قبائل الصبيحة في الوثائق البريطانية واستراتيجية الوصول إلى العمق في المناطق الجنوبية



14 أكتوبر/ خاص:
نجمي عبدالمجيد :
لم تكن الاستراتيجية التوسعية لبريطانيا، بعد دخولها إلى عدن، تقف عند خطوط هذا الوضع الجغرافي، بل كان لابد لها من الامتداد ليس نحو الأطراف القريبة لأن مسافات البر والبحر والجبال لها في تحديد قوة المواقع ما يفرض حسابات المواجهة والصراع والحسم، وكذلك سياسة التعامل مع أهمية المكان في صنع الركيزة العسكرية لحماية عدن عبر هذه المساحات والتي مهما كانت بعيدة لكنها تفرض حضورها في صناعة القرار.
من هنا نجد ان بريطانيا لم تغفل موقع الصبيحة من منزلة الأمن العسكري والسياسي لعدن وما جاورها من مواقع جنوبية لها دورها في إدارة أي عملية تطرح وتكون فيها جغرافية المسافات السياسية صاحبة الموقف المحدد للمشروع .
نعود هنا في هذه الرؤية التاريخية لطرح بعض مما جاء في تلك المراجع البريطانية والعربية والتي وان دققنا النظر فيها نراها لم تقف عند ما جرى من أحداث في السابق بل مازالت صاحبة الحضور في الراهن .
جغرافية الموقع حتمية في العمل السياسي وهي تطرح عملية المقاربات وفرضياتها الماضية في أفعال صناعة مجريات المنطقة.

- 18 فبراير 1839م تم توقيع أول التزام بين الشيخ جعوس بن سلام العبادي وقبيلته والكابتن هينس من سلاح البحرية الهندية نيابة عن شركة الهند الشرقية
- مناطق الصبيحة تحتل أهمية تاريخية وعسكرية في كل فترات الصراعات المسلحة لذلك وضعتها حكومة بريطانيا في إطار جغرافية خطوط المواجهة
- خارطة الصبيحة تمتد على طول ساحل باب المندب حتى رأس عمران وفقم وفي الزواية الجنوبية منها نجد سلسلة الجبال المواجهة للبحر الأحمر متعرجة تسير مع خط الشاطئ مسافة تقرب من عشرة أميال إلى الداخل

في هذه الرجعة نحاول طرح قراءة تقارب هذه المعادلات لان منطقة الصبيحة مازال لها حضورها الهام والفاعل في ترسيم خرائط تلك المناطق الجغرافية والاتجاهات العسكرية والسياسية، وما بين فرض طوق الأمن والحصار على عدن. ولعلنا حين نطرح الخرائط إلى جانب مسار الأحداث ندرك على أية أرضية نحن نقف، وهل لنا مقدرة في رؤية تقاطع لعبة المصالح والأهداف على هذه الأرض. ومن هنا نرى ان تفكير بريطانيا في الذهاب نحو الصبيحة له من البراهين التي علينا أن ندركها في سياسة الحاضر.
يقدم لنا المؤرخ حمزة علي لقمان هذا الوصف لتلك المناطق قائلاً: ( قبيلة الصبيحي ـ أو الصبيحة ـ متعددة الفخائذ والفروع والبطون وتعيش في البقعة الممتدة على طول ساحل باب المندب حتى رأس عمران وفقم ومن الشمال تحدها قبائل المقطري والشرجبي والأثوري.
وعلى الرغم من ان مساحتها شاسعة إلا انها غير مأهولة كلها لان القسم الأكبر منها أراضٍ مترامية الأطراف ليس فيها سوى القليل من الآبار التي تستعمل للشرب وفي ري الزراعة القليلة.
وفي الزاوية الجنوبية الغربية من بلاد الصبيحي نجد سلسلة الجبال المواجهة للبحر متعرجة تسير مع خط الشاطئ مسافة تقرب من عشرة أميال إلى الداخل في خطوط متوازية متعددة والجبال وعرة وتكاد النباتات تكون معدومة فيها والقمم الرئيسية فيها هي جبل سن سنفة 2834 قدماً، وجبل اموصيد 1979 قدما، وجبل امساس 2053 قدماً، وجبل خرز 2766 قدماً.
