ان الحقيقة المرة التي فرضت علينا في ظل هذه الأوضاع المعقدة والمأزومة والانفلات هي دخول الأحزاب والجماعات والمليشيات المسلحة بدعم ومساندة نفوذ القوى العسكرية والقبلية على خط حياتنا المدنية التي عشناها ردحا من الزمن وأصبحت مرتبطة بعاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا الموروثة منذ ان كانت بريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس تحتل الجزء الجنوبي من الوطن اليمني العزيز ونشرت بعض من ثقافتها الإنسانية المدنية المرتبطة بالحياة العامة في مختلف الأنشطة الإدارية والمالية والثقافية والإعلامية، ونشر الوعي الصحي والتعليمي والمروري الذي ضبط ونظم حركة سير الناس والسيارات وتداخلت العلاقات الاجتماعية الإنسانية بين عناصر التكوين الاجتماعي في مدينة عدن التي أصبحت من المدن العربية المدنية الراقية المنفتحة على العالم الخارجي وقد استمدت منه كل شيء جميل عبر الانتقال إلى الخارج طلبا للعلم والثقافة، ومع قدوم السفن الأجنبية إلى الميناء العالمي (ميناء عدن) الذي اشتهرت به مدينة عدن كأفضل وأحسن ميناء على طريق التجارة والملاحة الدولية العالمية لما يتميز به من خصوصيات جغرافية وموقع استراتيجي مهم على الخارطة الجيوسياسية. لهذا أصبحت عدن غير وفي طليعة المدن العربية ان لم اقل على مستوى العالم.
فعدن حاضنة للثقافات والحضارات والأديان المختلفة وفيها العيش المشترك والتعايش السلمي على مر السنوات الماضية من التاريخ والجغرافية والتراث الإنساني العالمي حيث تجذر فيها الأدب والشعر والموروثات الثقافية الحضارية وفنون العمارة كما هي في مدرجات جبل شمسان وصهاريج بستان الطويلة وقلعة صيرة الشامخة قبالة البحر العربي وسواحل أبين وفي الغدير وفقم وعمران والخيسة في مدينة البريقة حيث شعلة مصافي عدن مشتعلة.
هناك الكثير من العادات والتقاليد والموروث الثقافي الحضاري المدني التي كانت السمة السائدة في المدينة عدن وبين ابنائها وقد أثارت غضب البعض ممن لا يمتون بأي صلة لا من قريب او من بعيد بالحياة المدنية والتطور والحداثة والانفتاح والقبول بالآخر والعيش المشترك والسلمي معه، هؤلاء لا يزالون في العصور القديمة يعيشون في الكهوف ويعتمدون على منطق القوة والعنف والإرهاب، والقوي فيهم يأكل الضعيف من أجل استمرارية وديمومة بقائه.
وعلى حين غرة انتشرت بعض أفكار غريبة وأناس غرباء عن الحياة المدنية وفي نفوسهم وقلوبهم الكثير من الحقد والكراهية ويثيرون الفتن والصراعات السياسية والطائفية والمذهبية والقبلية والمناطقية، يحملون مختلف أنواع الأسلحة المعمرة بالطلقات النارية القاتلة وعلى أي مشكلة او خلاف يطلقون من أسلحتهم رصاصات الموت تقتل وتصيب الأبرياء من الناس شبابا وأطفالا ونساء يكونون ضحايا من دون أي ذنب وتتعالى الأصوات متسائلة بأي ذنب قتلت؟ ورغم كثرة السؤال وتشكيل اللجان من أجل التحقيق لكشف ومعرفة الأسباب والدوافع ونشر الحقائق ولكن لا نجد أي إجابات واضحة وصريحة وفي الغالب تقيد الجرائم ضد مجهول رغم اننا بصدد الحديث الذي ينصب حول بناء اليمن الجديد ودولة النظام والقانون.
وعندما نتطلع في وجوه العامة من الناس نلاحظ علامات الدهشة والاستغراب وهم يتساءلون أين نحن؟ وما الذي يحدث؟! هل عدنا الى حياة وقانون الغاب؟ ولا يسعفنا العقل لاستيعاب هكذا أحداث وجرائم واعتداءات ومناظر فيها جثت مرمية في الشوارع والساحات ودماء استنزفت في الطرقات وأسلحة نارية قاتلة تهرب إلى داخل المدينة ومليشيات وجماعات مسلحة من هم؟ ولماذا كل هذا السلاح والانتشار المسلح والعنف والإرهاب؟!.
ومع هذا وذاك يظل الأمل والثقة كبيرة بكل من يهمهم الشأن الوطني الداخلي وقضايا الأمن والاستقرار والسكينة العامة والمكانة الرفيعة لمدنية المدينة والخصوصيات المحفورة في الذاكرة الإنسانية والضمير والوجدان.. لهذا نقولها في السر والعلن وبالفم المليان لا عليك يا عدن مادام أبناؤك وكل الوطنيين والأحرار الشرفاء في هذا الوطن يكنون لك كل الحب والوفاء والعرفان.
والله من وراء القصد.
عدن منارة وثقافة وحضارة
أخبار متعلقة