كنت على موعد لحضور حفل تخرج الدفعة الثلاثين لقسم الهندسة الميكانيكية ( موازي) في قاعة قصر سبأ بخور مكسر صبيحة يوم السبت الموافق 18 / 1/ 2014م ورغم أن الدعوة التي تلقيتها تعود إلى حب بعض الآباء الأصدقاء مشاركتهم فرحتهم بتخرج أبنائهم والتي لا تحدث لهم إلا مرة أو مرتين في العمر وبحسب تمكنهم وتوفقهم في تأمين نفقات الدراسة لأبنائهم تحت مسمى (موازي)، إلا أن هناك دوافع أخرى خاصة بي جعلتني أسارع إلى تلبية هذه الدعوة وهي ربما حاجتي إلى أن أعيش لحظات حية استرجع فيها ومعها حلاوة وجمال وفتنة دراستي الجامعية التي غالباً ما أهرب إليها كلما تفاقمت ضغوطات مسؤوليات الحياة التي لا تنتهي، وكلما انتبهت إلى تسابق انتحار سني العمر إضافة إلى دافع آخر سرعان ما أخذ يلح علي للحضور وتلبية الدعوة وهو رغبتي الشديدة في اقتراب اليوم الذي يتخرج فيه أولادي آثار وزرياب ومحمد ودرهم وسهى والذي لا أعتقد أن هناك بقية في العمر لمشاهدة كل ذلك معزياً نفسي في أن أراهم في وجوه المهندسين المتخرجين الأربعة والثلاثين الذين يأتي من بينهم المهندس حامد أحمد الشاب الذي ظللت معه أترقب مقدم هذا اليوم.. الذي سيظل وقعه كامناً في نفسي لغزارة وثراء معاني الود والترابط والتآخي التي تكشفت لتحكي مشواراً دام خمس سنوات بين الطلاب ومدرسيهم ومشاعر وأحاسيس مترعة بالوفاء والامتنان والإكبار المشوب بالحزن لغياب الدكتور أيوب أحمد ولي رئيس قسم الهندسة الميكانيكية الذي وافته المنية في الليلة السابقة لصبيحة حفل التخرج والذي أبى إلا أن يشارك طلابه فرحتهم وأن يبقى قريباً منهم ملازماً لهم كاسراً بذلك حواجز الموت المجحفة من خلال رسالة وجهها إلى طلابه المهندسين الخريجين رسالة فضل أن لا يلقيها بلسانه بل أن يحفرها في عقولهم ووجدانهم يحملونها معهم ويتلونها بألسنتهم ويعودون إليها مستعينين بها على شحذ هممهم واجتهادهم في إغناء مسيرة حياتهم .
رسالة كانت بحق بمثابة شهادة أخرى يحوز عليها الطلاب توازي إن لم تفق شهادة تخرجهم مكانة وأثراً وقيمة رسالة ميزت هذه الدفعة المتخرجة بأنها حصلت على شهادتي تخرج بدلاً من واحدة شهادة، ما كان ينبغي لي أن أسبق أو أتبع سطرها بكلام من عندي لولا تعدد وغزارة المشاهد والعبر والدروس والقيم التي تعالت وارتسمت على جنبات هذا الحفل التخرجي والتي حاولت لا استرسل في الحديث عنها وفيها طمعاً وحباً في الإسراع بتبليغ تلك الرسالة الشهادة إلى كل طالب وخريج وقارئ لتكون هي لا مسك ختام كل إفادة ودلالة وحسب بل ومبتدأ كل تطلع وتمسك بالحياة.
فإلى نص أول شهادة تخرج من نوعها تمنح للدفعة (30) لخريجي قسم هندسة ميكانيكية كلية الهندسة عدن.
(أبنائي الطلاب إنه لمن الفخر أن أراكم اليوم بهذه الرؤوس المرفوعة وهذه الهمم، التي كنا على ثقة بها منذ البداية بأن لها شأناً في المستقبل إن شاء الله. إن سعادتي أكبر من سعادتكم وأنا أراكم اليوم مهندسين مقبلين على الحياة تطرقون كل أبواب العمل تملؤكم الرغبة في إثبات ذواتكم. كيف لا وأنتم من قسم الحياة قسم هندسة الميكانيكا هذا القسم الذي كان ومازال يخشاه الكثيرون ولا يعلمون أن الحياة منه تبدأ وأن السنوات الخمس التي يتربى فيها الطالب بين المعادلات تجعله أقوى وأن قوانين الاتزان تنطبق على هذه الرواية الساحرة فلكل مجتهد نصيب ودقائق الجد في هذه السنوات الخمس تنعكس حسب قانون الطاقة والحرارة في توالي السنين...فأنتم الآن لا تقلون شأناً عمن كان يمنحكم هذا العلم الذي سعادته أكبر من سعادتكم برؤيتكم في هذا اليوم الذي لن ينساه أحد، وفقكم الله يا أبنائي وقلوبنا معكم لنراكم في أرفع الدرجات إن شاء الله.
د. أيوب أحمد ولي
(رئيس قسم الهندسة الميكانيكية)
عندما يتوارى الموت خجلاً من نفسه
أخبار متعلقة