ونحو الشرق في داخل البلاد نجد سلاسل متعاقبة تحاذي الأودية المتعددة التي تترح جنوباً نحو طوران وترتفع نحو ألف قدم فوق مستوى قاع الأودية، بينما نجد مجموعات من الجبال العالية نحو الشمال الغربي لها ارتفاع يبلغ بين أربعة آلاف وستة آلاف قدم من أهمها سلسلة جبال حبوة وجبل رسين والخط الطويل لجبل جردد الذي يكون مجموعة جبلية تتجه متعرجة نحو الشرق ونحو الغرب والجنوب والجبال تكون نقطة تجمع المياه التي تنساب من الأودية جنوباً بينما تنساب مياه وادي الغيل وغيره من الأودية غرباً نحو البحر الأحمر وإلى الشرق من جردد وجبل امعبدار نجد جبال الزريقي التي أهمها جبل منيف 6856 قدماً.
يقطعها وادي عبيل ووداي العادم وتتجه نحو الخط الطويل لجبل عرف الذي ينعطف شمالاً عند الشط الغربي لوادي معادن ويوصل هذا الخط بأعلى سلسلة إلى الجنوب وهي التي تمتد في خط مستقيم من جبل صبر حتى وادي تبن ويقع الجدار الجبلي من حوب وسفوح سلسلة الجبال الرئيسية في بلاد الصبيحي).
لم تغفل السياسة البريطانية كل هذا الامتداد لموقع الصبيحة لذلك نجدها، ومنذ الوقت القصير بعد دخول عدن، تذهب نحو هذا الموقع الجغرافي الهام الجامع بين البر والبحر.
لقد أدركت النظرة لديها ان حماية عدن لن تكون عند مستوى تقاطع الجوار القريب ولكن كلما ذهبت الرؤية نحو تلك المسافات البعيدة تصبح الحماية فاعلة في صنع الاستقرار للوجود البريطاني في عدن.
تلك هي فرضية السياسة الأمنية والتي لا تقوم فقط على قوة السلاح لبريطانيا في عدن، بل لابد من اقامة حلقات توازن وخطوط أمن تراقب أي تحرك نحو عدن وهذا يعطي لنا دليلاً على ان ضمان أمن عدن العسكري والسياسي تكون فيه البداية من تلك المناطق التي لا يمكن ان تسقط من حسابات الهجوم والدفاع وفرض نوعية المشروع السياسي.
وطالما الجغرافية حاضرة في كل الحقب علينا التعامل معها عند مستوى الأزمات والمراحل.
نعود نحو المراجع البريطانية وسياسة صناعة المعاهدات والاتفاقيات مع قبائل الصبيحة وهذا يعطي لنا المزيد من صور العلاقة بين الجغرافيا والسياسة.
عدن ـ الصبيحة ـ رقم (16) 1871م
رقم (16)
ترجمة اتفاقية ابرمت مع بعض فخائذ الصبيحة لحماية الطرقات المؤدية إلى عدن (1871)
ان الغرض من تحرير هذه الاتفاقية ما يلي:
نتيجة لما حدث من تأخير ومضايقات للمسافرين من وإلى عدن وتلبية لرغبة المقيم السياسي في عدن ان تقدم بعض التسهيلات للمسافرين براً فإننا الموقعين اسماءنا ادناه وبالتحديد عبدالله بن خضر المنصوري، ناصر بن خضر المنصوري، وأحمد تقي المنصوري، وأبراهيم سيف الخليفي وعلي بن أحمد الخليفي، وعبدالحميد بن محمد سعيد العطوي، وحسن نعمان الخليفي نوافق مع الميجور جنرال شارلس واليام ترنمنهير (سي ـ بي) المقيم السياسي في عدن نيابة عن الحكومة البريطانية على ما يلي:
المادة (1) ان نتخلى ونتنازل عن العوائد والضرائب المفروضة على بضائع المسافرين المارين على أراضينا وطرقنا من وإلى عدن.
المادة (2) ان نؤمن الطرقات وإذا حدث أن اضر أو نهب المسافرين أحد من قبائلنا فاننا نلزم انفسنا أن نعيد الممتلكات المنهوبة وان نعاقب الجاني.
