الدمية الروسية الشهيرة “ماتريوشكا” أصبحت، مع الوقت، تعبيراً عن ثقافة شعبية تترجم الحال الذي تتوالد فيه من جوف الدمية الكبرى دمى أصغر، وأصغر تشبهها، وتجسد المآلات التي تنمو في جوف الدمية الكبرى، وكلما صغرت الدمية المستولدة من جوف الدمية الأكبر منها ، كانت ملامحها أشد وضوحاً في التعبير عن الدمية الأكبر على الإطلاق، وبالطبع فإن صِغَر حجمها لا يعني بالضرورة صِغَر النتيجة .
هذا هو حال اليمن اليوم، لدينا “ماتريوشكا” يمنية بامتياز . الدمية الكبرى هو الحوثي والوضع الكارثي الذي أنتجه بانقلابه الدموي سيئ الصيت على الدولة ؛ وفي جوفها تأتي الحرب ؛ وفي جوف الحرب يأتي الشتات والجوع والخراب الذي لحق باليمنيين، ثم تأتي الدمية التي تخلقت في رحم المأساة اليمنية وراحت تشعل الحروب والنزاعات الفرعية واقحام اليمن في حرب بالوكالة مع العالم لصالح ايران، ثم تبرز في تكوين بائس الدمية التي تمثل ثقافة الإهمال وتكسير قيم الدولة، ثم اختبار التحالف الاستراتيجي الذي تطلع إليه اليمنيون مع الأشقاء والذي جسدته دمية جميلة لكنها تبدو حزينة، غائرة العينين، حائرة، تلاشت الابتسامة من على شفتيها دون تفريط في الأمل - وهي الدمية التي سيتوقف أمامها بعمق كل من يريد أن يقرأ الحالة اليمنية بعناية ؛ ثم الدمية التي تعبر عن تكوين وعي سياسي ومجتمعي معادي لثورتي سبتمبر وأكتوبر، وهذه الدمية تحاول أن تستر عورتها بعلمٍ للجمهورية ممزق الأطراف، يبدو وكأنه منقوع في بركة ماء آسن علقت الطحالب فيما تبقى منه، ثم كوارث الفيضانات،ثم المزيد من المعاناة والخراب والالغام، ثم الحيرة والدبور وقلة الحيلة الذي خيم على النخب اليمنية وهذه الدمية تذكرنا بحكاية “بيجماليون” الاغريقي الذي صنع تمثالا لإمرأة جميلة ثم دعا الآلهة أن تنفث فيها الروح، فاستجابت له لكنها نكدت عليه حياته، ثم الدمية التي تمثل “ اللقافة” التي تخطت حواجز الحاجة الوطنية للنقد والتفاهم إلى التعبير عما صنعه المال السياسي من محتوى إعلامي يخلط بين النقد والتشهير، وهذه الدمية شارك في تشكيلها على هذا النحو كل الذين اعتقدوا أن الكلمة المشتراة كفيلة بتبييض ما اسود من حياتهم، وأخيراً الدمية التي تمثل شبح الموت وهي الاشد تجسيداً لدمية الحوثي الكبرى .
إن دمية “ماتريوشكا “ - الحوثي تنتهي باليمن إلى الموت .