ما أحوجنا اليوم إلى تعزيز الثقة خاصة بين كافة الأطراف والأطياف السياسية المؤثرة في شأن البلاد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، لأن الناس قد فقدوا هذه الثقة نتيجة أخطاء الأنظمة السابقة وبسبب التراكمات الناتجة عن التحكم المزاجي والعشوائي بالسلطة والثروة في أيدي فئة أو مجموعة أو حزب أو اسرة أو قبيلة . وبقية أفراد الشعب وشرائحه المختلفة والمتعددة تعيش في حرمان وفي ضنك وشقاء ونكد وبؤس وعطالة وتهميش وتجاهل لابسط مقومات وشروط الحياة الكريمة ناهيك عن فقدان الأمن والاستقرار في بعض أطراف ومناطق الجمهورية بالإضافة إلى استشراء الفساد وتزايد عدد المفسدين وغياب العمل المؤسسي والإدارة السليمة وانتشار ظاهرة المحسوبية والمجاملات والوساطات والرشاوى والاستحواذ على المناصب لفترات طويلة والمركزية الشديدة.
كل ذلك وغيره أدى إلى خروج آلاف الناس في احتجاجات ومظاهرات سلمية من اجل تغيير الأوضاع المتردية واستنكار المنكر واقتلاعه من جذوره في ثورة عارمة قام بها الشعب وفي مقدمته الشباب وأيضاً شباب الحراك قبل ثورات ما يسمى بالربيع العربي.. إن الناس في اللحظة الراهنة أصبحوا لايثقون في أي شيء ولافي أي متنفذ متمسك بالكرسي منذ عقود ولم يقدم شيئاً يذكر بعد تركه منصبه وكرسيه وعندما يخطب تسمع جعجعة ولا ترى طحيناً.. فمن أجل إعادة الثقة بين هذا المسؤول والناس لابد من أن يقوم هذا المسؤول بتحقيق مطالب الناس وتلمس همومهم وآلامهم وتنفيذ الحد الأدنى من هذه المطالب لأنهم في حاجة ماسة إلى من يوفر لهم الأمن النفسي والأمن المعيشي والاقتصادي وفي حاجة لمن يعمل بحرص على التفكير بمستقبل أولادهم وبناتهم والاجيال القادمة.
من ناحية أخرى فإننا اليوم لا نرى سوى القتل والاغتيال اليومي والمستمر داخل المجتمع وأصبحت هذه الظاهرة وكأنها شيء مألوف وأصبح كل مواطن خائفاً على نفسه وأهله وممتلكاته يتلفت يمنة ويسرة من أن يقتل في أي لحظة أو يغتال فجأة على يد مجهول وليس له في هذا الأمر ذنب أو جريرة أو ناقة أو جمل وفي مقدمة من يذهبون ضحية هم أفراد القوات المسلحة والأمن حماة الوطن والمنجزات والعيون الساهرة لايستطيعون حماية أنفسهم من هجمات الجماعات الإرهابية وليس لديهم تأمين على حياتهم من غدر هؤلاء المجرمين الذين وهبوا حياتهم رخيصة للشيطان وهنا يتساءل المواطن البسيط عن غياب هيبة الدولة وسيادتها.. ولماذا لاتفرض سيطرتها على كل شبر من أجزاء هذا الوطن الغالي وإيقاف من تسول له نفسه المساس بحياة أي مواطن غافل وبريء وآمن وإيقاف وزجر وردع من يحاول إهلاك الحرث والنسل وإتلاف وتدمير وإفساد البنية التحتية وأي منجز حيوي يخدم مصالح الناس جميعاً مثل أبراج الكهرباء أو النفط أو الغاز أو أي مرفق حكومي يقدم خدمات ضرورية وجليلة لشرائح عريضة من عامة المجتمع والشعب فعندما يفتقد الأمن والأمان والاستقرار وتغيب هيبة الدولة والحكومة عن أداء مهامها المنوطة بها يفقد الناس والمجتمع ثقتهم بهذه الحكومة والدولة بل وكل النظام الذي يقف متفرجاً على ما يحدث ولا يحرك ساكناً ويريد من الشعب ان يقول له تعظيم سلام وسمعاً وطاعة وهو لم يعمل شيئاً.
إن الذي يريد من الناس أن يصدقوه وأن يؤمنوا بكل قدراته ويمنحوه ثقتهم ينبغي أن يكون جديراً بذلك وأن يكون عند مستوى المسؤولية التي منحت له أو أنيطت به حتى يحوز على رضى الشعب والجماهير أما المتاجرون والمزايدون بأقوات الشعب ومن قوله مخالف لفعله فهو كالذي يذر الرماد في العيون أو يضحك على الذقون ويعيش في برجه العاجي المجتمع في واد وهو في واد آخر.. إن الناس يريدون منه المصداقية في أقواله وليترك منصبه ومسؤوليته لمن هو أجدر منه وقادر على تحملها وتحمل أعبائها إن الناس يريدون مسؤولين يراقبون الله ويراعون مطالب الشعب والأمة ويؤدون الأمانة التي تبرأت منها السموات والأرض والجبال واشفقن منها وحملها الإنسان الظلوم الجهول وسيسأل عنها يوم القيامة ويحاسب على ذلك إن ضيعها.
بلادنا تحتاج الآن وفي هذه اللحظة الراهنة إلى تضافر كل الجهود وتلاحمها وأن نسمو فوق مصالحنا الضيقة من اجل الوطن والناس أجمعين وأن نتعاون ونتكاتف في زمن التوافق والاتفاق لا زمن الشقاق والافتراق وأن نقف صفاً واحداً في وجه من يصطاد في الماء العكر لغرض تعكير حياتنا أو اختراق هذا الوفاق.
تعزيز الثقة .. ضرورة محلة
أخبار متعلقة