مع الاقتراب من اليوبيل الذهبي لأي حدث، يبتهج الناس وتنتشر الأضواء ويعم الفرح مختلف أرجاء المدن صاحبة ذلك الحدث، صحيفة (14 أكتوبر) في عيدها ما قبل اليوبيل الذهبي في بلاد السعيدة نحرص أن نطبع شيئاً من البهجة على الوجوه غير أنها تختلط بمسحات الحزن التي تلازم الوجوه نتيجة للحال الذي لازم الكتابة، لدى البعض وأفرغها من الكلمة الحقة والحب باعتبارهما شريكين أزليين في صناعة الحياة والفرح معاً، غير أن الحلم باق وهو ما تبقى للكلمة من رصيد يغذي فيها بعض نبضها وان كان لم يعد يغري الثقافة في شيء ولا المثاقفة في ذلك الذي كان يزود الساحة الثقافية والأدبية والسياسية، وكما هو حال صحيفة الرابع عشر من أكتوبر التي حملت لواء المثاقفة وأسست نهجاً لقرائها الكرام امتد على مدى نصف القرن، خاضت معه غمار تحدي كل أشكال التخلف ووسعت مساحة الثقافة في مختلف الاتجاهات أدباً وشعراً، فناً، مسرحاً وفكراً، وكانت رائدة في أضوائها لتلك الوجبات الدسمة وفي تقديمها إلى قرائها الإجلاء. ذلك لأن صحيفة الرابع عشر من أكتوبر تأتي في اسمها قريناً لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة ضد الاستعمار الغاشم وتنتهي بجلائه من عدن الحبيبة، عدن التي كان يربطها عقد كاثوليكي مع الثقافة والأدب والفنون، وهي في الوقت نفسه الحاضنة للحركة الوطنية اليمنية.
هذا العقد المقدس بين عدن والثقافة جعل صحيفة الرابع عشر من أكتوبر تتصدر المشهد الثقافي والفني وحمل القائمين عليها بإمكانياتها المتواضعة عبء هذا التحدي الذي اعتمد على همة الجيل السابق لإدارة الصحيفة والأجيال اللاحقة التي حملت نفس الهم ان لم يكن أكثر تحدياً، وهم كذلك من نشر روائح مواقد البخور لإذكاء نسمات الكون في شاطئ العشاق وجعلها فواحة بكل أثير النرجس والفل اللحجي الأخاذ.
في عيدها الخامس والأربعين بذلاً وعطاء لها المجد والفخار لأنها كذلك كانت مدرسة احتضنت وأمسكت بالعديد من الأنامل تعينها على مشوارها الطويل في مهنتها غير المريحة، أو مهنة المتاعب كما يليق للبعض أن يطلق عليها، كما جسدت الصحيفة مواقفها المبدئية تجاه الحداثة والمعاصرة وكشفت قناع الزيف للوعي وللدعاوى التي تدعي المدنية وتعاطت معها العديد من الأقلام والعديد من الصحف، وكانت لهما بالمرصاد، ذلك لأن عدن هي التاريخ الجميل للعديد من الأفكار الجميلة وهي متوحدة مع المعاصرة ومع الكلمة النبض...، النسيم...، الصباحات التي تنضح بخوراً وفلاً، وصحيفة الرابع عشر من أكتوبر لم تكن سوى نفحات من ذلك النبض وهي تتنسم شذى العديد من الأقلام التي رافقتها على مدى نصف القرن، وأفصحت عن وجهها وخط سيرها المنحاز إلى صف الحياة المدنية والمشاهد الثقافية الإنسانية والحقوق للمغلوبين ولكون عدن هي الحاضنة للعديد من الثقافات جميعها تتعايش في تسامح وروحانية منقطعة النظير، وهما- أقصد عدن والصحيفة- متوحدتان مع البحرين، العربي والأحمر، وهم جميعاً يمدون بعضهم بالمروءة والجمال والعاطفة الجياشة، والمساءات الناطقة بالعشق، والمليئة بالحنان، ولسوف تظل الصحيفة والأجيال اللاحقة في تناوب على إدارتها سيظلون مقاومين للزمان مفصحين عما يعتمل في دواخله من حكايات ومن سياسات ومن أفكار ورؤى تضيف إلى المشهد الثقافي مشاهد عديدة تتعلق بالإبداعات وتنقل أبناء السعيدة إلى مواقع متقدمة في مختلف جوانب حياتهم، خاصة الثقافية، ذلك أن ابن السعيدة وعلى مدى عقود قد همش في بنائه الثقافي وفي مسألة التشكيل المعرفي لديه وكذا الفني والوجداني نتيجة لسطو حدث على هذين التشكيلين في مناهج التربية بشكل طال الأجيال في عدم التكوين والمقاربة للتكوينات الجمالية، فخلو المناهج من الأنشطة الموسيقية ومن الأنشطة الرياضية ومن الأنشطة المسرحية، وكذا من مواد الفلسفة ومواد الرسم،كل ذلك قد صحر الوجدانيات واجدب المنابع.
وإن كانت هناك بعض الصحف تحاول أن تواجه مثل هذه التحديات ويقع في صدارتها صحيفة الرابع عشر من أكتوبر التي نحتفي معها اليوم بذكرى مرور أكثر من أربعة عقود من الزمان على البدايات، تلك البدايات التي هندستها الأفكار والرؤى في اتجاه الحلم الآسر الذي اتكأ على الثورة في الأزمنة الصعبة وحمل الحياة المدنية بكل تلابيبها لتتجسد في العلاقات وفي التسامح وفي المعايشة لأنواع الثقافات التي تواردت على الأم الرؤوم عدن.
ونحن نناجي أمنا الحبيبة عدن ومعها صحيفة الرابع عشر من أكتوبر لنهمس في أذن أمنا الحنونة أن تظل على ذلك اللقاء المعهود فيها وأن تقاوم بعض تلك الأزمنة الغابرة المليئة بالحقد والكراهية، وأن تبقى متوحدة مع السيمفونية الرائعة التي تطلق بين حين وآخر من بحرها العربي لتدغدغ بها شواطئ الأحمر وهي بذلك ستبقى وفية للصحيفة التي يجب عليها أن تشمر السواعد لتهيئ لقاءها المفتون بصباحاتها، مفردة مملوءة بالحب واللوعة والشوق إلى الآتي بما يحمله في سلته من شجون للحياة المدنية بكل أريجها وأحلامها في حياة كريمة ووجدان مبتهج.
فإلى الدار والقائمين عليها من حين التأسيس والأقلام التي جندت نفسها من الأجيال السابقة وحتى الجيل الحالي الذي عارك الحياة مع الكلمة من خلال نبض الصحيفة، إليهم جميعاً نزف أسمى آيات التهاني والتبريكات متمنين للذين رحلوا خير الجزاء مع الأبرار والصديقين وحسن أولئك رفيقا، وللأحياء منهم عمراً مديداً على طريق التطوير والإبداع وأن ينتصروا لأحلام الوطن وناسه كونها الهاجس وهي العلاج الناجع للشيخوخة التي تراود البعض. وهي في الوقت نفسه تغفو لتستيقظ على صباحات ممطرة على وطن مل الترحال وناس ملوا السفر في متاهات الكلام.
صحيفة (14 أكتوبر) في مسيرتها النضالية والإبداعية
أخبار متعلقة