هل أصبحت القضية الفلسطينية في وضع أفضل مما كانت عليه قبل هبوب رياح التغيير في العالم العربي؟ وهل أحدث وصول جماعة الإخوان المسلمين للسلطة في مصر نقلة نوعية في العلاقات المصرية- الفلسطينية يمكن استثمارها إيجابيا لصالح القضية الفلسطينية؟ تلك أسئلة يتعين أن نطرحها وأن نبحث لها عن إجابة دقيقة تسهم في تبديد اللغط الدائر حاليا حول حقيقة العلاقة بين النظام الحاكم في مصر وحركة «حماس».
غير أن الإجابة عن هذه الأسئلة لن تكون أمرا سهلا ما لم نسلم بمجموعة من الحقائق الأساسية التي تحكم علاقة مصر بالقضية الفلسطينية، من ناحية، وبأصحاب هذه القضية، من ناحية أخرى. فإذا كانت القضية الفلسطينية بالنسبة للشعب الفلسطيني هى «قضية وجود»، نظرا لأنها تتعلق بأرض مسلوبة وبشعب مشرد، فإنها بالنسبة للشعب المصري «قضية أمن»، نظرا لما يمثله قيام دولة يهودية قوية على حدوده الشرقية من تهديد مباشر لأمنه الوطنى، خصوصا إذا كانت هذه الدولة تمتلك السلاح النووي. ولأن التسوية العادلة لهذه القضية لا يمكن أن تتحقق، من منظور الشعب الفلسطيني، إلا بعودة حقوقه المغتصبة كاملة، ومن منظور الشعب المصري إلا بإزالة كل ما يشكل تهديدا لأمنه الوطني، فمن الطبيعى أن يؤدى استمرار القضية دون حل إلى وجود منطقة مصالح مشتركة دائمة بين الشعبين المصري والفلسطيني، تتسع أو تضيق بحسب رؤية صناع القرار في كلا الجانبين لمصالحهما الوطنية. وفي هذا السياق وحده يمكن فهم طبيعة الدور الذى لعبته مصر في تحديد مسار الصراع العربي- الإسرائيلى والمحاولات الرامية لتسويته، سلما أو حربا، والتي مرت بمراحل ثلاث يمكن تحديدها على النحو التالي:
الأولى: مرحلة الصدام العسكري بين جيوش نظامية، وفيها خاضت مصر جميع الحروب التي وقعت مع إسرائيل، إما منفردة: كما حدث في حرب 1956، وفي حرب الاستنزاف (1968 - 1970)، أو بالاشتراك مع آخرين: كما حدث في حروب 1948 و1967 و1973، التي اعتبرها السادات آخر الحروب. ويلاحظ هنا أن هذه الحروب جرت تحت راية مختلف النظم الحاكمة في مصر قبل وبعد ثورة يوليو، مما يقوم في حد ذاته دليلا على أن القضية الفلسطينية هي قضية مصرية تتعلق بالأمن الوطني.
الثانية: مرحلة البحث عن تسوية سلمية للصراع عقب حرب 1973، وفيها أخذت مصر الساداتية زمام المبادرة، ولكن دون تشاور مسبق مع الدول العربية المجاورة أو حتى مع منظمة التحرير الفلسطينية. فأقدمت على إبرام معاهدة سلام منفردة مع إسرائيل (1979)، ولم تنخرط فيها دول عربية أخرى رسميا إلا بعد خروج العراق من معادلة الصراع مع إسرائيل، عقب استدراجه لغزو الكويت، وانعقاد مؤتمر مدريد. وقد شهدت هذه المرحلة إبرام اتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية (أوسلو 1994)، ثم تبعه اتفاق مع الأردن (وادي عربة 1995).
والثالثة: مرحلة العودة إلى الصدام العسكري بعد فشل محاولات التسوية، ولكن في مواجهة حركات المقاومة المسلحة، وفيها شنت إسرائيل حربا على لبنان صيف عام 2006، لتصفية حزب الله. ثم شنت حربا أخرى على غزة، نهاية عام 2008 وبداية عام 2009، لتصفية حماس. ولأن العالم العربي انقسم على نفسه في هذه المرحلة إلى معسكرين: أحدهما داعم للمقاومة المسلحة والآخر رافض لها، فقد وقفت مصر في زمن مبارك، ولأول مرة في تاريخها، إلى جانب المعسكر الرافض للمقاومة المسلحة والمؤيد ضمنا لإسرائيل. ولأن النظام القديم في مصر كان بمثابة «كنز استراتيجي» لإسرائيل فقد كان من الطبيعي أن تشعر هذه الدولة بالقلق وأن تسعى لاختبار نوايا النظام الذي حل محله، الذي تدرك أن حركة حماس ترتبط به فكريا وتنظيميا وتعد امتدادا له. لذا فما إن تولى الدكتور مرسي زمام السلطة كرئيس جديد للدولة المصرية حتى قامت إسرائيل بشن حرب جديدة على قطاع غزة، لكنها سرعان ما تبينت أن النظام الجديد يستطيع، وربما يرغب، في أداء نفس الوظائف التي كان يقوم بها نظام مبارك، ربما بدرجة أكثر كفاءة، وأن بوسع إسرائيل تجيير العلاقة الخاصة التي تربطه بحماس لصالحها. فقد نجح النظام الجديد، وبسرعة فائقة، في إقناع حماس بضرورة وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة في مقابل تخفيف الحصار، وهو أقصى ما كانت تطمح إليه إسرائيل. وفي سياق هذه العلاقة الجديدة التي بدأت تنسج بين النظام الجديد في مصر، من ناحية، وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، من ناحية أخرى، راحت قطاعات متزايدة من الشعب المصري تكتشف بوضوح تام أن حرص كل من جماعة الإخوان المسلمين وجماعة حماس على الانفراد بالسلطة والهيمنة عليها يفوق حرصهما على العمل على تحقيق أهداف الثورة في مصر أو أهداف المقاومة في فلسطين. وعندما راح التوتر يتصاعد في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، كان من الطبيعي أن ينعكس سلبا على العلاقة مع حماس أيضا.
حماس والإخوان والقضية الفلسطينية
أخبار متعلقة