لقد دخلت بريطانيا جنوب اليمن في القرن التاسع عشر، وأقامت مستعمرات وقواعد عسكرية في مناطق استراتيجية، مثل عدن، امتدادا على سواحل البحر العربي، وأسفرت سياسة الاستعمار عن استغلال الموارد الطبيعية وتهميش السكان المحليين، واعتمدت بريطانيا على نظام إداري معقد، حيث قسمت المنطقة إلى إمارات وسلطنات ومشيخات، مع استخدام سياسة “فرق تسد” للحد من وحدة القوى المحلية، مما أثار مشاعر الغضب والاستياء بين الشعب، ومع تزايد الوعي الوطني، ظهرت حركات مقاومة عديدة، تمهيدًا لثورة شاملة.
ونشأت حركات وطنية متعددة تسعى إلى الاستقلال، بما في ذلك تنظيم “الجبهة القومية للتحرير”، الذي لعب دورًا رئيسيًا في تنظيم المقاومة ضد الاستعمار.
في 14 أكتوبر 1963م، اندلعت شرارة الثورة من جبال ردفان الشماء، حيث شن الثوار هجمات منسقة ضد القوات البريطانية، وقاد الثوار، الذين اجتمعوا تحت لواء حركة القوميين العرب، عمليات عسكرية لاستعادة الأرض والكرامة، وكانت الثورة تمثل صوت الشعب، وقد شاركت فيها فئات متعددة من المجتمع، بما في ذلك الفلاحون والعمال والمثقفون، وكان أول شهيد منذ انطلاق الثورة الأكتوبرية راجح غالب بن لبوزة، سقط شهيدا هو وكثير من الشهداء والجرحى في معارك ضد الاستعمار البريطاني، وألهمت تلك التضحيات الكثيرين في مواصلة الكفاح من أجل التحرر والاستقلال، واستشهاد لبوزة مثّل بداية لمرحلة جديدة في الثورة، حيث زاد من حماس المقاومين ودعم الرغبة الشعبية في إنهاء الاحتلال البريطاني.
استمرت الثورة لعدة سنوات، وواجه الثوار تحديات جسيمة من قبل القوات البريطانية التي استخدمت أساليب قمعية، بما في ذلك القصف الجوي، ومع ذلك، كان للثوار تصميم قوي وإرادة لا تلين، مما ساعد في استقطاب المزيد من الدعم المحلي والدولي لقضيتهم، حتى تحقيق الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م، وتمكنت ثورة أكتوبر من تحقيق أهدافها، التي أسفرت عن تحقيق الاستقلال من الاحتلال البريطاني، وتأسست جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، والتي مثلت مرحلة جديدة في تاريخ البلاد، سعت إلى بناء دولة حديثة في شتى مجالات الحياة، وتحقيق العدالة الاجتماعية لعامة أبناء الشعب.
لا تزال الذكرى 61 لثورة الـ 14 من أكتوبر رمزًا للنضال والكفاح في الذاكرة الوطنية، تُذكر الأجيال الجديدة بأهمية التضامن في مواجهة التحديات، وتعتبر هذه الثورة دليلاً على قوة الإرادة الشعبية وقدرتها على تغيير مجرى التاريخ، ولم تكن مجرد حدث تاريخي، بل هي تجسيد لروح المقاومة التي تميز بها الشعب على مر العصور، تعكس تلك الثورة القيم النبيلة للحرية والكرامة، وتظل مثالًا يُحتذى به في السعي نحو التحرر والاستقلال، وتُعد ثورة أكتوبر من أبرز الأحداث التاريخية التي شهدها جنوب اليمن، حيث أظهرت إرادة الشعب في مقاومة الاستعمار البريطاني الذي استمر لأكثر من قرن، شكلت هذه الثورة نقطة تحول حاسمة في مسيرة الكفاح الوطني، وأسهمت في إنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال.