نحن نكتب قناعات، من حقنا التعبير عن قناعاتنا ، في اطار التعبير عن الرأي، ليس بالضرورة ان تتوافق تلك القناعات مع جميع القراء، فالاختلاف نعمة من الله لنثري حياتنا بالأفكار، وتبادل نقاط الاختلاف هي اهم الوسائل للتعرف على حياة وافكار الآخرين، لكي نبني عليه اسلوب وطريقة التعامل مع الناس على اساس التوافق وليس الفرض، هذا منطق الشراكة في الحياة والارض والوطن.
مخطئ من يعتقد انه وصي على حياة الناس، هو من يحدد لهم مستوى تفكيرهم، وحدود قناعاتهم، لم يستوعب بعد ان الله خلقنا احرارا، وقبائل وعشائر لنتعارف (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) صدق الله العظيم .
فإذن نحن نكتب لكي نتبادل الافكار، وكل يضع الحجة بالحجة ، وكما قال إيلينور روزفلت إن «العقول الكبيرة تناقش الأفكار، والعقول المتوسطة تناقش الأحداث، والعقول الصغيرة تناقش الأشخاص». تفتح هذه المقولة لمتأملها نافذة على آفاق الحوار، ومقدرة العقل البشري على استيعابه.
فالبعض يقرأ ولكنه لا يرى الافكار ولا يتمعن بها، بل يرى امامه احداثاً أليمة سلبته الروية العلمية والمنطقية للأفكار، والاقل عقلا يرى شخص كاتب الافكار ويبني عليها آراءه، فإذا به ينحط للشخصنة.
النقاشات العميقة تحتاج لعقول تفكر بعمق، ومن يخفق عقله في ادراك ما يقرأ، فالأفضل أن يلوذ بالصمت، لكن الاخطر هم من يتندرون بألفاظ وسخرية الشخصنة كمخرج من حوار لا يمكن مجاراته.
وهذا ما يؤكد ان تفكيرنا يأتي بأشكال متعددة ونسب مختلفة كلها تعكس حجم الوعي وحصيلة التجربة الانسانية التي مر بها الشخص، خاصة وأننا في بلد الصراعات والازمات، تأثر البعض سلبيا (نفسيا وعقليا)، بينما البعض الآخر كانت له تلك التجربة حصيلة ايجابية مهمة في بناء قناعاته وتراكم افكاره الايجابية، اعطته قوة في الثبات بالمواقف وعدم الاستسلام للأمر المفروض عنوة.
نحن بحاجة للتفكير النقدي، وتحليل الافكار بعمق وتقييمها منطقيا، لكي يبرز بعض التساؤل، و ما أحوجنا للعقل المتسائل.. هو رحلة مثيرة في استكشاف أسرار ما يقرأ وما يشاهد، لا يأخذ المعلومة لغرض التندر بل لفحصها ومعرفة الخطأ والصواب فيها، العقل المتسائل يفتح لنا ابوابا لمزيد من المعرفة والبحث عن الحقيقة والفهم بعمق عن اصل الحياة والواقع والوعي.
من اكبر مصائبنا التفكير التقليدي السطحي، الذي يبني قناعاته وفق امراضه ومصائبه، ولهذا نحتاج لتجاوز هذه المحنة التي تؤجج المشكلات، وتساهم في اشعال حرائق الاختلاف الذي يصبح نقمة، واحيانا كثيرة فتنة. لا بد من التفكير الابداعي، لأنه مصدر توليد لأفكار جديدة وغير تقليدية ولذلك يصف آينشتاين الإبداع بأنه «رؤية الخفي»، وربما كانت مدينة «ديزني لاند» وأيقونتها «ميكي ماوس» خير مثال. وفي عصرنا لو لم يفكر ستيف جوبز بطريقة غير تقليدية لما كانت بين أيدينا هواتف تحولت من أداة اتصال إلى نافذة على العالم والمعرفة. ورغم أنه كان يوصف من قبل مرؤوسيه بأنه عنيد جداً، فإن ذلك العناد كان وراءه تفكير خلاق لم نستوعبه إلا بعد عقود من رفع جوبز لهاتف «آيفون» عام 2007 الذي غير وجه العالم والمنافسة.
فهل نستطيع تجاوز بلاوينا في التفكير السطحي الذي لا يرى ابعد من انفه، ويشيطن كل من حوله، ويرتاح إن تفنن في اختيار مفردات التندر بالآخرين والسخرية من افكارهم ، أي نتجاوز زمن التفاهة التي صارت تعكر صفو الحياة بمفرداتها القذرة؟!!
