المؤلم الذي يحكيه لنا سجين.. ندخل الى صلب موضوعنا الذي يتناول قيم السجن وحقوق السجناء وآلامهم بفئاتهم المختلفة..
بديهي ان السجن مؤسسة تاديبية واصلاحية، وان الهدف الاسمى منها هو حماية المجتمع من الجريمة والمحافظة على سلامته واستقراره وتطوره ونقائه وتماسكه..
ومن اجل تحقيق ذلك نجد المجتمعات المدنية المحلية والدولية اوجدت الاتفاقيات والقوانين التي تنظم هذه المؤسسة وتلزمها بالاستعانة بجميع الوسائل الاصلاحية والتاهيلية والتعليمية والاخلاقية والروحية التي تساعد السجين على الاندماج في المجتمع تحت ظل القانون والقيم عن قناعة واعتقاد وفائدة ..
ان السجناء حسب قانون تنظيم السجون وحسب القوانين الدولية ينقسمون الى فئات ثلاث : السجناء المدانون المحكوم عليهم، السجناء المحتجزون رهن المحاكمة وهؤلاء يطلق عليهم متهمون ، السجناء المحتجزون دون تهم او تهم سياسية واهية كمعتقلي الثورة ومعتقلي الحراك السلمي اومن متابعتنا للقضايا المتعددة، ولاقسام الشرطة والنيابات والمحاكم والسجون.. وجدنا للاسف الكثير من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان التي يتعرض لها السجناء سواء داخل اليمن التي تسببت في ثورات في سجون متعددة، آخرها كانت المواجهات والاضطرابات في السجن المركزي بتعز في نهاية الشهر الفائت..
اما خارج حدود البلد فقضايا السجناء المدانيين او من هم بدون محاكمات في بلد كالمملكة السعودية الذي يعاني فيه اليمنيون الامرين وشتى انواع المهانة والعذاب، اعدادها كبيرة، ولا توجد معنا احصاءات لعددهم واماكن تواجدهم الا من فعلت قضيتهم اعلاميا ومنهم 300 سجين في سجن جيزان العام اضربوا عن الطعام مطالبين بالعفو عنهم حسب توجيهات قضت بابعادهم خارج الدولة وترحيلهم ..
وهناك سجناء في بلدان عربية اخرى كسوريا، و لبنان، ومنهم الاخ عبدالحبيب السامعي المسجون منذ ابريل 2011م بدون ان تقدم قضيته الي المحكمة للبت فيها سواء بالبراءة او الادانة، في ظل تراخي واهمال متعمد من ممثلي السفارة اليمنية في لبنان.. وحسب افادته بانه ليس الوحيد المسجون بدون محاكمة وهناك آخرون مسجونون لاكثر من خمس سنوات بدون محاكمات ايضا وبعلم سفارتنا المذكورة ..
اما السجناء اليمنيون في سجون غربية كسجن جوانتنامو مثلا فحدث ولا حرج.. وسواء اختلفنا مع هؤلاء السجناء او اتفقنا، فاننا نتحدث عن حقوق عامة لكل سجين منها الحق في المحاكمة العادلة، والحق في التمتع بحق الحماية من التعذيب باشكاله، والحق في احترام انسانيته وكرامته..
قيم السجن وحقوق السجناء
ولكن ماهي حقوق السجناء ؟.. وهل للسجن قيم ينبغي الاخذ بها ؟
مساهمة منا في الدفاع عن حقوق هؤلاء المساجين، وفي تنمية الوعي الحقوقي لدى المهتمين ولدى عامة الشعب، ورغبة منا في التركيز على القيم الانسانية التي يتشارك فيها كل انسان.. سنعرض لكم بعض المعاهدات الدولية وسنذكر حقوقاً تناثرت هنا وهناك وعليكم تحريها ومتابعتها ورصدها، لتعرفوا حجم الكارثة في السجون وحجم مأساة السجناء اينما كانوا، وعلينا كثوار وكمجتمع ايصال ثورة التصحيح الى هذه المؤسسة وتبني قضايا هذه الشريحة من ابناء الوطن والا فاننا جميعا مسؤولون امام الله وامام الشعب.. حقيقة هناك الكثير من الحقوق المنصوص عليها في قانون (تنظيم السجون اليمني)، وفي مواثيق دولية منها : ( القواعد الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء ) التي اقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في قراريه لسنة 1977،1957م، وتتضمن مجموعة من المبادئ والقيم الجيدة اذا نحن ضمنا تطبيقها في معاملة المسجونين وفي ادارة السجون، وهي في مجملها تمثل الشروط الدنيا التي تعترف بصلاحها الامم المتحدة، ومنها :
الالتزام بعدم التمييز في المعاملة بسبب العنصر او الجنس او اللون او الدين او الراي السياسي او غير السياسي.. وعدم جواز الجمع بين المساجين، والالزام بواجب الفصل بين الفئات المختلفة، فلا يجمع النساء مع الرجال، ولا البالغون مع الاحداث، ولا المحكوم عليهم مع المحبوسين احتياطيا، كما يفصل المحبوسون لقضايا مدنية ومنها الديون مثلا مع المدانين بجرائم جزائية..
