هل فعلاً السياسة نجاسة؟ وأنها تبرر كثيراً من الأعمال.. حتى ولو كانت غير شريفة أو نظيفة.. بل تبرر السيئ منها والضار أحياناً.. هل كان محمد علي باشا رغم أنه باني مصر الحديثة، كان أكثر ذكاءً وخبثاً حتى من ميكيا فيللي الذي يعتبره الكثيرون من المفكرين أنه أبو علم السياسة الحديثة وأنه أبرز مفكريها في عصر النهضة «ولد 1469 ومات 1527م» وهو الذي قادته التجربة التي اكتسبها من كونه رجل دولة إلى النظر للسياسة بطريقة جديدة.. هي النظر للسياسة بصورة واقعية ووضع أشهر كتبه «الأمير» الذي كتبه عام 1513 وطبع عام 1532، أي بعد وفاته.. ودعا فيه إلى استخدام القسوة والخداع في السياسة.. وأنها تعني عنده المكر والتجرد من المبادئ الخلقية.. وفي كتابه هذا يصف الطريقة التي بموجبها يكتسب الحاكم القوي السلطة ويحفظ بلده قوياً.. ولكنه اعتقل وعذب وسجن بتهمة التآمر ضد حكم أسرة ميدتشي في فلورنسا بإيطاليا.
ولكن محمد علي باشا كان أكثر دهاءً من ميكيا فيللي هذا حتى أنه عندما شرح له وكيل أعماله الخارجية أفكار هذا الكاتب طلب منه ترجمة كتابه الأمير.. وكان يقدم لمحمد علي الكتاب مترجماً صفحة صفحة.. ولكن محمد علي ضحك كثيراً وأمر وكيله بالكف عن تقديم الترجمة.. وقال له ساخراً: لو أن ميكيا فيللي هذا مازال حياً لأرسلت له لكي يتعلم مني!! والمتتبع لسياسة محمد علي يتأكد من ذلك.
المهم أن السياسة ليست دائماً نظيفة.. ولا مبادئ لها.. ولهذا ما من حاكم مستبد إلا وقرأ مؤلفات ميكيا فيللي.. بل وطبقها..
ولم يكن متوقعاً أن يسلك «الإخوان» نفس الطريق.. خصوصاً أن الإسلام يعلمنا النظافة ليس فقط في الجسد وما نلبسه.. ولكن أيضاً في سلوكنا، ولكن ثبت لنا أنهم أخذوا من ميكيا فيللي أسوأ أفكاره أو أبشع مبادئه وهو: الغاية تبرر الوسيلة، أي للحاكم أو غيره أن يسلك ما يشاء من طرق ويأخذ من الوسائل ما يحقق له ما يشاء، ولكن هل طبق «الإخوان» ذلك بالفعل؟! يقول مثلنا الشعبي «المية تكذب الغطاس» وإليكم الدليل، بل الدلائل التي تؤكد ذلك..
مثلاً عندما أراد الإخوان إسقاط المجلس الأعلى العسكري الذي كان يحكم البلاد.. ورغم أنه هو الذي مكنهم من كرسي العرش.. ارتكب الإخوان عن طريق رجاله ورجال حلفائه من حماس جريمة رفح الأولى التي قتل فيها من قتل وهم يتناولون طعام إفطارهم في رمضان.. وجعلوا الألسن تلوك سمعة الجيش والمجلس الأعلى لكي يسقطوه وينفردوا هم بالسلطة.. ولا يهم هنا أن يقتل عدد من جنودنا وضباطنا.. المهم أن يسقط حكم العسكر..
ثم أحداث ماسبيرو الشهيرة.. من قتل من هذه المسيرة التي قام به الاشقاء من المسيحيين.. ومن اعتلي كوبري 6 أكتوبر وأخذ يطلق الرصاص علي المتظاهرين.. وهنا ازداد هتاف «الإخوان» يسقط حكم العسكر.. وليس فقط لتحقيق هذا السقوط بل لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.. أي أيضاً لضرب الوحدة الوطنية.
وسوف تثبت التحقيقات والمحاكمات صدق ما نقول، كان الهدف هو إضعاف وتشويه صورة الجيش عند الشعب بحيث اذا نجح الإخوان في إسقاط المجلس الأعلى لن نجد من يدافع عن المجلس.. ولا عن شرف الجيش.. لأن المعركة كانت أزلية ضد الجيش وضد الشرطة.. فالجيش هو وحده القادر على التصدي لهم.. والشرطة هي الأكثر معرفة بخطط الإخوان للاستيلاء على السلطة.. ونجح الإخوان في هذين المخططين.. بكل أسف..
< وفي أحداث جامعة الأزهر الآن سلك «الإخوان» نفس المسلك ومعركتهم مع الأزهر وشيخه العظيم الدكتور أحمد الطيب ليست وليدة اليوم بل تعود إلى سنوات سابقة عندما كان الشيخ احمد الطيب رئيساً للجامعة.. وكشف لعبتهم وتنظيماتهم العسكرية بكل الميليشيات الإخوانية ولهذا حاولوا إسقاط الرجل العظيم..
أيضا حملتهم ضد الأزهر لم تكن فقط ضد الرجل النظيف.. بل كانت ضد ما يمثله الأزهر الجامع والجامعة.. وحاولوا تشويه جامعة الأزهر وهل تذكرون حكايات التسمم الغذائي لطلبة المدينة الجامعية للأزهر، وكيف خطط لها الإخوان ببراعة.. بل وجاءوا بالديدان ووضعوها في الطعام الذي يقدم لهم لتحقيق مأربهم.. إلى أن تم كشف أغراضهم وكادت هذه المشكلة تطيح برئيس الجامعة.. وتطول أيضاً شيخ الأزهر نفسه..
كل ذلك لكي يسقطوا قلعة الأزهر وكعبة العلوم في مصر، وفي العالم الإسلامي، وليس ما نراه الآن من تحطيم مباني جامعة الأزهر وعبارات الاسفاف بشيخ الأزهر نفسه.. وأيضاً محاولة تعطيل الدراسة إلا تنفيذاً لأفكار ميكيا فيللي.. أي الغاية تبرر الوسيلة حتى ضد الأزهر وشيوخه العظام..
نعم السياسة - بمثل هذا المفهوم - هي نجاسة.. ولتذهب هذه السياسة.. والذين ينفذونها إلى حيث يجب أن يذهبوا..
الإخوان.. والغاية.. والوسيلة!
أخبار متعلقة