المادة (3) وإذا اتضح اننا اهملنا أو تراخينا في إعادة الممتلكات المنهوبة فاننا نلزم انفسنا بالتعويض عن ذلك وستكون من صلاحية المقيم السياسي في عدن ان يسدد التعويض من المخصصات المدفوعة لنا مقابل العوائد.
المادة «4» ستكون من صلاحيات المقيم السياسي في عدن وحسب تقديره وقف دفع أية مخصصات كنا نتسلمها كتعويض عن العوائد المشار إليها، وحينها سيكون مشروعاً لنا إعادة فرض التعريفة التي حددت سابقاً على البضائع.
المادة «5» إذا تمت أعمال سلب أو نهب في اراضينا من قبل أفراد قبيلة أخرى، فسنبذل قصارى جهدنا لإعادة الممتلكات المنهوبة.
المادة «6» يجب أن يدوم الأمن والصداقة بيننا والحكومة البريطانية وأصدقائها وحلفائها.
المادة «7» إننا مقتنعون باستلام مبلغ شهري يقدر بـ (25) ريالاً من المقيم السياسي في عدن بموجب هذه الاتفاقية.
المادة «8» إن هذه الاتفاقية ملزمة لنا ولحلفائنا وملزمةبالمقابل للحكومة البريطانية. ويسري مفعولها من اليوم الخامس عشر من شهر مايو 1871م، الموافق الخامس والعشرين من شهر صفر 1288هـ.
حررت في الثالث عشر من مايو 1871م.
بصمات كل من: حسن نعمان الخليفي.
عبده أحمد العطوي.
علي بن أحمد الخليفي.
إبراهيم سيف الخليفي.
أحمد تقي المنصوري.
ناصر بن خضر المنصوري.
س. دبليو. ترنمهير، المقيم السياسي.
الشهود السلطان فضل بن محسن، سلطان لحج
الشيخ محمد بن محسن بن فضل.
الشيخ صالح بن علي الدبيني.
الشيخ عبدالكريم المنصوري.
الشيخ سالم بن عبدالله الرجاعي.
تمت ترتيبات مماثلة مع المخدومي والرجاعي ـ فخائذ من الصبيحة ، منحوا مخصصات شهرية تقدر بـ «30» ريالاً للفخيذة الأولى، وخمسة وأربعين للفخيذة الثانية.
عدن ـ الصبيحة ـ رقم (15) ـ 1939م
رقم (15)
أبرم هذا الالتزام في الثامن عشر من فبراير 1839م
بين شيخ الزايدة، الشيخ صلاح المعودي، والكمندار هينس، من سلاح البحرية الهندية نيابة عن شركة الهند الشرقية.
ستنعم بلدنا بالصداقة والاستقرار وستكون عدن في أمان منا، وسيتمتع رعايانا بحرية الحركة والتنقل دون إساءة أو ضغط طالما روعي القانون.
الشيخ صلاح المعودي.
الشهود: عبدالرزاق، قاضي عدن.
اس.بي.هينس.
الاريخ: 18 فبراير 1839م.
ومن مصادر التاريخ البريطاني في المناطق الجنوبية، وفيها رصد لمراحل من الصراعات في مناطق الحدود بين عدن والصبيحة وهي تلقي بعدة أبعاد في جوانب تصادمات الجغرافيا، ومنها نختار بعض الأحداث.
مما جاء في الوثائق البريطانية حول الصبيحة نختار بعضاً منها: ( تحررت قبيلة الصبيحة من سيطرة العبادل في عام 1886م وقد اظهر العبدلي في بداية العام رغبة في مضايقة الصبيحة، ومن خلال تنصيب رجال في منطقة امرجاع حاول العبدلي الاحتفاظ بالتمسك ببلاد الرجاع ولكن انسحب أولئك الرجال إثر تقديم المندوب السامي احتجاجاً على ذلك التنصيب، فطلب السلطان مساعدة من الأسلحة والذخائر بهدف استرجاع وضعه في الصبيحة، ولكن نبهه المندوب السامي بأن الصبيحة قد اصفحوا عن الفرقة العسكرية في عام 1886م لإدراكهم في توقف سيادة العبدلي عليهم فقط، فمن له أن يسترضيهم لا أن يتوقع مساعدة لإجبارهم على البقاء تحت سيطرته.
