في الثلث الأول من أكتوبر عقد في الجامعة العربية اجتماع بين مسؤولين عرب وروس، لمناقشة ترتيبات القمة العربية الروسية التي كان مقررا عقدها في 15 أكتوبر بناء على دعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولكن مع التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وبدء الترتيبات الدولية للتوقيع على ذلك الاتفاق في شرم الشيخ المصرية، أعلنت موسكو عن تأجيل القمة إلى نوفمبر مساهمة في إنجاح الاتفاق، وكي يستطيع القادة العرب المعنيون بالاتفاق المشاركة في حفل التوقيع.
لاحقاً تبين أن فرص عقد تلك القمة في الموعد المضروب تتضاءل. يعتقد وليد حامد شلتاغ، ممثل الجامعة العربية في موسكو، أن القمة العربية ربما تعقد قبل نهاية العام الحالي، ولم يستبعد احتمال انعقادها في يناير أو فبراير 2026، بينما يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي، كان قد أشار إلى احتمال انعقادها في نوفمبر2025.
تناقضات سافرة تحيط بتلك القمة تشي بعدم انعقادها لأسباب قد لا تتعلق بالجانب الروسي فقط، بل وبدور دبلوماسية المخالب الغربية التي لا ترى في أي عمل تقوم به روسيا إلا خطرا داهما يهدد مصالحها في المنطقة. ولذلك فهي مستعدة لتفعيل سلاح العقوبات ضد كل من يخرج عن سيناريو رؤية القطب الأوحد المحدد سلفا للدول العربية الحليفة طبعا.
لقد تناولت وسائل الإعلام الغربية تأجيل القمة من منظور الهيمنة والنفوذ. فمن وجهة نظرها ما دامت روسيا قد فقدت نفوذها في الشرق الأوسط، فليس هناك ما يستدعي عقد القمة من أساسها. كما أن عدم انعقادها سيشكل من جهة ثانية إحراجا خاصا لروسيا، خاصة وأن بعض الدول العربية قد استسلمت لقدرها وتنقصها النية لتغيير هذا القدر، وبالتالي ليست مهتمة بعقد القمة. وحسب رؤية الإعلام الغربي، فإن سقوط نظام الأسد في سوريا وتمتع إسرائيل باليد الطولى في المنطقة، ودعم الغرب اللامتناهي لها، والحرب في أوكرانيا، أضعفا تأثير روسيا برغم انحيازها للفلسطينيين.
ترى بعض وسائل الإعلام أن الحرب على غزة والحرب في أوكرانيا قد خلقتا مصالح تحالفات عميقة بين إسرائيل وأوكرانيا، وبينهما وبين بعض الدول العربية، في إطار اتفاقيات أبراهام، تجعل من حضور هذه الدول - إن حضرت - مجرد اسقاط واجب، ولا ترى نفسها معنية بجملة القضايا الدولية الكبرى، مثل بناء نظام دولي متعدد الأقطاب، أو إصلاح الأمم المتحدة، أو بناء نظام علاقات دولية يقوم على الندية والتكافؤ. أي تلك الأهداف التي تعمل عليها كل من الصين وروسيا.
في الوقت الذي يقف الغرب في حالة دفاعية بحتة في وجه التغيرات الحادة في ميزان القوة الاقتصادية التي تميل لصالح الصين بسبب من الوتائر المتسارعة للنمو المتعدد الاتجاهات. فهو في نفس الوقت غير قادر على استيعاب الأوضاع الجديدة التي تشكلت في أوكرانيا، التي ربما تكون قد عطلت وإلى الأبد الفكرة الرئيسية لإشعال الحرب في شرق أوكرانيا عام 2014.
بالنسبة للنظام العربي، فهو كما صوره الإعلام الغربي، يعيش حالة العجز الذاتي الدائم والمتشح باليأس. فقد غاب الاهتمام بهذا الحدث وبطبيعة الدعوة الروسية لعقد القمة. لم يتم قراءة الفرق بين دعوة بوتين للقمة وأوامر ترامب لجمع القادة خلال 24 ساعة. كما لم تتناول المنابر الفكرية أو السياسية في العالم العربي أهمية انعقاد هكذا قمة، أو احتياجات العرب منها ولا ما هي طبيعة المشكلات التي يجب وضعها على بساط البحث. لم تثر أسئلة جوهرية حول العلاقات العربية الروسية نفسها، على الرغم من أنها علاقات قديمة بالنسبة لكثير من الدول، ولا كيف وما هي آفاق تلك العلاقة؟ وما هي سبل رفع منسوب الثقة بين الجانبين.
نعرف جيدا أن بعض الدول العربية تستخدم علاقاتها مع روسيا لمجرد المناورة مع الولايات المتحدة ومحاولة ابتزازها، ولكنها للأسف لم تفلح في بلوغ الابتزاز الذي أرادته وتحولت إلى ضحية لمحاولاتها، كما أوضحت الحرب على غزة.
يجدر بنا الإشارة إلى أن روسيا نفسها لا تراهن في علاقتها على جدية بعض الدول العربية، وتدرك مناوراتها. ومن وجهة النظر الروسية، يمكن تصنيف الدعوة الموجهة لـ 22 قائدا عربيا للقمة على أنها تنقسم إلى فئات: فئة حضورها وغيابها لا يقدم ولا يؤخر ودعوتها إسقاط للعذر، وأخرى سيكون حضورها استطلاعيا كالعادة، ثم الفئة الأهم التي لديها ما يمكن أن تقوله لروسيا وتسمع من روسيا ما تقول.
