إلا المدرس لدينا فإن حاله لوحده رواية وأية رواية لا يزيد اصراره على حقه في العيش والمقتصر على الملاليم المسماة عرضاً «راتباً» إلا إلى مزيد من التهميش والتجويع وقطع (الراتب).
مدرس لا أحد يؤمن برسالته ولا يهتم بدوره ومكانته في صنع الغد وكأنه بذلك يدفع دفعاً إلى التراجع عن رسالته والتخلي عنها كشرط من شروط استعادة حقه في الحصول على لقمة العيش له ولأطفاله ومن يعول.
مدرس لم تعد تجدي نفعاً اضراباته واحتجاجاته وقبوله بأقل القليل من فتات العيش في تحسين حياته التي لا تتجاوز (ستر الحال) لا بل ان اضراباته كانت ومازالت سبباً من أبرز الأسباب التي تفضي به الى تردي أحواله الحياتية والمجتمعية.
هكذا أرادت الحكومات المتعاقبة عليه وباساليب مختلفة غير مبشرة في جعل المدرس مجرد تلميذ في صفوف الحكومات المتعاقبة عليه ان يتلقى في صفوفها الجحود والتنكر والنبذ والتهميش، تلميذ يتلقى دروس الابتعاد عن الضمير والاخلاص وحب المهنة .. تلميذ كلما أصر على ان يكون قريباً من تجسيد مهمته كمدرس تقع على عاتقه صناعة كل قادم مبشر، اخضع للجلد وسلخ الجلد والعقل من اية علاقة بالانسان والحياة.
حكومات لا تنفش ريشها ولا تبرز عضلاتها إلا في هدم التعليم والمعلم واغلاق منافذ تحسنه وتطوره وفي غياب المناهج وتهدم الفصول وضيق مساحات المدارس وتقليص مرافقها من مساحات وملاعب ومختبرات وفصول رياضية وموسيقى وتحولها إلى مدارس تزخر باليتم والتصحر والخواء والتسرب الذي لا يقتصر على التلاميذ بل يشمل المدرس والمربي الذين اضحوا من رواد البحث عن وظائف هنا أو هناك في مطعم أو بائع خضرة أو سائق باص أجرة أو .. أو .. مما يندى الجبين لذكرها وتذكرها.