وهناك مجموعة من الشروط حددتها المعايير الدولية لاماكن الاحتجاز ومنها توفير الغرف المعدة لاستخدام المساجين بالفرش والبطانيات المناسبة مع مراعاة المناخ، والاهتمام بجوانب الاضاءة والتهوية والعدد المتناسب مع حجم العنابر ومساحتها،..
كما اكدت ضرورة توفير الطعام ذي القيمة الغذائية الكافية للحفاظ على صحة السجين وقواه البدنية والنفسية مع الاهتمام بالمراحيض والمياه وتوفير منشآت الاستحمام والاغتسال الالزامي وتوفير الملابس المناسبة التي تحفظ كرامة السجين وتحفظ بدنه..
وركزت على ضرورة توفير الخدمات الطبية والنفسية ومراعاة السجينة الحامل والرعاية الكاملة لها ولوليدها .. والزمت سجون الدول بتوفير الاليات الترفيهية والثقافية والرياضية، مع الالزام بالتعليم، والعمل باجر منصف يخضع في قانون تنظيم السجون اليمني الى قانون الاجور ..
حفظت المعاهدات للسجين كرامته، فحظرت العقوبات التأديبية الجسدية كالضرب وغيره، كما حظرت الوضع في زنزانة مظلمة، او اية عقوبات قاسية او لا انساينة او مهينة له..
وضيقت من حدود استخدام السجن الانفرادي او تخفيض نسبة الطعام، واشترطت فحص طبيب وشهادة خطية منه بان السجين قادر على تحمل هذه العقوبة القاسية.. مع تحفظنا على هذا النص ودعوتنا الى القضاء نهائيا على عقوبة السجن الانفرادي لانه براينا ضرر محض ويتعارض مع وظيفة السجن الاساسية كما انه ليس منضبطاً بحالات معينة بل يتوسع فيه ولا يخضع لاي مراقبة..
حظرت المبادئ الدولية استخدام الاغلال والسلاسل والأصفاد وثياب التكبيل كأدوات لتقييد الحرية وكوسائل للعقوبات التأديبية، كما منعت اللجوء الى القوة من قبل موظفي السجن في علاقتهم مع السجناء الا دفاعا عن النفس او في حالات الفرار او المقاومة الجسدية بشرط استخدامها في الحد الادنى ..
وحقيقة توسعت القوانين الدولية في تقديم معالجة حقيقية للسجناء وفق قيم انسانية كبيرة، بقصد ادماجهم في المجتمع وتحويلهم الي مواطنين صالحين والعمل على ابقاء المساجين جزءاً من المجتمع وليس بعيدا عنه، فقامت بمنح حقوق اخرى للسجين.. منها ايضا الحرص على كفالة اسرته ورعايتها في حالة السجن ، كما تكفلت برعايته بعد اطلاقه، كل ذلك بالمؤازرة من الهيئات الحكومية وهيئات المجتمع المدني المحلية التي عليها دور في المساهمة في التاهيل الاجتماعي عن طريق الرعاية الدينية والتعليم والتوجيه والتكوين المهني وتنمية الشخصية .
لقد تفردت المعاهدات الدولية في ارساء حقوق سامية منها تمتع السجين بالضمان الاجتماعي وفي الاتفاقية المسماة ( مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الاشخاص الذين يتعرضون لاي شكل من اشكال الاحتجاز او السجن التي اعتمدت ونشرت في 1988م حددت مبادئ ومعايير مفصلة ..
