الجماهير التي كان الشك يلجمها من نتائج الثورة وقد شهدت تحول الثوار الاُول في ثورات الماضي الى حكام اشد كفرا، وطغيانا، وبطشا ، فكانت حماه ومجازر الحروب، الاهلية اللبنانية والاهلية الصومالية، والاهلية الجزائرية، واليمنية، والقتل بالغاز السام في حلبجة.. إلخ إلخ. هذه الجماهير حررها المثال التونسي من مخاوفها وشكوكها. فسرت الثورة في الاقطار العربية الراكدة المتعفنة سريان النار في الهشيم.
وكان الرأي السائد انه من المهم ألا تنتكس الثورة في أي بلد وأنه من أجل ذلك يجب التمسك بسلمية الثورات حتى لا تعطى الأنظمة مبررا للبطش. وقد كان الظن أنها لن تستطيع البطش الدموي الفاضح باحتجاجات سلمية لأنه سيعرضها للمساءلة القانونية والعقوبات الدوليتين، لولا حرف مسار الثورات لتصب في مجاري المصالح الامبريالية الغربية بمؤامرة سعودية قطرية مصرية اطلسية، فلم تعد الثورات ثورات شعوب بل أصبحت مؤامرة تقودها الاطراف المذكورة بتواطؤ مع (الإخوان) والسلفيين في الأقطار التي نشبت فيها الثو رات .
تقرير أوباما السري
صرح مسئولون رسميون في واشنطن ان اوباما وجه مستشاريه بتقديم تقرير سري في اغسطس الماضي عن عدم الاستقرار في العالم العربي وافاد التقرير انه بدون اكتساح التغييرات السياسية فأن الدول من البحرين الى اليمن ستكون جاهزة لانتفاضة شعبية.
طالب اوباما، في التوجيه الرئاسي، بالدراسة. وتتضمن تحديد بؤر التوتر المحتملة والتي كان من ابرزها مصر وطلب مقترحات عن كيفية قيام المسئولين الأمريكيين بالدفع من اجل التغيير السياسي في البلدان التي يحكمها رؤساء مستبدون والذين هم من حلفاء الولايات المتحدة.
وقالوا ان التقرير الذي يتكون من 18 صفحة واجه قضية افسدت منهج الولايات المتحدة مع هذه البلدان في الايام الاخيرة وهي كيفية الموازنة بين استراتيجية المصالح الامريكية والرغبة في تجنب اتساع عدم الاستقرار في مواجهة المطالب الديمقراطية للمناهضين.
ولم يوضح المسئولون الرسميون كيفية ارتباط التقرير بتحليل الاستخبارات الامريكية للشرق الاوسط والتي اكدها مدير الاستخبارات الامريكية السيد (ليون. اي بانيتا) بشهادة قبل ان يطالب الكونغرس بتحديد افضل المحفزات للثورات في هذه الدول مثل مصر.
وقال المسئولون ان دعم اوباما للحشود في ميدان التحرير في القاهرة حتى ولو ألحق ببعض الاشارات المتضاربة من قبل مستشاريه ,كان يعكس ايمانه بأنه كان هناك خطر كبير في عدم الدفع بالتغييرات لان القادة العرب سيلجؤون الى طرق واساليب اكثر وحشية لابقاء الغطاء على المعارضة.
وفي نفس الوقت قال المسئولون ان الرئيس مبارك كان يبحث عن او يعد ابنه جمال مبارك لخلافته , والانتخابات البرلمانية التي عقدت في شهر نوفمبر كان متوقعا لها بشكل كبير ان تكون مزورة، وكذلك محمد البرادعي الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية كان قد عاد ليقود حركة المعارضة الوليدة.
في اليمن ايضا" قال المسئولون ان اوباما كان قلقا" من ان تركيز المسئولين الامريكيين على عمليات مكافحة الارهاب ضد تنظيم القاعدة كان يتجاهل ازمة سياسية في مهدها حيث ان شبابا غاضبين تمردوا على الرئيس علي عبدالله صالح الحاكم المستبد المشابه لحسني مبارك.
