تحدثنا في عددين ماضيين من هذه الصحيفة حول التحدي الأمني وأشرنا إلى أنه يقف على رأس التحديات ويمثل التحدي الأول الذي تواجهه اليمن في هذه المرحلة الاستثنائية، ونتناول في حديثنا هذا التحدي الاقتصادي الذي نرى انه يمثل التحدي الثاني الذي تواجهه اليمن وان العلاقة بين الأمني والاقتصادي هي علاقة طردية، فبقدر الأمن والاستقرار تتحسن الظروف الاقتصادية والمعيشية في البلاد والعكس في ذلك صحيح، ولسنا هنا بحاجة إلى شرح الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد نتيجة للتركة الثقيلة التي خلفها نظام الفساد والاستبداد السابق الذي ترك الخزينة العامة شبه فارغة وخاصة إذا ما قسنا ذلك على المديونية المستحقة، كما ان موارد الدخل العام التي تعزز الخزينة العامة بالأموال المستحقة للدولة كالجمارك والضرائب مصابة بفيروس الفساد والسلب والنهب الذي استشرى وانتشر وتسبب في حرمان الخزينة العامة للدولة من نسبة كبيرة من هذه الدخول الوطنية، وكم كنا نسمع ان الوظائف في المرافق الايرادية تباع وتشترى وخاصة القيادية منها أو تعطى لابناء الوجاهات والمتنفذين حتى يكسبوا منها الأموال الطائلة وبالطرق الملتوية التي يجيدون مساراتها، وأما الثروات الوطنية السيادية كالنفط والغاز والمنطقة الحرة بعدن فقد علم الجميع كيف تم بيعها باثمان بخسة مقابل عمولات ورشاوى ومصالح للنظام السابق، وإضافة إلى هذه الأموال الهائلة التي نهبها واستولى عليها من المال العام طيلة أكثر من ثلاثة عقود من الزمن الأمر الذي اسهم في زيادة نسبة الفقر والجهل والمرض والارهاب والمعيشة البائسة للسواد الأعظم من الشعب اليمني، فقد امتدت يد النظام طيلة هذه الفترة الطويلة إلى العالم متسولاً باسم اليمن واليمنيين مبرراً ذلك التسول تارة باسم شحة الموارد الاقتصادية وتارة باسم انه يقف في حكمه على رؤوس الثعابين واخرى باسم مكافحته للارهاب إلى غير ذلك من التبريرات والأكاذيب التي يكون الهدف منها الحصول على الأموال ونهبها لصالح ذلك النظام الفاسد بينما الشعب المفترى عليه لا يصله إلا الفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
ولم تقتصر الصورة القاتمة للاقتصاد الوطني على ما سبق ذكره من ملامح النهب والسلب للمال العام والثروات الوطنية، وكذلك التسول باسم اليمن لدى دول العالم المختلفة للحصول على المزيد من الأموال لنهبها والاستيلاء عليها واخضاع الوطن للنفوذ الأجنبي وخاصة الدول الكبرى التي تعطي بقدر ما يكون نفوذها وتحقيق مصالحها حتى ولو تعارض ذلك مع المصالح الوطنية، بل ان النظام السابق إضافة إلى كل ذلك جعل الخزينة العامة للدولة تنفق الأموال الطائلة التي تقدر بمئات المليارات على أوجه الفساد المختلفة التي تتعدد أوجه الصرف فيها ولا تحقق مصلحة للوطن باستثناء المصالح الخاصة للنظام ومن يرتبط به من الفاسدين، ولذلك فإن المصلحة العليا لليمن تقتضي الآن وضع خطة أو استراتيجية شاملة للاصلاح الاقتصادي في اليمن تعيد النظر في القوانين والنظم الاقتصادية والمالية التي تتيح للفاسدين الاستيلاء على المال العام وتصحيح الازدواج الوظيفي في الجهازين المدني والعسكري وتوقف المخصصات الباهظة التي تكلف اليمن اموالاً باهظة مقابل امتيازات وحماية للعديد من الشخصيات، ومن ذلك على سبيل المثال تخصيص رواتب وحقوق وامتيازات لستة آلاف لحماية الرئيس السابق علي عبدالله صالح فهل مثل هذا الصرف معقول في بلد يعيش تحت وطأة الفقر والتخلف، وكذلك لابد من ترشيد الانفاق في جميع المجالات سواء في المخصصات للقيادات المدنية والعسكرية أو في المراجعة لما ينهبه الفاسدون من اموال باسم تنفيذ مشروعات لمناطق ليس لها اساس من الصحة وانما يأخذها ذلك المتنفذ المسؤول عن تلك المنطقة باسم مشروعات وهمية.
ولا شك ان وضع استراتيجية للاصلاح الاقتصادي في اليمن تتطلب الموافقة والاجماع عليها من الجميع وهي امر مطلوب وملح وضروري حتى تعود للاقتصاد الوطني عافيته وقوته ولا يكون عالة على الخارج أو على اصدقاء اليمن الذين قد ينقلبون بما يقدمونه إلى اوصياء على اليمن والمثل الشعبي يقول: (على قد فراشك مد رجلك) وطلب العون من الاشقاء والأصدقاء في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها اليمن لا بأس به لأن المصالح مترابطة ومتشابكة ومتداخلة واليمن لا يدافع عن نفسه في التصدي لبعض المخاطر، ولكن مع ذلك لابد من التركيز والاستفادة من الامكانات والموارد اليمنية المعطلة والمنهوبة وهي موارد كبيرة ومتعددة ويمكن الاعتماد عليها في تأسيس الحاضر وصنع المستقبل ولن يكون مقبولاً من الشعب اية جرعات تقدم عليها الحكومة إلا إذا تم التصحيح المالي والاداري الشامل الذي يحفظ أموال الشعب ومقدرات الأمة من النهب والسلب والاستيلاء عليها على غرار ما كان يحدث في نظام الجرعات السابق .. وإلا فان عملية التغيير التي يتحدث عنها الجميع ستكون مجرد شعارات ليس لها اساس من الصحة.
هذه أهم التحديات لما بعد الحوار (3)
أخبار متعلقة