يتبنى تنظيم القاعدة فكرا تكفيريا (وهابيا) بل يمكن القول أن التنظيم هو الجناح الارهابي للوهابية، ولم اقل العسكري، لان الوهابية تحكم اليوم دولة ودويلات لها جيوشها.
الجذور التاريخية لفكر التكفير المعاصر:
لا يربط التكفير الوهابيين والقاعدة بالخوارج الأوَلين من حيث التصورات والمناهج فحسب، أو على الأقل بالتوافق بينهم، بل طبقا للدكتور صادق سليم في مقالته الموسومة بالعنوان أعلاه: " إن المرء ليكاد أن يجزم بالتطابق، (التركيبة النفسية) ، و(طريقة التفكير ونمطيته)، التي أججت (مشاعر الانتقام العارمة)، و(النظرة السوداوية) لكل من حولهم، وجعلتهم (عناصر تخريب موقوتة)، تنتظر الانفجار في أي لحظة؛ لتخدم هدفاً ضائعاً، وسراباً بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.
صفات الخوارج بين الأمس واليوم:
كانت الخوارج أول أمرها لم تتجاوز أصولها مسائل معدودات، تتمحور حول استحلال الدماء، وتكفير مرتكب الكبيرة، لكن مع الزمن تفرّقت بهم السبل، حتى أصبحوا من الفرق الكلامية، كغيرهم من الطوائف، وأصحاب المقالات.
أصبح لهذا الفكر المنحرف مدونات مذهبية، وطروحات عقدية، تتمحور حول قضايا: تكفير المجتمعات الإسلامية؛ حُكاماً ومحكومين، واستحلال دمائهم، واعتبار ديارهم ديار حرب.
ولسنا في هذه الإلماحة، بحاجة إلى أن نعرّج على الامتداد التاريخي لفئة الخوارج، بأكثر مما هنا؛ لأنه أصبح الآن: معدوداً من مسائل (الثقافة العامة)، فالجميع قد سمع عبر وسائل الإعلام المختلفة، عن (جماعة التكفير والهجرة)، و(الناجون من النار)، و(جماعة المسلمين)، و(التوقف والتبيّن)، و (تنظيم القاعدة)، والتي تلتقي جميعها، وتتفق حول نقطة واحدة، تُعتبر في نظر الدارسين، (اجتراراً) لمنهج الخوارج الأُوَل، وتتصل به اتصالاً وثيقاً، وهي مسائل: (وجوب الخروج عن أئمة المسلمين بالسلاح)، و(نزع اليد من طاعتهم)، و(تكفيرهم)، و(عدم جواز الجهاد معهم)، و(لا الصلاة خلفهم)، و(عدم مشروعية الدعاء لهم)، وقد يتجاوز البعض منهم فيسحبون الحكم بالتكفير على (دور المسلمين) ويجعلونها دور حربٍ، مع استحلالهم لدمائهم، وأموالهم، ونسائهم. فما أشبه الليلة بالبارحة.
ففي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال: " إذا حدثتُكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، فو الله لأن أخرّ من السماء أحبّ إليّ من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم؛ فإن الحرب خدعة، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: سيخرج قومٌ في آخر الزمان، أحداث الأسنان، سُفهاء الأحلام... "
وذكر ابن حجر أن معنى أحداث: جمعُ حدثٍ-بفتحتيْن- والحدثُ: الصغير السن، وكذلك: فالمراد من الأسنان: جمعُ سنٍّ، والمراد به: العمر؛ أي: أنهم شبابٌ.
وقد ضمّوا إلى حداثة السن، سفاهةَ العقل ورداءته، وهذا دليل على فساده، وضعفه، وسوء تقديره للأمور، وفي تاريخهم الأسود البهيم، ما يجلّي هذه الحقيقة، كما في خروجهم المتكرر على الولاة، لأتفه الأسباب، وما يستتبع الخروج من سفك الدماء، وإتلاف الأموال، وفتح الجبهات على الأمة المسلمة، وإضعافها، واستنـزاف قدراتها. والوقائعُ لمن تتبعها؛ لا تُحصر.
ولكونهم بهذه الصفة من قلة العقل، وضيق الأفق، وعدم البصيرة، تجدهم ينافرون العلماء، ويحذّرون من مجالستهم، ويضيقون بهم ذرعاً، ويطلقون نحوهم الشائعات الكاذبة، والأراجيف الفاجرة، وينقلون عنهم أخباراً محرّفةً؛ مموهةً، ويجبنون عن مواجهتهم بالحجج والبراهين؛ لخوائهم عن العلم، وفاقد الشيء لا يعطيه، لكنهم اتخذوا رؤوساً جُهّالاً، خرجوا على الأمة بآراء مُليمة، غير رشيدة، ولا موّفقة.
الصفة الثانية: جهلهم بمعاني القرآن، وقلة الفقه في الدين، فتراهم مع كثر قراءة القرآن، لا يعقلونه التعقّل المطلوب، كما جاء وصفهم في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " يقرأون القرآن، لا يجاوز تراقيهم "، وفي رواية: "حلوقهم، أو حناجرهم ".
قال النووي: " معناه: أن قوماً ليس حظهم من القرآن إلا مروره على اللسان، فلا يجاوز تراقيهم ليصل إلى قلوبهم، وليس ذلك هو المطلوب، بل المطلوب تعقّله، وتدبّره، بوقوعه في القلب "
و سوء فهمهم للقرآن، هو سبب تكفيرهم لأصحاب الكبائر من المسلمين، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "...إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه؛ فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب ".
ولذلك كان من جهلهم بالقرآن، وبطرق الاستدلال به؛ أنهم حملوا الآيات التي نزلت في الكفار؛ على المسلمين، كما قال ابن عمر رضي الله عنه، يَصِفُهُم: " إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها في المؤمنين .
ومن جهلهم بأصول الشريعة ومقاصدها، اعتراض أوّلهم على الرسول صلى الله عليه وسلم، لمّا قسّم الغنائم، وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: اعدل يا رسول الله، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : " ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل ".
ومن هذا الباب ما ذكره الحافظ ابن حجر، أن أول كلمة خرجوا بها، قولهم:" لا حكم إلا لله "، حيث انتزعوها من القرآن، وحملوها على غير محملها .
وفي وقائع المناظرة التي جرتْ بينهم وبين علي رضي الله عنه، في قضية التحكيم؛ ما يكشف عن جهلهم بمعاني القرآن، وبطرائق الاستدلال، وإصابة الحق فيه، فقالوا له: انسلخت من قميص ألبسكه الله تعالى، واسم سمّاك اللهُ تعالى به، ثم انطلقتَ فحكّمْتَ في دين الله، فلا حكم إلا لله تعالى.
فلما بلغ علياً ما عتبوا عليه، وفارقوه عليه، فأمر مؤذّناً فأذّن: أن لا يدخل على أمير المؤمنين إلا رجلٌ قد حمل القرآن، فلما امتلأت الدار من قرّاء الناس، دعا بمصحف إمام عظيم، فوضعه بين يديه، فجعل يقلّبه بيده، ويقول: أيها المصحف حدّث الناس! فناداه الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين ما تسأله عنه، إنما هو مداد وورق، ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد؟ قال: أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله عز وجل، يقول الله في كتابه في امرأة ورجل : {فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما} (النساء: 35) ، فأُمّة محمد صلى الله عليه وسلم، أعظم دماً وحُرمة من امرأة ورجل.
ونقموا عليّ أن كاتبتُ معاوية: كتبَ عليُّ بن أبي طالب. وقد جاءنا سُهيل بن عمرو، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالحديبية، حين صالح قومه قريشاً، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل: لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: كيف نكتب؟ فقال: اكتبْ: باسمك اللهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاكتب محمد رسول الله، فقال: لو أعلم أنك رسول الله، لم أخالفك. فكتب: هذا ما صالح محمد بن عبد الله قريشاً.