وقال مسئول آخر: سواء" كانت اليمن او اي دولة اخرى في المنطقة يمكنك رؤية مجموعة من المتجهات, شريحة كبيرة من الشباب, نظم تعليم رثة, اقتصادات راكدة و تكنولوجيا شبكات التواصل الاجتماعية مثل الفيسبوك والتويتر التي كانت وصفة طبية حقيقية للمشكلة.
وتم عقد اجتماعات اسبوعية في البيت الابيض مع خبراء من وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية وغيرها من الوكالات، ويقود العملية دنيس روس مستشار الرئيس الاكبر لشئون الشرق الاوسط, سامنثا باور مدير رفيع المستوى في مجلس الامن القومي المختص بقضايا حقوق الانسان وغايل سميث المسئول عن التنمية العالمية.
وقال المسئولون انهم حافظوا على سرية المشروع من ان يتم تسريبه حتى لا يقوم الحلفاء العرب بالضغط على البيت الابيض كما حدث في الايام التي أعقبت الاحتجاجات التي هزت القاهرة.
وكان اوباما يدفع بموضوع التغييرات السياسية في اللقاءات الخاصة بالديمقراطية والتجارة والعلاقات العسكرية مع الدول العربية وفي هذه اللقاءات قال احد المسئولين «المصالح الاستراتيجية تطغى على كل شيء ومن المستحيل مناقشة اي جهود للاصلاح».
تونس
في تونس حصدت حركة النهضة" بفضل المساعدات القطرية والأمريكية والإنجليزية السخيّة أكثر من 40 % في الانتخابات الأولى التي جرت بعد إطاحة نظام زين العابدين بن علي من خلال اتفاق سري بين قائد الجيش التونسي رشيد عمار و وكالة المخابرات المركزية الأميركية. وبحسب تقارير نشرت مؤخرا في عدد من الدول الغربية فإن الاتفاق أبرم خلال زيارة خاطفة قام بها عمّار إلى واشنطن قبل أيام من هرب بن علي وتضمنت تهريب هذا الأخير من خلال "عملية أمنية" شاركت فيها واشنطن والسعودية والجيش التونسي بهدف قطع الطريق على الثورة التونسية ومنعها من تحقيق تحوّل ديمقراطي حقيقي معاد للمصالح الغربية.
وكان الغنوشي قد اعترف في تسجيل مرئي لقناة "الحوار" الإسلامية في لندن - أنه قابل أمير قطر خلال زيارة سرية إلى الدوحة الصيف الماضي، وأن الأمير القطري منحه خلال الزيارة مئة مليون دولار من أجل إنشاء البنية التحتية لحركة"النهضة" و ضمان اكتساح الانتخابات التونسية. وقد لاحظ التونسيون مؤخرا أن مبنى كبيرا وسط العاصمة التونسية " أصبح فجأة مقرا لقيادة الحركة التي اشترته بملايين الدولارات". وهو ما حصل أيضا في معظم المدن التونسية الأخرى! وكشف الغنوشي في الشريط نفسه أن المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان السوريين و"خازن بيت مال" الجماعة،علي صدر الدين البيانوني، التقى أمير قطر للغاية نفسها، لكنه ـ أي الغنوشي ـ لا يعرف ما إذا كان البيانوني حصل على المبلغ نفسه أو أقل منه. ولاشك ان اخوان مصر واليمن قد استلموا الاثمان الكبيرة مقابل حرف مسارات الثورات واجهاضها.
وكانت تقارير غربية كشفت خلال الأشهر الأخيرة عن حصول " صفقة تاريخية كبرى" بين (الإخوان) العرب وواشنطن بوساطة من تركيا وقطر،تهدف إلى تمكينهم من الاستيلاء على السلطة في البلدان العربية. وقد أشارت هذه التقارير إلى أن تركيا رعت لقاءات على أراضيها بين العديد من قادة "الإخوان" في مصر والأردن وسوريا واليمن من جهة، ومسؤولين في وكالة المخابرات المركزية الأميركية من جهة أخرى.
