الأمر المحزن أن واقع اليوم صار مرهوناً بأيدٍ ترى في الدولة المدنية الحديثة المنشودة كابوساً يهدد بقاء نفوذها وهيمنتها على الساحة السياسية وحتى الاقتصادية, لذا فهي لا تتوانى من بث الشقاق وعقد التحالفات مع من يلتقي مع أهدافها وإن كان ألد أعدائها في الماضي القريب والبعيد, وهو أمر بديهي إذا ما علمنا أن السياسة لا تعرف غير المصالح وتتحرك أدواتها وفقاً لمعطيات المرحلة, ولكل مرحلة تحالفاتها وأدواتها, لكن من غير البديهي أن تذهب القوى إلى الإضرار بأمن واستقرار وطنها غير مبالية بالنتائج الوخيمة التي ستفضي إليها تلك الممارسات التي لا تتصل بالفعل الإنساني الخلاق أو بالفطرة الإنسانية التي خلق الله عزَّ وجل عليها الإنسان, كون الإنسان الطبيعي نجده تواقاً للاستقرار والوحدة والسلام, وليس للتخريب والانقسام والحروب, وهؤلاء الذين يحاولن تفتيت البلد وتجزئته, لا يدركون النتيجة النهائية لمحاولتهم وهي نتيجة مأساوية لن تأتي إلاَّ بصراعات وفوضى عارمة لهم ولمستقبل أبنائهم ولكل من يعيش على الأرض اليمنية, خاصة وأن المعطيات السياسية الدولية الصراعية هي اليوم من تحدد وتسعى وتجني المصالح, ولذا فمن المنطق التصدي قدر الإمكان لهذه السياسة المصلحية حتى لا نتحول جميعاً إلى حطب نشتعل لندفئ الآخرين.
لا ينكر أحد أن المشهد السياسي اليمني معقد إلى حد ما ويتسم بعدم وضوح الرؤى السياسية الجادة وبروز بدلاً عنها رؤى ضيقة ومشاريع قزمية مرهونة بأطراف داخلية وخارجية وجدت الملعب مفتوحاً أمامها لتنطلق بأدواتها إلى الفوضى واللعب على أوراق التناقضات والتطرف والتهديد بالعنف المسلح والإرهاب, وعلينا أمام تلك المواقف استيعاب الفرص المتاحة لإيقاف مثل تلك المشاريع الفوضوية, ومن تلك الفرص الهامة التي نجاحها يمثل جسر عبورنا إلى بر الأمان مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي انطلقت فعاليته وتتواصل بصورة معززة لتفاؤل أبناء هذا الوطن البسطاء,الذي ينظرون إليه رغم مصاحبة تفاؤلهم قدراً من التشاؤم ترجع إلى عدم ملموسية زحزحة الأوضاع والقضايا باتجاه يؤكد أن الحوار قد فتح بوابة الخروج من عنق الزجاجة وإفشال المؤامرات التي تحاك ضد نجاح وتقدم اليمن صوب بناء دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية المدنية الحديثة والمستقرة.
ورغم تباين الرؤى والمواقف للأطراف المعنية بمؤتمر الحوار إلاَّ أنها في مجملها واقعية وموضوعية بالنظر إلى موروث الفساد والمظالم المتراكمة التي طالت كل شيء في هذا البلد وما صاحبها من ممارسات التهميش والإقصاء الذي أستمر عقود من الزمن, والتي لم تكن ذات طابع خاص وفردي, وإنما ظاهرة عامة كادت أن توصلنا إلى كارثة , والمطلوب الآن وعلى طاولة الحوار الاعتراف بها كقضايا واقعية وحقيقية بعيداً عن المزايدات والمكايدات والابتزاز, وكل هذا لا يتناسب مع جدية إيجاد الحلول والمعالجات التي تتجاوز بنا الظروف والأوضاع الصعبة التي عشنها ومازلنا نعيشها,وبما يؤدي إلى إحداث التغيير الإيجابي الذي يؤسس لبناء يمن جديد يعبر عن تطلعات اليمنيين في العدالة الاجتماعية المحققة لشراكة صحيحة في السلطة والثروة نابعة من صيغة جديدة للنظام السياسي تلبي استحقاقات بلوغ هذه الغايات وتجسد الحكم الرشيد المستجيب فعلاً لمصالح أبناء اليمن شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً وحيثما كانوا فهل نعي ما يجري على أرضنا وننتقل بحوارنا وأطروحاتنا إلى آفاق رحبة ملؤها التفاهم البناء الذي ينقلنا إلى مستقبل آمن ومزدهر طال انتظاره.
بوابة الخروج من عنق الزجاجة
أخبار متعلقة