تبرهن التجارب كل يوم على الدور المحوري الهام والاستراتيجي والمؤثر الذي تتولى مسؤوليته دول مجلس التعاون الخليجي، على المستوى الإقليمي أو العربي أو العالمي، وجهودها الكبيرة في عكس وجهة النظر العالمية لمبادئ السلم الدولي، الناظمة المستقبلية الواجبة لعلاقات الشعوب، ولم يعد من المستغرب أن توصف دول المجلس نتيجة لهذه الأدوار الفاعلة على مختلف الساحات، بأنها الضابطة لعدالة الميزان الإقليمي والعربي وتوازن الأثقال، والمعيدة لكثير من الحسابات توازنها واستقرارها.
ليس دوراً إنشائياً بسيطاً ذاك الذي تلعبه دول التعاون في كثير من الملفات العربية والإقليمية، بل حضور طاغ ورئيسياً لم يعد العالم يستطيع تجاهله أو تمرير أي قراءة للواقع والمستقبل دون النظر من منظور رؤية دول المجلس لأنسب الحلول وأنجع الوسائل لضبط موازين العمل العالمي وإحلال السلام المنشود.
ومن هذا المنطلق أكدت القمة الأخيرة لدول المجلس في الكويت، على المسؤولية التاريخية المنوطة بدول التعاون، وما ينتظر منها على صعيد ترتيب البيت الداخلي الخليجي، وصولاً إلى التلاحم المطلوب للقيام بالأدوار الإقليمية والعربية والعالمية على أكمل وجه، مؤكدة الحرص الكبير على تحقيق استقرار دائم في منطقتنا العربية، لأنه المفتاح لتنمية مستدامة، ولبناء مستقبل حقيقي للأجيال القادمة.
لم تغفل القمة الخليجية الأخيرة الأهمية الكبيرة والمؤثرة والفاعلة لقضية الأمن الخليجي بمفهومه الشامل، وتلمس القادة الخليجيون خطورة التغيرات في السياقين الإقليمي والدولي، وأهمية بناء إستراتيجية خليجية متسقة للتعامل معها.
ومن هنا جاء اعتماد «إعلان الكويت»، الذي صدر في ختام أعمال القمة، لإنشاء القيادة العسكرية الموحدة لدول «مجلس التعاون لدول الخليج العربية»، وجهاز للشرطة الخليجية «الإنتربول الخليجي»، وأكاديمية خليجية للدراسات الإستراتيجية والأمنية، فضلاً عن تأكيد ضرورة تسريع خطوات التكامل الاقتصادي بين دول «مجلس التعاون لدول الخليج العربية»، لتعزيز المفهوم الشامل لقضية الأمن، وتمتين أسس «الأمن الجماعي الخليجي» في مواجهة التحديات والمخاطر التي تعترضه، سواء كانت داخلية أو إقليمية أو دولية.
هذه الخطوة حظيت بمباركة القيادات الخليجية، لأهميتها الكبرى على جميع المستويات، حتى وصف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قرارات مجلس التعاون الخليجي بأنها «قرارات تعبر عن حكمة قادته.. وتخدم مصالح شعوبه.. وتعزز مكانته عالمياً».
هذا التعاون الدفاعي والعسكري بين دول التعاون، لا يعني أنها تتبنى بأي شكل من الأشكال العنف والقوة كمبدأ لحل مشكلاتها مع الآخرين، بل هي تقدم على الدوام استراتيجية السلم والحلول السلمية العقلية لجميع مشكلاتها، منطلقة من مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة دول المنطقة، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها.
وهذه المبادئ هي مبادئ حاكمة للسياسة الخارجية لدول المجلس في علاقاتها الإقليمية والدولية، وذلك في إطار سعيها للمحافظة على السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، ودعوتها إلى حل أي خلافات أو مشكلات عبر الطرق السلمية.
مبادئ متوازنة في العلاقات الدولية، صنعتها مسيرة طويلة من الخبرة والحنكة السياسية وفن العلاقات الدولية، وتولي الكثير من الملفات الحساسة على مدى تاريخ دول التعاون الخليجي، لتخرج اليوم على العالم أكثر نضجاً وأحدّ بصراً لمآلات الأمور وما يصلح لحاضر دول التعاون ومستقبلها.
ولا شك أن الوقائع التي عاشتها الدول العربية، لا سيما في الفترة الأخيرة، وعلى الخصوص في ملفات دقيقة في مصر وسوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول، أثبتت الحضور الفاعل لدول مجلس التعاون الخليجي في التعامل مع أكثر الملفات حساسية، والقدرة على تمرير الحلول الناجحة لضمان أمن المنطقة والعمل على استقرارها، لمصلحة شعوب الخليج والشعوب العربية وشعوب المنطقة.
إن دول التعاون الخليجي أثبتت وتثبت كل حين أنها ستكون مركزاً ومفتاحاً لتعاون دول العالم لمصلحة الأمن والسلم العالميين، في ريادة هي أهل لها، وتستطيع توليها بهمة قادتها وشعوبها على أحسن وأكمل وجه.
دول «التعاون» مفتاح تعاون الدول
أخبار متعلقة