ما يجري اليوم في مدينة تعز “ عاصمة اليمن الثقافية “ والقلب النابض للثورة الشبابية السلمية أصحاب العزيمة الوطنية التي لا تلين لتحقيق التغيير الحقيقي والجوهري المنشود, لهو جدير بتسليط الضوء عليه وعلى أبعاده وأطرافه وخفاياه وأهدافه ووضع القيادة السياسية ممثلة بالأخ المناضل الوحدوي الجسور عبد ربه منصور هادي أمام جملة الممارسات الخطيرة التي جعلت مدينة تعز تعيش حالة مفجعة من الانفلات الأمني لتصبح اليوم بجميع مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية تحت رحمة عصابات مسلحة معظمها جاءت من خارج المحافظة لتعيث في الأرض فساداً وتقتيلاً ونهباً وترويعاً للمواطنين العزل دعاة المدنية الحديثة.
تعز يافخامة الرئيس ليست غريبة عنكم, ويعرف مواقف أبنائها كل مناضلي الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر من شمال الشمال وحتى جنوب الجنوب, وقدمت في سبيل انتصار الإرادة اليمنية في الثورة والجمهورية والاستقلال تضحيات كبيرة, وكانت هذه المحافظة دوماً في طليعة نضالات شعبنا وحقه في العيش الكريم على تراب وطنه الطاهر, يعيش بحرية وأمن وآمان لبناء غده المشرق.
فخامة الرئيس أبناء هذه المحافظة المنتشرون في عموم اليمن وخارجه عندما ضاق بهم الحال ولحق بهم الظلم وطغى عليهم الاستبداد وطالهم التهميش والإقصى, ونال منهم الفقر والجوع الذي شمل مختلف شرائح الشعب وفئاته من قبل جهابذة فساد النظام السابق الذين بممارساتهم تلك أوصلوا الناس إلى قناعة كاملة فحواها أن لا جدوى من استمرار نظام يعبث بالشعب وثرواته ومقدراته وأن الثورة ضده أصبحت ليس فقط واجباً وطنياً ودينياً وأخلاقياً, بل في مقدمة الواجبات الإنسانية التي تضمنتها مواثيق الأمم المتحدة, وتقدم شباب هذه المحافظة الصفوف في مختلف ساحات الحرية وميادين التغيير من المهرة حتى صعدة.. وساندهم شعبهم وكل ثائريه الأحرار, وكان لانتشارهم ألملاييني في الداخل تأثيراً ايجابياً على مسار التغيير والتجديد.
إن كل أبناء محافظة تعز خرجوا يوم الـ 21 من فبراير 2012م ليقولوا لكم عبر صناديق الاقتراع نعم, هم لا يمنون اليوم عليكم بذلك إطلاقاً بل فقط يطلعونكم على ما يجري حالياً في مدينة تعز بسبب الانفلات الأمني المصطنع , وما سيحدث جراء هذا الإهمال المتعمد من قبل الأجهزة الأمنية ممثلة بوزارة الداخلية ومن قيادة المحور الجنوبي ووحداته العسكرية والصمت المطبق للجنة العسكرية لتحقيق الأمن والاستقرار التي تترأسونها , والتي يقتضي الواجب الوطني منها النزول إلى مدينة تعز والاطلاع عن كثب على حقيقة ما يحصل في المحافظة, ووقف المليشيات الحزبية المسلحة والعصابات الإجرامية التي تعيث بمحافظة تعز فساداً وقتلاً ونهباً وخراباً ودماراً والتصدي لها ولمن يقف وراءها ويدعمها بالمال والسلاح, ووقف تلك الجرائم بحق أبناء تعز التي يذهب ضحيتها أبرياء لا ذنب لهم سواء أنهم قالوا نعم للثورة نعم للتغيير السلمي , ولم يحملوا يوماً قطعة سلاح رغم أن القانون يجيز لهم ذلك في حالة الدفاع عن النفس وفي أوقات كهذه, ولكن كان وسيبقى أبناء هذه المحافظة سلاحهم الأقوى والأكثر تأثيراً النضال السلمي ومقارعة الحجة بالحجة والكلمة بالكلمة, وهذا لا يعني أنهم لا يجيدون استخدام البنادق أو يخافون من الرصاص والقذائف الصاروخية, لا , فنضالهم وفق هكذا منطق توقف أواخر عام 68م بعد أن انتصروا لثورتهم في ملحمة السبعين يوماً المجيدة, كما انتصروا ضد المستعمر الغاصب في جنوب الوطن, ولهم في سجل تاريخ اليمن الحقيقي والمعاصر صفحات مشرقة, تعرفونها بكل تأكيد كما يعرفها كل المناضلين الشرفاء وفي مقدمتهم الرئيس السابق لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية المناضل علي ناصر محمد.
