إن قيادات وأفراد هذه المنظمات، يتصرفون كهواة في عالم معقد تحكم الأجهزة العاملة فيه معرفة متعمقة بالسياسة، والمؤامرات، والتخفي بعيداً عن مسارح العمليات التي تدير فيها عملياتها، بينما تفقد كوادر هذه المنظمات المعرفة بكل ذلك، وقد عملت هذه الأجهزة على تطوير أساليب تعاملها مع هذه المنظمات، إلى حد اختراقها من الداخل، وهو ما انتهى إلى هذا التلاقي بينهما، استناداً إلى ضحالة معرفة هذه المنظمات بعالم السياسة ما ظهر منه وما خفي .
لقد أدارت أجهزة المخابرات الأجنبية عمليات اختراق المنظمات الإرهابية بطريقة ممنهجة، أوضحت مصادرها أن ذلك ساعد أجهزة المخابرات في أمريكا، وكندا، وأوروبا، وأستراليا، على إحباط أكثر من مئة هجوم إرهابي، من بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001.
وكان الكونغرس الأمريكي دعم في عام 2002 خطة لوكالة المخابرات المركزية لاختراق المنظمات الإرهابية، وقتها تحدث أعضاء في الكونغرس عن هذه الخطة، منهم السيناتور الجمهوري ريتشارد سيلبي، الذي قال: إن الحصول على معلومات سرية من داخل هذه المنظمات، لا يمكن أن يأتي بها العاملون في السفارات، لكن لابد أن نعمل على اختراقها من الداخل، ولنستفد في ذلك من تجربتنا مع المافيا، وكيف نجح مكتب التحقيقات الفيدرالي «المباحث الجنائية»، في اختراقها.
وقد اعتمدت خطة وكالة المخابرات المركزية على أمريكيين، هم أصلاً من الشرق الأوسط، ومناطق أخرى في العالم، جرى اختيارهم بحيث تكون لغتهم، وملامحهم، ومعلوماتهم عن العادات المحلية، مفتاحا لهم للامتزاج بسهولة مع أعضاء هذه التنظيمات.
وكان البروفيسور ديفيد تاكر أستاذ التحليل العسكري، ومؤلف كتاب «الولايات المتحدة والإرهاب الدولي»، كتب دراسة ذكر فيها: إن المخابرات المركزية، والموساد «الإسرائيلي»، تمكنا من اختراق تنظيمات ترفع شعار الإسلام السياسي، مثل حماس وبعض الجماعات الإسلامية . وقال تاكر أن المخابرات المركزية شعرت من بعد أول هجوم إرهابي على الأمريكيين قبل 30 عاماً، بضرورة التواجد داخل هذه التنظيمات، حتى لا تفاجأ بهجوم إرهابي، وبدأت العمل عل تجهيز أشخاص داخلها يعملون لمصلحة المخابرات الأمريكية وهو ما نجحت فيه باختراق تنظيم القاعدة، من أمريكيين مسلمين.
ولم تكن خطط اختراق هذه المنظمات قاصرة على وكالة المخابرات المركزية وحدها، بل اعتمدت على منظومة أوسع مدى، ضمت مختلف أجهزة المخابرات الأمريكية والأوروبية، وضمن هذه المنظومة لعبت هيئة العمليات السرية .س . .ح دورًا مهماً في اختراق منظمات إرهابية والحصول منها على معلومات مهمة عن عمليات تنفيذها في الشرق الأوسط.
وبعد انتشار وجود هذه المنظمات في سيناء، فإنها لم تكن بعيدة عن يد المخابرات الأجنبية، وهو ما أثار التأمل في كون عمليات المنظمات الإرهابية تصب في النهاية في مصلحة دول أجنبية . فمثلاً، لدى «إسرائيل» استراتيجية معروفة تستهدف إضعاف القوة العسكرية المصرية، والتركيز على إفراغ سيناء من أسباب الاستقرار والتنمية والتعمير . وهو نفس ما تفعله المنظمات الإرهابية هناك، إما عن جهل، أو عن عمالة . وكانت قوة الدولة المصرية وجيشها، وتماسك الدولة، تمثل كلها عقبة أمام استراتيجية «إسرائيلية» بأن تكون «إسرائيل» القوة المحورية في المنطقة، وهو طموح لا يتحقق في وجود دولة قوية في مصر. ولما كانت الحرب المسلحة لم تعد لها الأولوية في تحقيق مثل هذه الأهداف، فإن تكاثر المنظمات التي تعمل ضد دولها من داخلها - مثلما يحدث في سيناء - وفر لـ «إسرائيل» بديلاً محلياً يؤدي مهمة تتمناها، ويعمل على خلخلة المجتمع من داخله . إن خطورة هذه المنظمات أنها تجذب إليها أفراداً، تلوح لهم تضليلاً، بشعار الإسلام، بينما كل ما تفعله، مناقض تماماً، لتعاليم الدين الإسلامي التي تحرم جميع أعمالها وممارساتها . وتستغل أجهزة المخابرات الأجنبية، ضحالة تفكير أعضاء هذه المنظمات، في دفعها لارتكاب أعمال تخدم هذه الأجهزة، عن طريق اختراقها من داخلها، بعناصر، تزيد من اندفاعها نحو التطرف، والقتل، والتدمير، بناء على تخطيط علمي يشرف عليه وينفذه خبراء مدربون على التعامل مع منظمات الإرهاب.
مخابرات أجنبية في قلب الإرهاب
أخبار متعلقة