نحن من تضيع الفرص الذهبية للتغيير من بين ايديهم، ونعجز عن النهوض. تذهب الأيام وتمرّ السنون، ونحن معاقون، بينما العالم من حولنا يتغير وينهض.
نحن شعب تبدأ طموحاتنا واحلامنا كبيرة، ونفكر أن وقتاً قصيراً يفصلنا عن تحقيقها، في لحظة نتوق للديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، يقودنا الوعي، وساحات الثورة الشعبية شاهدة، وبمجرد ما انفضت تلك الساحات تقلصت مساحة تلك الأحلام والطموحات، وبدأ الشعور بالإحباط.
أين الخلل إذن؟ هل هو سيطرة المشاعر أكثر من سيطرة العقل في اتخاذ القرارات المصيرية، سيطرة العقل هو تغليب المنطق الذي يخدم المصلحة العامة أكثر ما يخدم مصالح شخصية، وعندما يتغلب هذا المنطق، يتفق الجميع على القيم والمبادئ الانسانية كميزان.
من الصعب أن يختلف اثنان بشأن الحرية والديمقراطية والتعايش والعدالة الاجتماعية والتوافق على المصاح العامة، والعاطفة معناها تغلب المصلحة التي تضيق شيئا فشيئا حتى تصل للمصلحة الشخصية، وعندما تغلب المصلحة الشخصية تغيب المبادئ والقيم ويصمت الضمير ويبدأ الوسواس الخنّاس.
ولا يصمت الضمير إلا إذا فسد، وحينما يفسد يغيب كرقيب سامٍ وعادل لسلوكيات الانسان فرادى وجماعات، وغياب الرقيب معناه أن المجال مفتوح، للفساد والوسواس أن يعبثا بالحياة، ويبدأ المال الحرام يلعب بالنفوس الضعيفة، ويبدأ الجهل والتخلف يتصدران المشهد، فتتصحر البيئة من كل قيم وأخلاقيات ومنطق لتكون صالحة للانحطاط. حينها لا غرابة في أن تشهد ممارسات مشينة وانتهاكات لكل شيء، للتاريخ والحضارة للهوية والوطنية، للأرض والانسان، ونشهد أحقاداً وضغائن وانتقاماً وعنصرية وكراهية. إنها غرائز يشط بها الضمير الفاسد.
في واقع كهذا، لم نعد نهتم للأسئلة المهمة في الحياة، من نحن؟ وماذا نريد؟ أسئلة سيجيب عنها الجهل والتخلف والعصبية. فالإجابة بالضرورة ستثير النزعات وستؤجج الصراعات والجدل الذي يعزز الفرقة والتناحر كطوائف وسلالات ومناطق وعصبيات.
نحن نجيد تضييع الفرص الذهبية للتغيير، والنهضة الحقيقية، تذهب الأيام وتمرّ السنون، ونحن معاقون، بينما العالم من حولنا يتغير وينهض.
أنظر لحال دولة فقيرة قبل ثلاثة عقود مثل سنغافورة، حينما اهتمت بالإجابة عن هذين السؤالين بمصداقية عالية، وحينها قرر قادتها التغيير وتجاوز الماضي، واهتموا بتنظيف البلد من الفساد، وتمعنوا طويلاً أثناء الإجابة عن السؤال الأول: من نحن؟ فإذا هم دولة فقيرة، بدون موارد، وإذا هم أخلاط من أجناس شتى، وثقافات متباينة، لا يجمعهم تاريخ، ولا هوية، لكنهم ينتمون إلى مكان واحد، عليهم أن يكونوا شركاء في وطن التعايش والسلام، ووجدوا أن من العار عليهم أن يرتهنوا لأجندات ووصاية خارجية، تمكنهم من التسلط على بعضهم ويضيع منهم وطن.
الإجابة عن السؤال من نحن؟ يصل لإجابة واضحة عن السؤال: ماذا نريد؟
بالضرورة سيكون الجواب هو طموحاتنا وآمالنا التي ثرنا من أجل تحقيقها، نريد دولة ضامنة للمواطنة والحريات والعدالة، دولة قوية بقيمها ومبادئها، مستقلة مؤثرة صاحبة إرادة، دولة لوطن نعيش فيه بكرامة وحب وتسامح وسلام، وعدل في الحقوق والواجبات والسلطة والثروة.
نحن بلد الماضي والتاريخ والحضارة، لكن أين حاضرنا؟ ما هو موقعنا في هذا العالم، تفوقت سنغافورة، ولحقت باليابان وماليزيا وكل الدول المنتجة، انتقلت من دولة نامية إلى دولة اقتصادية، ونحن انتقلنا من دولة نامية إلى دولة تنازع بين الموت والحياة.
بلد المجاعة والوباء والموت والانتهاكات والسجون السرية والمحاكم الكيدية غير العادلة للمعارضين، بلد المهاجرين والمنفيين والمطاردين، بلد فاقد للسيادة والارادة تحت الوصاية والحرب العبثية، بلد المتناحرين، بلد منهك من الطائفية والمذهبية والعنصرية والكراهية. هل نتوقف هنا بجد لنعيد ترتيب حساباتنا وننقذ وطنا وانسانا، ونوقف هذه الحرب اللعينة، ونعرف من نحن؟ وماذا نريد؟!