ليبيا
تزعم الاسلامويون القبليون الفصائل المسلحة التي اسقطت نظام القذافي بدعم عسكري اطلسي، وسطت على مخزون البلاد الهائل من الاسلحة والذخيرة. وقد اصبح لكل قبيلة ميليشياتها التي تتصارع مع نظيراتها الخاصة بالقبائل الاخرى، واجهزة اعلامها الخاصة وغدت كل واحدة منها تنال دعما من جهة عربية او اجنبية ما، ليتحول القطر الليبي الى شئ اشبه بالغرب المتوحش في التاريخ الامريكي حيث المسدسات هي الحكم. وحيث تتنافس محاولات الهيمنة وجهود المحاصصة والتقاسم القبليين فانهما يبدوان كما لوكانا سيطبعان وجه ليبيا ما بعد الثورة بطابعهما المقيت، هذا اذا نجت البلاد من الحرب الاهلية المدمرة والتقسيم اللذين يلوحان بوضوح ما بعده وضوح في افق البلاد.
مصر
تنحى الرئيس مبارك عن الحكم تحت ضغط الثوار وضغط الولايات المتحدة التي حذرت الجيش من استخدام القوة ضد المتظاهرين وتسلم المجلس العسكري الحكم، وسرعان ما ظهرت عليه اعراض الصفقة التاريخية الكبرى التي ذكرناها آنفا وذلك في اتجاهات ثلاثة: الاول كان بممارسة قدر كبير من الاسترخاء الامني الذي ادى الى استشراء الانفلات الامني الذي اسهم الاسلاميون في اذكائه بالاعتداء على المسيحيين ودور عبادتهم، والثاني عن طريق سلق اعلان دستوري يتعلق بعدد قليل من مواد الدستور والاستفتاء عليه من قبل جمهور، اصبح يبحث عن الاستقرار والخروج من حالة الفلتان الامني باي ثمن، ولينتهي الامر باعلان دستوري شمل اضعافا مضاعفة من المواد التي لم يستفت عليها ووافقت هوى الاسلاميين ومصلحتهم في التعجيل بانتخابات حصدوا فيها غالبية المقاعد. والثالث من اعراض الصفقة كان استخدام البطش ضد شباب الثورة من غير الاسلامويين بما في ذلك القتل بالرصاص الحي في ميادين التظاهر، والاعتقالات الواسعة، والتعذيب الفظيع، ومن ثم اصدار الاحكام القاسية من محاكم عسكرية تطبق قانون الطوارئ. وكل ذلك من اجل التمكين للاسلاميين.
اليمن
في نهاية فبراير 2011 اصدر تجمع شباب اليمن تنبيها هاما جاء فيه: من يريد الانضمام لثورة الشباب اليمني تحت مسمى ابن من ابناء الشعب فاهلا به ، اما من يريد الانضمام تحت مسمى قبيلة او حزب او منطقة، فعذرا، ليس له مكان بين الجموع ، نحن نرحب بابناء اليمن و لا نرحب بمن يتنصل عن تلك التسمية وينزوي تحت اطارات ضيقة غبية لا تخدم الوطن ، و بخصوص النداء الذي تقدمت به احزاب المشترك لابناء الشعب اليمني بانها قررت الدعوة الى يوم غضب يوم الثلاثاء لشهداء عدن الذين سقطوا يوم الجمعة ، فإن تجمع شباب اليمن يرفضه ويرفض وصايتهم و تربعهم على المشهد، و قد قلناها في السابق ، لا حزبية ولا قبلية ، ثورتنا ثورة شباب، ثورة سلمية .و يدعو تجمع شباب اليمن كافة المعتصمين من الشباب و ابناء الشعب اليمني الى الخروج يوم الخميس القادم، الثالث من مارس 2011 ، كيوم للغضب على النظام استعدادا لرحيله.
وكان ائتلاف شباب اليمن الحر قد رفع منذ تاسيسه في بداية الثورة شعارا يقول (الثورة ثورة شباب لا حزبية ولا احزاب) ووضع الشعار فيما بعد على لافتة قماشية عريضة تمتد بامتداد الساحة امام المنصة الرئيسة لساحة التغيير. وقد تعرض الائتلاف لحملة تشويه وترهيب من قبل قيادات ومحازبي اللقاء المشترك.
