كتبت الغيض، من فيض كنت أريد أن أكتبه في مقالي: (من سرق منا عدن الجميلة ؟)، وكنت أبغي كتابة الكثير عن عدن الحبيبة، وهي تستحق، ومهما كتبنا عنها نظل مقصرين جداً جداً في حق هذه المدينة التي لها فضل كبير علينا جميعاً، لكن كان هذا مايسمح به الحيز المتاح لعمودي هذا ولقد قلت الكثير الذي أردت في كتابي الذي صدر مطلع هذ ا العام؛ ( عدن ذات زمن ) عن دار أروقة في القاهرة في 300 صفحة من القطع المتوسط، جمعت فيه المقالات التي نشرتها على مدى أشهر قبل أربع سنوات في موقع ( صوت عدن ) الإلكتروني لصاحبته الإعلامية الفاضلة والقلم الجريء ضياء سروري، ونشرت صحيفة (الأيام) الغراء لصاحبيها: هشام وتمام باشراحيل، الكثير من حلقاته في نفس التوقيت. و”الأيام” صحيفة عدنية عريقة، ومدرسة في الصحافة كانت من أوائل الصحف التي تفتح عليها وعيُنا مذ كُنا تلاميذ صغارا، وأخرجت أجيالاً من الصحفيين الذين تعلموا فيها أصول المهنة، على يد مؤسسها الأستاذ محمد علي باشراحيل رحمه الله، وواصلوا رسالتها في الوعي والتنوير. وأعتقد أن صديقي علي ابن الركية أفضل من لخص كتاباتي تلك عن ذات عدن، “لما فيها من جراح وأيضاً أتراح تريح القلب وتوجعه في ذات الوقت في ازدواجية عجيبة وغريبة” بحسب وصفه.
وعودة إلى مقال الأسبوع الماضي : من سرق منا عدن الجميلة؟ فقد أثار ردود أفعال كانت متوقعة، فالناس فيهم قدر من الغضب والرغبة في الصراخ والتعبير عما يجيش في نفوسهم لفداحة ما يعانون منه، ولجسامة ما وصلت إليه أوضاع مدينتهم الغالية عدن، بقدر ما يكنونه لها من حب لم تفقده السنوات المتعاقبة بريقه ووفاءه وصدقه وقوته، والذي يزداد كل يوم، برغم مايعتريهم من قسوة وظلم وتضييق في سبل العيش والحياة الكريمة، في الوقت الذي يواجهون كل ذلك بطاقة صبر عجيبة ! ولكن لا أحد يرتهن إلى أن ذلك سيستمر لأمد طويل، فللشعوب قوانينها، وطاقة احتمالها، ولسنا في حاجة إلى التذكير بها، ففي تاريخ هذه المدينة وأهلها الكثير من الدروس والحكمة ...
أول تعليق، وصلني من الصديق محمد عبدالقوي رئيس التحرير السابق لصحيفة “14اكتوبر”، يؤكد فيه: ان”عدن فقدت مكانتها الاجتماعية وميزتها الاقتصادية عندما انصب اهتمام السلطة الحاكمة، منذ نيل الاستقلال الوطني في عام 1967، على حماية النظام دون الإدراك والاهتمام بحياة هذه المدينة وسكانها ومستقبلها الذي عكس نفسه على حياة الشعب عموماً”. ويحمل العقلية القروية -ما قبل نشوء الدولة-، البعيدة عن روح الحياة المدنيةوالتي تستمد قوتها من التمسك بالبندقية وليس الوعي،مسؤولية الأوضاع الراهنةفي عدن.
عبدالله المضي يؤكد على السؤال : فعلاً من سرق عدن؟ لكنه يضيف إليه أسئلة أخرى فيها كل المنطق:”كيف سرقت منا ...وأين كنا وكيف سمحنا بسرقتها ؟ أسئلة مشروعة ...أسئلة محزنة كتبت بأسلوب جميل في طريقة تناولك التي تريح القلب وتوجعه عندما تناولت عدن في كتاباتك وماآل اليه حالها. ويوافقه علي ابن الركية في طرح نفس السؤال قائلاً :” صراحة ...لا أدري هل سرقوها..؟ أم نحن أضعناها ...؟!!!”. وبجملة واحدة يؤكد شيخ عبدالرحمن شيخ المقدي: “أضعناها حسرة وندامة !!”
أكره شيء على المدينة، هم اللصوص الجدد، الذين يدعون حبها، ومع ذلك يقتلونها كل يوم .”انهم أكبر بلية يمكن أن تصيب أرضاً طيبة بتعبير واسيني الأعرج في وصفه للحالة الجزائرية، حيث يراهم “أكثر من الجراد الذي يصيب أرضاً خضراء، إذ تتصحر التربة وتموت الحياة فيها، فتصبح قاحلة لاينبت فيها زرع ولا ينضج فيها ضرع. أسوأ وأخطر من قنبلة نووية”. ويبدو أن الحالة العدنية لاتختلف كثيراً عن الحالة الجزائرية إلاّ في بعض التفاصيل، لكننا جميعاً مثل رياض بطل رواية ( أنثى السراب ) نشترك في كراهية هذا النوع من القتلة الجدد، والذين تسميهم “أم عمرو”: باللصوص والقراصنة الجدد، الذين سرقوا عدن. وهم”من يتغنون بحبها وعشقها وهم الذين ذبحوها من الوريد للوريد”! وتتفق معها سماح:”كلهم يبحثون عن مناصب ولايبحثون عن راحة شعب. “ وتؤكد على صمود عدن مهما عانت. ومهما عانى شعبها المكبوت، رغم الغلاء والفقر والجهل”. “حالياً -تضيف- عدن تنزف بصمت إلى أن يأتي منقذ مثل صلاح الدين أو الاسكندر ..!!” فهل يأتي الأيوبي، أو المقدوني، أم يقيض الله لها واحداً من أبنائها يكون المنقذ، أو أنها كما تقول لم تعد عدن تنتظر هذا النوع من “المنقذين” لكثرة ما وثقت بهم وخيبوا أملها!!
أما صديقي عزيز، فيصور هذه الصورة القاتمة لأحوال المدينة :”اليوم عدن بأسوأ حالاتها. تدخل الميناء تجد الأطقم، مدرعات فوقها ثياب العسكر، كأنك دخلت ثكنة عسكرية. والكهرباء تكاد تكون مقطوعة. وتدخل المرافق الحكومية يستقبلك السماسرة قبل الموظفين في باحات المرافق والطرقات .. كل شيء تدمر في عدن حتى الأخلاق عدا كبار السن الذين لم يلوثهم هذا التغيير.”
ويبقى السؤال : من سرق منا عدن الجميلة ؟
وأضاف إليه الأصدقاء: هل حقا سُرقت منا ؟.. أم نحن من أضاعها ؟!!