1891 ـ 1892م: أثناء عودة مشايخ من قبيلة المنصوري من عدن، حاول العبادلة مهاجمتهم بكمين، وتم توفير مرافق لهم أرشدهم إلى بلادهم. وقام القبطان وهاب بمسح جزء من بلاد الصبيحة، فتقدمت قبائل الضنبري والعطيفي والجرابي والوهاشة بمعارضة كبيرة، فعوقبوا بتوقف رواتبهم ومنع هداياهم، كما منعوا من دخول عدن.
1892ـ 1894م: في عام 1893م تم إلغاء هذا العقاب كما تم إعادة راتب شيخ قبيلة المخدومي الذي علق بسبب سوء التصرف، واستمر العداء مع العبادل حتى فبراير 1893م، حينها توصل العبدلي إلى هدنة مع كل قبائل الصبيحة عدا قبيلة المنصوري).
ومما يطرحه علينا المؤرخ حمزة علي لقمان في هذا التاريخ، يذكر: إنه وبعد دخول بريطانيا إلى عدن عام 1839م عقدت القيادات البريطانية اتفاقيات مع بعض رؤساء قبائل الصبيحي، ومن تلك الفترة حتى عام 1871م كان رئيسا الدبيني والرجاعي يتقاضيان رواتب من حكومة عدن، لكن في ذلك العام اقدمت فخيذة المنصوري بالهجوم على قافلة قادمة من عدن، وفي نفس العام كونت الحكومة البريطانية فرقة إيدن تروب العسكرية ودفعت بها إلى أرض المنصوري، وجرت مواجهات مسلحة قتل فيها شيخ القبيلة وعدد كبير من رجاله.
وبسبب هذه الاحداث جاء رؤساء الصبيحة إلى عدن للتوقيع على معاهدات تعهدوا فيها بأن يحافظوا على سلامة الطرق وإرجاع الأموال المنهوبة وإلغاء الرسوم الجمركية وكذلك المرور، التي فرضوها على القوافل بالمقابل قدمت لهم حكومة عدن البريطانية رواتب شهرية.
كما عقدت بريطانيا عام 1871م مع المنصوري معاهدة تعهدت فيها القبيلة بأن تتحمل مسؤوليتها عن سلوك فخيذة القريسي، كذلك عقدت معاهدة مع العاطفي تعهدت فيها القبيلة بأن تحمي بحارة السفن التابعة لأي دولة كانت، والتي تتحطم عند سواحل القبيلة، وأيضاً من شروط المعاهدة أن تحمي وتعيد إلى عدن أي هارب من الجيش أو البحرية.
عندما أعلنت كل قبائل الصبيحة عدم التزامها بتلك المعاهدات فرضت عليها الحكومة البريطانية الخضوع لسلطنة العبدلي المجاورة. لكن في عام 1886م صارت تلك المعاهدة لاغية، وفي عام 1889م عقدت معاهدة حماية مع كل من قبيلة العاطفي والبرهمي ووقعت المصادقة على المعاهدتين في 26 فبراير عام 1890م.
المراجع
1ـ تاريخ القبائل اليمنية
قبائل جنوب اليمن وحضرموت
تأليف: حمزة علي لقمان
الناشر: الجيل الجديد
الطبعة الثانية عام: 2009م.
2ـ وصف القبائل العربية المجاورة لعدن
توثيق: فريدريك ميرسر هنتر
وتشارلز وليم هنري سيلي 1886م
صادر عن: مركز عدن للدراسات والبحوث التاريخية والنشر
ترجمة: الدكتور/ سعيد ثابت عبدالصفي
الطبعة الأولى: 2023م ـ عدن
3ـ مجموعة معاهدات والتزامات وسندات متعلقة بالهند والبلاد المجاورة لها. المجلد 11
إعداد: سي ـ يو ـ أ ـ يتشين ـ بي ـ سي ـ اس .
وكيل وزارة الشؤون الخارجية لحكومة الهند
ترجمة وتقديم: الدكتور/ أحمد زين عيدروس
الدكتور/ سعيد عبدالخير النوبان
الناشر: دار الهمداني الطبعة الأولى عام 1984م ـ عدن
