العم أحمد رجل مسن جاوز من العمر الستين عاماً يتكئ على عصا تساعده على المشي بخطى ثابتة..جار العشرة الطويلة والكلمة الطيبة والصادقة المنبعثة من القلب...رجل عرف بين رجال الحي بحكمته ورجاحة عقله رغم بلوغه من العمر ما يجعله يرتاح من عناء المتاعب في مشوار الحياة الطويلة بعد أن قضاها في خدمة هذا الوطن بكل أمانة وإخلاص وإنسانية.
وبينما كنت أهم بالذهاب إلى العمل في الصباح الباكر وكنت على عجلة من أمري أوقفني العم أحمد الذي بدت ملامح وجهه شاهدة على ما نحت عليه الزمن من معالم الكبر وهو يحمل بيده ورقة بيضاء مكتوباً عليها بطاقة مواطن؟!!
نظرت إليه باستغراب وقلت له: ماذا تقصد ياعم أحمد ببطاقة مواطن؟!
أجاب: أرسليها يا ابنتي إلى مؤتمر الحوار الوطني وعلى عجل!
أجبته: كيف أرسلها ياعم أحمد وعلى عجل.
قال: بقلمك الذي لم يجف حبره بعد ولم يصل إلى سن اليأس مثلي..أرسليها على عجل وفي طياتها معاناة المواطن البسيط الذي يفتقر إلى كل شيء والذي لم يجد سقف بيت يؤويه هو وأسرته، وأمن واستقرار نفتقده على قارعة الطريق وتمتهن فيه كرامة الإنسان وآدميته بعد أن افترشت رماله وأسفلته بألم الانفجارات والاغتيالات للنفس البريئة والرصاص الطائش الذي لم يعرف مصدره ولا يعرف معه المواطن هل سيعود إلى أسرته سالماً أم ستطاله رصاصة الغدر.
اكتبي يا ابنتي: أنني أريد أن أجد لأولادي خدمات مجانية من تعليم جاد ومستشفيات حكومية يعالج فيها أولادي وتقدر فيها قيمة الإنسان والحفاظ على صحته، ولقمة عيش لا ترتبط بالغلاء وفي إيجاد الغذاء الصحي الخالي من الكيماوي والعمل الشريف لأولادي، حتى لا يكون الشارع ملجأ لهم ووكراً لمتربصيهم من ذوي النفوس الخبيثة.
اكتبي يا ابنتي: أنا مواطن أفتقد لوطن يكون سقفه مظلة لجميع أبنائه وطن يتسع للجميع تسوده العدالة الإنسانية والمودة والمحبة والتسامح والحياة الكريمة والحقوق المتساوية وثروات خيراتها للجميع بحيث لا نرى بعد ذلك مواطناً يكافح بكد فوق طاقته من أجل لقمة العيش التي لن يجدها إلا بعد عناء وتعب ليوفر معها أبسط مقومات الحياة الكريمة له ولأولاده...بينما هناك أناس مترفون لا يعرفون معنى أن تكد وتتعب من أجل لقمة العيش...؟!! لأنهم ببساطة شديدة عائشون على نهب ثروات وحقوق هذا المواطن الغلبان والوطن الذي لا يستحقونه.
ابنتي..نريد وطن لمن لا وطن له وطن يرسم لنا ملامح المستقبل المشرق الذي ينشده الجميع وطن الرخاء والتنمية والنماء...وقبل كل ذلك الأمن والاستقرار الذي هو أساس كل شيء، ومعه يتحقق كل شيء.
أجبته: عم أحمد أنت تنشد المدينة الفاضلة التي ليس لها وجود في هذا العالم الذي يعيش على صفيح ساخن.
أجاب بابتسامة تملؤها الإرادة وحب الحياة: موجودة يا ابنتي في المحبة والتسامح ومظلة الوطن الواحد الذي تجري دماؤه النقية في عروق وشريان أبنائه.
فجأة انتفض وتغيرت ملامح وجهه الوديعة وطرق بعصاه بقوة على الأرض وقال: اكتبي يا ابنتي..أكتبي عاجل..عاجل..عاجل..هذه بطاقة مواطن؟!!
عاجل..هذه بطاقة مواطن!!
أخبار متعلقة