يقول الله تعالى في كتابه:{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}(الأحزاب:21)..."
وفي تعليق الحافظ ابن كثير الآتي، شهادته عليهم بالجهل، والشقاء، والضلال، وتعجبه من أفعالهم. قال: "وهذا الضرب من الناس، من أغرب أشكال بني آدم! فسبحان من نوّع خَلْقه كما أراد، وسبق في قدَره ذلك، وما أحسن ما قال بعض السلف في الخوارج: إنهم المذكورون في قوله تعالى:{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا * أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً}(الكهف:105-103) .
ولعلّ الذين يتابعون مجرى التحقيقات مع المقبوض عليهم، من خوارج اليوم، وما أدلوا به من اعترافات، يلحظ فيها: حرص القادة على ضرب طوق من العزلة العلمية على أتباعهم، وحظرهم من الإصغاء للعلماء، أو قراءة مؤلفاتهم، وبخاصة ما له ارتباط بكشف عوارهم وتعرية ضلالاتهم، وتشديدهم أشد التشديد، في إحكام سياج الحظر الفكري هذا؛ وذلك اعترافٌ ضمني بالفراغ العلمي، والجهل الذي يرزحون فيه، وإنما يجرّعون المخدوعين بهم: الشُّـبَهَ، وزخرف القول غروراً.
واجتهاد الخوارج في العبادة، مع ضلاهم، أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله في وصفه إياهم: «يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء ».
فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لما أراد قتال أهل الشام، أشار عليه الناس أن يبدأ بقتال الخوارج، فإذا انتهى من قتالهم، تفرغ بعدها لقتال أهل الشام. وقد كان هذا رأياً صائباً؛ لما ظهر من أمر الخوارج من الفساد العظيم الذي أحدثوه.
قال الحافظ ابن كثير: " فاجتمع الرأي على هذا، وفيه خيرة عظيمة لهم، ولأهل الشام؛ إذ لو قوي هؤلاء، لأفسدوا الأرض كلّها: عراقاً، وشاماً، ولم يتركوا طفلاً، ولا طفلة، ولا رجلاً، ولا امرأة؛ لأن الناس عندهم قد فسدوا فساداً لا يصلحهم إلاّ القتل جملةً ".
وفي عصرنا هذا عرضت وسائل الإعلام المحلية والعالمية، ما يقوم به ما يُسمّى بـ(تنظيم القاعدة)، وروافده في العالم الإسلامي، من أعمال القتل، وسفك دماء من لا ناقة لهم ولا جمل، واستخفافهم بأرواح الآلاف من أهل الإسلام، وكأنهم أهون عليهم من الذباب!!.
أين في الإسلام الآيات والأحاديث التي جاءت بتعظيم شأن الدماء، وهي مما يحفظها الصبيان في المكاتب؟!
يدعي بعضهم في جواز عملياتهم بمسألة التترس، وقد أبعدوا الاستدلال والنجعة في إصابتهم.
فمسألة التترس التي تكلم عليها العلماء صورتها أن يتترس الكفار ببعض المسلمين ويجعلوهم كالترس لينكأوا في المسلمين، فاتّفق الفقهاء على أنّه يجوز رمي الكفّار إذا تترّسوا بالمسلمين وأساراهم أثناء القتال أو حصارهم من قبل المسلمين، إذا دعت الضّرورة القصوىإلى ذلك، بأن كان في الكفّ عن قتالهم انهزام للمسلمين ، والخوف على استئصال الإسلام.
فأين هذه الصورة التي ذكرها علماء الأمة الثقات فيما يفعله هؤلاء الغلاة.
هل أصبح اغتيال المسلمين وتفجير مبانيهم فوق رؤوسهم والغدر بهم وقتل المعاهدين والمستأمنين تترساً، أين عقولكم وأفهامكم؟!!!
ألا ساء ما تحكمون".ش
ما تيسر عن الإرهاب والوهابية
أخبار متعلقة