يُدرك أي مجتمع يسعى إلى بسط أجنحة الأمن والأمان على شتى نواحيه، أنه لا يُمكن أن يصل إلى الحد المقنع إلا إذا تضافرت جهود جميع أبنائه في العمل من أجل ذلك، لأن المؤسسات الأمنية مهما كانت محترفة، وعالية التدريب ودقيقة الأساليب، لا بد أن تستعين بشكل أو بآخر بعيون أبناء المجتمع الغيورين على أمنه واستقراره، لأن الفائدة أولاً وأخيراً تعود على المجتمع ذاته.
وهذه المسؤولية الاجتماعية ليست خدمة يتفضل بها الأفراد، بقدر ما هي واجب مدني حضاري تفرضه النقلة في المجتمعات، لا سيما في مجتمع مثل مجتمع محافظة عدن، الذي يتميز بتنوع مواطنيه كمًّا وكيفاً، بما يحمله ذلك من تداخل كبير وواسع في الثقافات والاتجاهات والرغبات، وذلك يحتم العمل الدؤوب على تعزيز مفاهيم الأمن ومبادئ الاستقرار الاجتماعي.
وهذه المعادلة الدقيقة، المكونة من بسط الأمن والأمان والاستقرار، مع توفير درجات من الاعتدال، والمرونة، وعدم الإحساس بالقيود الأمنية، بذلك ستستطيع محافظة عدن تحقيق الريادة في مكانتها والبراعة في الأداء الأمني.
وإذا عدنا إلى ما بدأنا به من حتمية المشاركة الاجتماعية في العمل الأمني، تبرز أمامي فكرة « شرطة الأحياء» لجدوى أهميتها، ودورها في الحد من الجريمة، ورفع مستوى الإحساس بالأمن والأمان، وجعل المجتمع قابلاً للعيش، والعمل فيه.
ولا يخفى على ناظريكم أن الفكرة مطروقة عالمياً في مناهج العمل الأمني الاجتماعي، وتعود إلى منتصف القرن الماضي، وفرضتها الحاجة الاجتماعية للحد من حوادث السطو على المساكن في الأحياء السكنية، إلا أنها تقبل التطبيق في كل زمان ومجتمع حسب الحاجة إليها، وبالقدر الذي لا يخل بركيزة حقوق المواطن، أو يدفع إلى الإحساس بالملاحقة والرقابة المستمرة.
ولا شك أن فكرة شرطة الأحياء حين بلوغها المستوى الجماهيري الممتد، يمكن النظر إليها وعدّها فكرة حضارية، لا تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان، بل تضمن حمايتها وصيانتها، وهي تدل على أهمية المسؤولية الاجتماعية الجماهيرية، وأن مكتسبات المجتمع هي ملك لجميع أفراده، وحمايتها مسؤولية الجميع، لأن ثمرتها هي بسط رداء الأمن والأمان على كافة أبناء محافظة عدن.
ولنجاحها مجتمعياً، وحصاد ثمارها اليانعة، يتطلب العمل على تشجيع المشاركات المجتمعية لمنظمات المجتمع المدني في المحافظة، وكذلك إبرام الشراكة الفاعلة مع القطاعات الدينية، والاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز روح العمل المدني، انطلاقاً من حقيقة أن التماسك الاجتماعي الوثيق يحد من ارتكاب الجريمة، ويمنع انتشارها ونموها.
وفي هذه الأسطر أوجه خطابي لهرم الإدارة العامة لشرطة محافظة عدن، أن تطبيق هذه الفكرة، يحتاج إلى تدريب المشتركين، والمتطوعين في تطبيقها على أُسس العمل « الأمني الاجتماعي » والتواصل والتعاون مع الأجهزة الشُّـرَطية، وترسيخ أهمية الدور الوقائي في المجتمع، وإشراكه بكل فئاته في مسؤوليات الأمن المجتمعي، وإزالة الحاجز النفسي المانع من التعاون مع عناصر الشرطة.
هذه المبادرة التي أطرحها بين يدي مدير عام الشرطة بمحافظة عدن العميد الدكتور مصعب علي سعيد الصوفي، الذي أنتهز هذه المناسبة لتقديم التهنئة باسم شباب محافظة عدن بمناسبة توليه أهم منصب قيادي أمني على مستوى المحافظة، وهو بذلك ينال ثقتنا الجديرة به في النهوض بالمؤسسة الأمنية كمًّا وكيفاً على مستوى أقاليم اليمن. إن هذه المبادرة المُقترحة، تنسجم مع الإرادة السياسية، والشبابية في التغيير الجذري للعمل الأمني من الهرم الإداري، وحتى أسفل ذلك الهرم. ومن خلالها ستسير بإذن الله، الشرطة في محافظة عدن بخطى ثابتة وخطط واضحة، لتتحقق الأهداف التي تخدم وتدعم إستراتيجية شرطة محافظة عدن في نشر الأمن والطمأنينة، وتسخير التقنيات الحديثة المتمثلة بالبرامج التوعوية، والمضامين التربوية، وترسيخ المفاهيم الأخلاقية التي تخدم جميع شرائح المجتمع.
إنها إذاً إستراتيجية واضحة دقيقة، تحرص على خدمة المجتمع وأبنائه ومكتسباته، وتسهر على تطوير استقراره وأمنه، لكنها تستوجب بلا أدنى شك تضافر جميع الجهود الاجتماعية، للمساعدة في الواجب الأمني المجتمعي، لأن الجميع مستفيدون، وحين تتراجع مظلة الأمن والأمان - لا قدر الله - فإن الخسارة ستطال الكبير والصغير، وستنال من الذكر والأنثى، وستأتي على الأخضر واليابس، ولن يكون بيننا أي رابح سوى التمزق الأسري الذي سيؤدي إلى التحلل الاجتماعي، وعندها ستضيع الحقوق، وسَـتُـغَـيَّـب الهيبة، وهذا ما لا يتمناه الغيورون على أمن محافظ عدن.
مندوب إتحاد الطلاب بقسم الصحافة والإعلام كلية الآداب - جامعة عدن.
|
علاء بدر
حُـلـم أمني يُـعانق السحاب
أخبار متعلقة