كثير هم من يتساءلون مع من أكون؟!.. وكثيراً ما أجيب: أنا لست سوى مواطنة يمنية عادية بسيطة تتمنى حين تقام الثورات على الوادي المقدس أن يحيطه النور وتضيئه عقول كالشهب وقامات كالنخيل نلتف حولها لنأكل من خيراتها رطبا فكرية وعقلية مستنيرة، لا تطمح في سلطة ولا ثروة كل ما تريده لنا هو العيش والحياة بحرية وكرامة ورؤوسنا مرفوعة لا ننحني لعواصف الظروف ولا نقتلع من جذورنا بهمجية قبل أن يأذن الله بذلك!.
بعيداً عن التهديد والوعيد والتنكيل التي تحاصرني دائما ولا ينحني رأسي إلا لخالقه، أذكر بعضاً من أدوات الاستعمار والاستحمار.. وسيلته وطرقه وآلية تنفيذه.
أولها وأهمها ميزان القوى وكما يقال قديماً القوة المفرطة مفسدة، فحين تظهر القوة المفرطة في أي نظام سواءً كان سياسياً أو اقتصادياً أو بيئياً أو اجتماعياً سرعان ما يبدأ الفساد يحل في ذلك النظام نتيجة فرض قانونها الخاص.. وهذه الفكرة قامت عليها بعض فلسفات القرن العشرين، حيث اعتبرت أن القوانين هي للأقوياء فقط وجعلت البقاء للأقوى، ومن هنا ظهرت فلسفات أخرى تحارب هذه الفكرة وتكبح جماحها كي لا تتغلغل في المجتمعات، لهذا وُضعت الدساتير في جميع البلدان للحد من تمركز القوة داخل البلدان، وهذا ما يلاحظ في الدول الديمقراطية التي ترفض نتائج انتخابات إذا فاز طرف بأغلبية ساحقة ويتم منح مهلة حتى تجتمع باقي الأحزاب ضمن كتلة معارضة بنسبة معينة يحددها الدستور..
وهذا الأمر ينطبق على فكرة اللقاء المشترك في اليمن حيث اتحدت أحزاب المعارضة لمواجهة الحزب الحاكم، وهذا الاعتبار لا يطبق في بعض الدول مثل مصر عندما تم حل الحزب الحاكم وسط معارضة بعض السياسيين الذين كانوا ينطلقون من ذلك المفهوم حول القوة..
وهذا ما عبر عنه أحد قيادات المشترك في اليمن المعارض الدكتور محمد عبدالملك المتوكل حين قال بأنه ضد حل الحزب الحاكم حتى لا ينهار ميزان القوى السياسي في اليمن، كما عارض سحب الصواريخ من قوات الحرس لما له من أثر يهدد بإضعاف القوى العسكرية في اليمن..
لم يكن يوماً الصراع الدائر في اليمن هو بين الجيش والمواطنين وإنما كان صراع القوى السياسية على السلطة والثروة ومن يمتلكها ويسيطر عليها..
من الجلي والواضح لدى الكثير من السياسيين أن الحوار الوطني يكون بين القوى السياسية الداخلية ومن وراء الشاشة تدخل القوى السياسية الخارجية.. فلا أعلم كيف تحول هذا الحوار الوطني إلى الحمار الوطني كـ(الحمار يحمل أسفارا)؟!!، فكل من لديه مشكلة خاصة أو عامة ادرجها ضمن نقاط الحوار، بينما كان الأجدر بنا أن ندرج أهم النقاط وهى “القضية الجنوبية”.. قضية ذاك الجنوب الذي كان ذات يوم وطناً ذات سيادة مستقلة بكل ما يحويه وتخلى عن سيادته من أجل توحيد اليمن وشعبه، ولكن انتهكت حقوقه وصودرت كرامته وكبرياؤه، ولم يوضع ادني اعتبار له من قبل المعتدين عليه حقوقاً وفكراً..
وكما يقال في اليمن لو كانت رجلك تحت الحجر فاسحبها ببصر.. لا نؤيد الانفصال لكن إذا كان أهون الشرين فلا بد منه حيث لا مانع منه لحفظ الكرامة وماء الوجوه وما تبقى من كبرياء شعب عريق..
وكما ضمنا إدراج “القضية الجنوبية” ضمن نقاط الحوار لا بد من إدراج “قضية صعدة” وما يحدث فيها من اختلالات طائفية ومجازر دينية، وكذا إدراج “قضية تهامة” وما يحدث فيها من نهب وسلب وأسر واعتداءات غير طبيعية للأراضي والبشر، وإدراج قضية “المرأة اليمنية” فلم يخلقها الله كعورة فقط للزواج والإنجاب ولكنها شقيقة الرجل وهي نصف المجتمع، ولا بد من إنصافها وعدم هضمها حقوقها المكفولة في الدين والدستور.. من حقها أن تثبت جدارتها إن فازت على الرجل في مختلف مجالات الحياة.. لا تجعلوا منها عدوة وتحارب بشراسة لا موجب لها، فالمرأة التي تهز بيدها اليمني هندول الطفل تهز بشمالها العالم ولنا في الماضي من النساء عبرة وخبرة..
ومن حق “الشباب” الذين خرجوا مسالمين مطالبين بحقهم المكفول قانوناً ودستوراً وشرعاً أن يدرجوا ضمن الحوار، فكثير منهم خرج بحسن نية للتغيير إلى الأفضل وإلى مستقبل أجمل، لكنهم منيوا بخيبة أمل حين لم يدركوا أن من يدير الدول هم القوى السياسية الداخلية والخارجية..
أذكر قصة جرت بين أوروبي وعربي فقال الأوروبي للعربي: ما هو طموحك؟!.. فقال العربي أطمح ان أكمل دراستي وأحصل على وظيفة جيدة وأبني بيتاً وأتزوج.. فنظر إليه الأوربي مستغرباً وقال له: ذاك حقك المكفول دستوراً وقانوناً وشرعاً فلا جدال فيه، فأين طموحك من ذلك كله؟!..
من المؤسف أن الدولة لم تجعل لنا أي طموح غير ذلك وكثير منا لم يستطيعوا تحقيق هذا الحق فقد استخدمت سياسة الإلهاء والبحث عما يسد الرمق والعيش دون الحاجة للغير.. أطلب بشدة وقوة أن يدرج حق أبنائنا في اليمن بحياة كريمة سوية فذاك حقهم وأن نتمنى ونقف بجوارهم لتحقيق طموحهم وآمالهم..
حين تتفق القوى السياسية على هذه النقاط المهمة فما بقي من فرعيات الأمور فإنها تحل مباشرة من الجهات المعنية، فلا داعي أن نحمل الحوار الوطني فوق طاقته فلا يستطيع السير والنهوض بالأمة نحو طريق النجاة والسلامة والكرامة.. فهل يعي اليمنيون ما يعنيه الحوار الوطني أم أن مأساة وطني ستظل كالثور يجر بالساقية؟!!!..
صورة مع التحية للقوى السياسية الداخلية والخارجية, واللجنة المعنية بالحوار الوطني, ولشعبي الجميل العظيم.
ميزان القوى مصالح ومطامع!
أخبار متعلقة