إن حقيقة ما يجري في تعز يافخامة الرئيس هو صورة مصغرة لما جرى في الوطن عموماً.. أجنحة الصراع نفسها التي أوصلت اليمن إلى هاوية كارثة مدمرة عام 2011م , تتواجد اليوم في “ تعز “ بأشكال وأقنعة جديدة ولكن بنفس المضمون السابق.. هذه المرة طرفي هذا الصراع يجمعهم هدف واحد بدرجة رئيسية دون اتفاق مسبق ويختلفون في الهدف الثاني .. فالدرجة الأساسية وبشكل دقيق أجمعا الطرفان على الانتقام من أبناء هذه المحافظة الذين ثاروا ضد النظام السابق وأسقطوه فعلاً, وعلى إخماد صوتهم المدوي في التغيير والوصول إلى دولة مدنية يتساوى في ظلها كل اليمنيين.. أما الهدف الاستراتيجي الثاني لطرفي الصراع فكل طرف منهما يسعى بشتى الوسائل للسيطرة ليس على مدينة تعز فحسب, بل على المحافظة برمتها باعتبارها الجهة الضامنة لفوز أي طرف على الآخر في الانتخابات القادمة.
من هذا المنظور يا فخامة الرئيس كل القوى التقليدية في الجناحين المتصارعين على السلطة.. المتحاورين في مؤتمر الحوار ينطلقون من هذا المفهوم, في الانتقام وإعادة تأزيم الأوضاع في البلد من نفس المكان الذي أشعل جذوة التغيير, ويرون أن مستقبلهم السياسي مرهوناً أيضاً بنتائج الانتخابات القادمة وبالسيطرة على تعز.
وفي هذا السياق يافخامة الرئيس تجدهم ومن تعز يستهدفون أيضاً التسوية السياسية برمتها, وهذا ما يمكن إدراكه واستيعاب خفايا مفرداته من خلال الممارسات والأعمال التخريبية سواء في تعز , أو بعض المحافظات الجنوبية أو في مأرب من استهداف لخطوط الطاقة الكهربائية وتفجير أنابيب النفط,أو في الحديدة ورداع أو غيرها من مناطق اليمن.. إن شعبنا اليمني العظيم يافخامة الرئيس لم يعد كما كان في الماضي غير مدرك بفعل التضليل الإعلامي الذي مورس عليه,فقد أصبح اليوم مدركاً وواعياً بأن هناك قوى سياسية واجتماعية مدعومة إقليمياً تعمل بشتى الوسائل لإعاقة مشروع الدولة المدنية التي يتطلع إليها اليمنيون, لأن هذه القوى ومن يقف خلفها ترى في الدولة المنشودة والحكم الرشيد نهاية محتومة وخطراً حقيقياً لوجودها ونفوذها, لذلك كله فإن الصراع القائم الآن هو صراع بين قوى المدنية والتحديث وقوى التخلف المتشبثة بالماضي والتي لا تستطيع العيش في ظل دولة قوية ذات سيادة وقانون يطبق على الجميع دون تمييز, ومن هذا المنظور الذي لم يعد خافياً على أحد نقول إن ما يدور في تعز ليس صراعاً بين المحافظ الأستاذ شوقي هائل وبين مجاميع الإصلاح, بل هو صراع سياسي في قلب وسط اليمن, قابل للانتشار جنوباً وشمالاً إذا ما رأت الأطراف المتصارعة بأن العودة لسلطة القبيلة قد حانت ولكن بأشكال جديدة ضامنة وقف عجلة التغيير وإبقاء اليمن في دوامة الصراعات والحروب المدمرة والارتهان للخارج.. إذاً فالواجب الوطني يحتم عليكم يا فخامة الرئيس الإسراع باتخاذ التدابير العملية والعاجلة وفي مقدمتها استعادة الأمن والاستقرار لمحافظة تعز لأن في ذلك تكمن مصلحة اليمن كله.. وقادم الأيام سيكشف لكم ولرعاة المبادرة الخليجية الإفرازات السلبية لما يعتمل في سياق “ نظرية المؤامرة “ بدءاً من هذه المحافظة التي كانت وستبقى قبلة الثائرين ضد الظلم والجهل والتخلف والحروب والصراعات الدموية..فتدارك الأمر يا فخامة الرئيس قبل فوات الأوان , ونصدقك القول أن هذا هو الواقع , وما يصل إليك ربما يكون بعيداً عنه, والله من وراء القصد..!!
لماذا “تعز” يا فخامة الرئيس؟!
أخبار متعلقة