وفي اجتماع ضمها مع قادة المشترك ولفيف من الشباب شرحت القيادية في الائتلاف واحدى اصلب مناضلي الثورة الاستاذة فريدة اليريمي موقفهم قائلة: إن الاحزاب ضرورية للحياة السياسية في مجتمع ما بعد الثورة، ولكن محاولات فرض هيمنتها على الثورة ضارة الى ابعد الحدود، فالثورة حالة شعبية اكبر من الاحزاب. وفيما يبدو كان قادة اللقاء المشترك قد جاؤوا الى الساحة ليتسولوا من الشباب مزيدا من الدماء، وقال الدكتور ياسين نعمان الذي كان الرئيس الدوري للمشترك آنذاك ان دماء الثوار هي التي تصنع النصر (النصر للقاء المشترك بطبيعة الحال كما ستوضح الاحداث لاحقا).
وفي خيمة وفاق في الساحة شرح القاضي احمد سيف حاشد، اهم دعاة الثورة وقادتها على الاطلاق، الاسلوب الذي اتبعته احزاب اللقاء المشترك للهيمنة على ساحة الثورة فقال:
"في البداية لم يوجه حزب الإصلاح قطاعه الطلابي بالمشاركة وكذلك أحزاب اللقاء المشترك، وعندما اقتحم الأمن المركزي ساحة الجامعة كان موقف الإصلاح سلبيا ووقفوا يتفرجون .
بمجرد أن قرر اللقاء المشترك الانضمام إلى الثورة كان حزب الإصلاح يعد للاستيلاء على الساحة وكنا قد عقدنا اجتماعا لتشكيل لجنة النظام في الساحة وحددنا إطار العمل والمهام وأجلنا تحديد الأسماء إلى اليوم التالي. ولكن أعضاء حزب الإصلاح تحركوا بعد أن انفض الاجتماع مباشرة للسيطرة على الساحة واستمرت تحركاتهم حتى اليوم التالي .
عملية الاستيلاء كانت نموذجا للسلوك العصبوي اللاديمقراطي فقد عقدوا اجتماعات غيبت الآخرين وجاؤوا بأشخاص منهم ممثلون لمجموعات ولائتلافات وهمية لا وجود لها، والجميع في الحقيقة من الإصلاح ثم قاموا بتشكيل جميع اللجان، لجنة النظام، واللجنة الأمنية.. إلخ وفرضوها على الجميع وقد ابتعدنا عن إثارة نزاع معهم حفاظا على وحدة الصف وخشية على الثورة من التفكك في أيامها الأولى.
اللجنة التنظيمية التي يفترض أن تدير الأمور في الساحة تم تشكيلها في اجتماع تال من 20عضوا سبعة أشخاص من الأحزاب، وسبعة آخرون مرشحون من قبل تلك الأحزاب، وممثل عن الحوثيين وآخر عن مجلس التضامن (حسين الأحمر) واثنين لتمثيل الشباب المستقل واثنين من الأكاديميين والمتخصصين .
وعلى الرغم من استحواذ الأحزاب على اللجنة فإن هذه اللجنة لا تنظم ولا تقرر شيئا، أما الفاعلون الحقيقيون فهم اصلاحيون أشباح غير معروفين بالأسماء ولكن تأتي أوامرهم إلى أعضاء الإصلاح بالتلفون من خارج الساحة .
الاصلاحيون والجنرال حليفهم وهم جزء من النظام السابق أو "سلفية المشترك" كما وصفهم صالح علي الدويل باراس " استغفلت الثورة والأحزاب وجعلتها "حماراً" للوصول إلى كرسي الحكم بعد ان مرّغتها في "بازار" المبادرات وأصبحت السفارات "فلاتر" لتحديد هويتها" وسيتبعون أساليبه للسيطرة على مقدرات البلاد، وسيقودونها إلى عهد من الصراعات اقسى وأمر مما في عهد صالح، فالقتلة الايديولوجيون هم أسوأ القتلة .
( الاخوانيون ) يريدون الوصول إلى تسوية سياسية مع حزب المؤتمر لترتيب أوضاع ما بعد صالح، حيث يأملون أن تمكنهم سيطرة المشايخ الإصلاحيين، المستقوين بسلاح الدولة المنهوب، من حصد اغلب مقاعد البرلمان القادم، وربما إيصال مرشحهم إلى منصب الرئيس .
ثــورات الــربيــع العـربــي
أخبار متعلقة