كوارث السيول في مدينة إب تقض مضاجع السكان.. إلى متى؟



14 أكتوبر/خاص:
كوارث السيول في مدينة إب، وسط اليمن، تتكرر كل عام، وسط غياب البحث عن حلول لحماية الأرواح والممتلكات من قبل السلطات المحلية والمركزية.
وخلال الأعوام الأربعة الأخيرة أدت السيول التي تتدفق في شوارع مدينة إب، مركز المحافظة، إلى سقوط ضحايا، وجرف سيارات وبسطات وممتلكات خاصة وعامة، وتحول بفعل ذلك موسم الأمطار إلى كابوس يقض مضاجع سكان المدينة التي تعد أكبر جزيرة مطيرة ليس في اليمن، وإنما في شبه الجزيرة العربية، ومع بدء موسم التهاطل المطري في أبريل/نيسان ومايو/آيار من كل عام تبدأ كوارث السيول تتوالى على مدينة إب، وتستمر حتى منتصف سبتمبر/أيلول، وخلال هذه الأشهر تزهق أرواح وتدمر ممتلكات. فأين تكمن المشكلة..؟!
أبعاد المشكلة وطبوغرافية المدينة
وترتبط المشكلة بعدة أبعاد، منها ما هو مرتبط بطبوغرافية المدينة ومحيطها الريفي، وما هو مرتبط بالجانب المناخي، وهناك ما هو مرتبط بالقصور الإداري والتخطيطي وطبيعة البنية التحتية، وما يرتبط بذلك من توسع عمراني كاستجابة طبيعية للنمو الديمغرافي، ولا يستبعد الوعي المجتمعي باعتباره جزءاً من المشكلة.
وتعد مدينة إب من الناحية الطبوغرافية مدينة جبلية، توسعت رقعتها الحضرية على تضاريس غير متجانسة من التلال الصغيرة التي تعرف محليا بالتباب، متمددة نحو منخفضات تجري فيها السيول، بنسق غير متجانس من النسيج الحضري، ما أثر على شكل وسعة الشوارع الرابطة بين أجزاء المدينة.
ولما كانت المدينة محاطة بمرتفعات تزيد فيها درجة الانحدار، ادى ذلك إلى سرعة جريان السيول في موسم الأمطار، والتي عادة ما تعبر المدينة عبر مجارٍ ضيقة، تحاصرها المباني من أكثر من اتجاه، ما يزيد من سرعة التيارات المائية التي تتجمع من المرتفعات المحيطة بالمدينة، و الرقعة العمرانية المنحدرة، والتي تجري عبر الشوارع العامة.
الهطول المطري والتغيرات المناخية
مدينة إب تحظى بكميات مطرية عالية، وبفعل طبيعتها الجبلية المنحدرة، فإن الجريان يتم في وقت قياسي، وبمرور الوقت تزداد شدته، نظرا لأنه يأتي من عدة اتجاهات تلتقي في نقاط محدودة قبل أن يتجه في مسار واحد وضيق، ما يزيد من شدته.
ونتيجة للتغيرات المناخية التي يشهدها العالم، فإن ذلك ادى إلى زيادة الكميات المطرية التي تتلقاها المدينة ومحيطها الجبلي المنحدر، يتضح ذلك من البيانات التي سجلتها المحطة المطرية في مدينة إب خلال السنوات الاربع الاخيرة، خلال موسم الأمطار الممتد من مايو/آيار حتى سبتمبر/أيلول، قياسا بالأعوام السابقة.
توسع حضري يفاقم المشكلة
وتعد مدينة إب من أكبر المدن اليمنية التي توسعت رقعتها العمرانية خلال سنوات الحرب، نظرا لتمتعها بالاستقرار، وانتقال آلاف الأسر إليها للسكن، والتي نزحت إليها من المدن التي شهدت مواجهات عسكرية، وابرزها مدينة تعز المجاورة.
ولما كانت البنية التحتية للمدينة بحاجة الى توسعة وتحديث استجابة للتغيرات الحضرية والمناخية، فإن ذلك ساهم بشكل سلبي في تفاقم كوارث السيول، فالمدينة صارت بحاجة لتوسيع مجاري تصريف السيول، واعادة توجيه اتجاهاتها بعيدا عن الاسواق والاحياء السكنية.
سوء الإدارة وغياب الحلول
وإلى جانب ذلك يلعب سوء الادارة الحضرية دورا سلبيا في استمرار مشكلة السيول في المدينة، من خلال تشديد الرقابة على البناء العشوائي الذي يضيق مجاري السيول، وتوجيه التوسع الحضري باتجاه الأراضي البيضاء خارج المدينة، ومنع تجاوز المخطط الحضري للمدينة، والذي حدد اتجاهات التوسع، ورسم مساراتها، مع توفير البنية التحتية الملائمة للتوسع الحضري، وإيجاد حلول للجريان السطحي، بما يؤدي إلى تقليله في الشوارع المنحدرة والتي تشهد ازدحام حركة سير المركبات.
كما ان دور السلطة المحلية لا يرتقي الى المستوى المأمول، حيث ينبغي أن تجترح حلولا لمواجهة كوارث السيول بالتنسيق مع الإدارة الحضرية للمدينة، بناء على البيانات والمعطيات التي تخلفها السيول كل عام، وبما يؤدي الى التقليل من الخسائر في الأرواح والممتلكات.
الوعي المجتمعي والإنذار مبكر
ويلعب الوعي المجتمعي دورا في التقليل من الخسائر، والذي ينبغي على السلطات رفعه من خلال العمل على توعية المجتمع بعدم عبور مجاري السيول، ونشر قوات من الشرطة، خصوصا شرطة السير وأمن الطرقات في المناطق التي تتكرر فيها الحوادث، واعادة توجيه حركة سير المركبات والأفراد إلى الشوارع والطرق الآمنة.
كما أن المدينة بحاجة الى نظام إنذار مبكر لتنبيه المجتمع من قدوم السيول، وحثهم على عدم السير في الشوارع المفترض عبور السيول فيها، سواء من خلال الاذاعات او بناء منظومة صفارات الانذار في مجاري السيول، وتوعية السائقين عبر النشرات الورقية، أو عبر مكبرات الصوت الخاصة بالمساجد، أو المتنقلة على متن سيارات.
مشروع لمواجهة كوارث السيول
كما ينبغي أن تقوم الجهات المعنية بفتح مجاري السيول التي تعرضت للانسداد، ورفع الرواسب من مجاري السيول، وحث المواطنين على ربط نظام التصريف من اسطح المنازل الى المجاري المخصصة للسيول او الى خزانات تجميعية لتقليل الجريان في الشوارع.
ومع تكرار كوارث السيول سنويا في مدينة إب، فإنه بات من الواجب أن تطرح السلطة المحلية في المحافظة على السلطة المركزية تنفيذ مشروع لحماية المدينة من كوارث السيول، حماية للرقعة الحضرية للمدينة، والحد من الخسائر في الأرواح والممتلكات.