فقد نص المبدأ الاول على ( يعامل جميع الاشخاص الذين يتعرضون لاي شكل من اشكال الاحتجاز او السجن معاملة انسانية تحترم كرامته كانسان) هذا هو الاساس والهدف الجامع لكل القوانين الدولية او المحلية التي تتعامل مع قضية الاحتجاز..
كذلك اكدت انه لا يتم القبض الا وفق للقانون وبامر من سلطة قضائية او سلطة اخرى وبدون انتقاص من أي حق من حقوق الانسان ، وتطبق هذه المبادئ على جميع الاشخاص داخل ارض اية دولة ..
ولا يجوز اخضاع أي محتجز للتعذيب او غيره من ضروب المعاملة الاانسانية او القاسية او المهينة لكرامته
واكدت حق المتهم ان يبلغ بسبب الاحتجاز وقت القاء القبض عليه ولقد نص المبدأ (11) على انه: لا يجوز استبقاء أي شخص محتجزا دون ان تتاح له فرصة حقيقية للادلاء باقواله في اقرب وقت امام سلطة قضائية او سلطة اخرى وله حق الدفاع عن نفسه والاستعانة بمحام مع اخطار اسرته بمكانه، وان كان اجنبيا له الحق في الاتصال باحد المراكز القنصلية او بالبعثة الدبلوماسية للدولة التي ينتمي اليها..
كما اعطى المبدأ 32 الحق للشخص المحتجز او محاميه ان يقيم دعوى امام سلطة قضائية او سلطة اخرى للطعن في قانونية احتجازه بغية الحصول على امر باطلاق سراحه دون تاخير اذا كان الاحتجاز غير قانوني.
والزمت ان يحضر الشخص المحتجز بتهمة جنائية امام سلطة قضائية او سلطة اخرى ينص عليها القانون، وذلك على وجه السرعة عقب القبض عليه وتبت هذه السلطة دون تاخير في قانونية وضرورة الاحتجاز .
كما اكدت حق الشخص المحتجز بتهمة جنائية ان يحاكم خلال مدة معقولة كما يحق له اطلاق سراحه الى حين محاكمته رهنا بالشروط التي يجوز فرضها ووفقا للقانون .
كما له الحق في التعويض اذا انتهكت حقوقه على يد موظف عام..
وفي ( اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة والعقوبة القاسية او اللا انسانية او المهينة ) التي دخلت حيز التنفيذ 1987م، اكدت المادة السادسة انه لا يجوز ان يستمر احتجاز دولة ما لشخص الا للمدة اللازمة للتمكين من اقامة أي دعوى جنائية، او في اتخاذ اجراءات لتسليمه، مع الزامية التحقيق الفوري معه مع اعطائه حقوقه كاملة..
والمادة السابعة نصت على ضرورة عرض القضية على السلطات المختصة بقصد تقديم الشخص للمحاكمة اذا لم تقم بتسليمه وتكفل الدولة المحتجزة المعاملة العادلة في جميع مراحل الاجراءات القانونية..
واخيرا وبعد هذه الجرعة القانونية المكثفة، الموشحة والمكللة بتاج من القيم التي تحفظ لنا كرامة وآدمية الانسان والتي تتفق تماما مع روح ديننا الاسلامي الحنيف، فاننا نعود لنطالب حكومتنا ممثلة بوزارة حقوق الانسان ووزارة المغتربين ووزارة الخارجية والنائب العام للدولة والسفارات المختلفة، بشيء واحد هو اعادة المنسيين الى ذاكرتها والعمل على تحقيق احد اهداف ثورة التغيير في المحافظة على كرامة اليمني اينما كان داخل بلاده او خارجها..
ونشدد على انه لا يكفي التنديد والمطالبات من الحكومة.. وانما لابد من انشاء هيئات معينة لمتابعة حقوق السجناء والتخفيف من معاناتهم وآلامهم ومتابعة اجراءات اطلاقهم او ضمان محاكمات عادلة وفق القانون ..
كما نقترح انشاء هيئة حكومية للسجناء تهدف الى متابعة تأهيلهم وكفالة اسرهم وضمان تشغيلهم وادراجهم وادماجهم في المجتمع بعد حصولهم على حريتهم، مع اشراك منظمات المجتمع المدني في هذه المهمة هذا اذا اردنا ان نؤسس لدولة مدنية حديثة احد اركانها كل ما سبق.. ودمتم احراراً كرماء ..
* رئيسة منظمة مساواة للتنمية السياسية وحقوق الإنسان - تعز