شعار جميل ضاع بين جملة شعارات مستوردة، تم تصديرها الينا في علب ما يسمى بالربيع العربي، فالعلم والدعوة إليه اختفى حتى ظهر علينا شعار خبيث: لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس، وبين مدلولات هذه المقولة، يمكننا ان نستنتج أي مجتمع يريده البعض من التغيير، حين قصروه على تغيير الأفراد، اما تغيير مجتمع بأسره عن طريق العلم فقد بدا انه لا يقع في خارطة التغيير المنشود.
في الاسبوع الماضي تلقيت دعوة -اساتذة كلية التربية والعلوم برداع- من قبل الاستاذ احمد حسين الوريث -مدير مدرسة جمعان المحورية- محتوى الدعوة كان مفاجأة لي، فقد اتى مدير المدرسة الى الكلية، شاكياً تدني التحصيل العلمي بين طلابه، وتأخر ترتيبهم بعد ان كانوا من اوائل الطلاب على مستوى المحافظة والوطن، مناشداً اساتذة الكلية المجيء للمدرسة، وإلقاء محاضرات لتوعيتهم بأهمية العلم، تحت شعار بالعلم نبني اليمن.
نحن بحاجة ماسة الى أن يستشعر مدراء المدارس هذا الحس العلمي، المبني على حب الوطن.. فما جرى خلال العامين المنصرمين خلط العديد من المفاهيم، حتى اصبح الملتزم بالدراسة والتدريس انساناً غير ثوري.. وكأن الثورية تعني ان اثور على العلم نفسه، ومن هنا كان لزاماً على اساتذة الجامعات النزول الميداني للمدارس لعقد محاضرات دينية، وطنية، تربوية، ثقافية، سلوكية، اجتماعية.. فدور الكادر التدريسي لا ينحصر في اطار كليته فقط، بل بالتأثير والتأثر بقضايا محيطه.
دائماً اثناء لقاءات الاخ الدكتور سيلان العرامي -رئيس جامعة البيضاء- بأعضاء هيئة التدريس ومساعديهم، اسمع منه حرصه على التأكيد بأن الطالب هو محور العملية التعليمية، وان كافة امكانيات الجامعة من كادر تدريسي ومعدات وبنية تحتية، ما وجدت إلا لكي ينتفع الطالب بالعلم النافع، الذي يجعله قادراً على الاسهام في بناء وطنه، وهو حرص ينبغي على اساتذة الجامعة تجسيده على الواقع.
وكما انا مسرور اليوم، وأنا ارى اساتذة جامعة البيضاء ومساعديهم قد اكتمل صفهم داخل جامعتهم، من اجل خدمة الطالب، وتهيئة كافة الظروف الملائمة، لزيادة تحصيله، فقد زاد سروري بإصرار الاساتذة على مضاعفة جهودهم عبر المحاضرات الإضافية، التي نتمنى من خلالها ان يواكب الطالب ما فاته من دروس.
ان الاستاذ الجامعي وجد ليلقي دروسه على طلابه، وعلى هذا يتقاضى أجراً، قد لا يكون الاعلى بين طبقات المجتمع ولكنه الأفضل -وفق سلم مرتبات موظفي الدولة- ولهذا من الحرام ان يرمي عضو هيئة التدريس بكل ما تعلمه جانباً لينافس بقوة، وبطرق مشروعة وغير مشروعة ليتخطى غيره، ويمسك بكرسي العمادة او احدى نياباتها او رئاسة القسم، متهرباً من الاعباء التدريسية التي وظف على اساسها في الجامعة، وباحثاً عن المزايا المالية لتلك الوظائف الإدارية... مع أن كلمة استاذ مساعد او مشارك او دكتور، هي افضل من كل المناصب بما فيها منصب رئيس الجامعة... فجميع تلك المسميات زائلة بكراسيها، لأنها لو دامت لغيرهم ما وصلت إليهم.. والباقي فقط هو اللقب العلمي، والتدرجات العلمية التي تحصل عليها، ضمن نشاطه البحثي.
متى يفهم عضو هيئة التدريس انه انسان فاضل له قيمته الاجتماعية، بعلمه لا باللقب المرافق للوظيفة الإدارية، فوجاهته في محيطه بأستاذيته لا بكرسيه، وبقدر تأثيره في المحيط القريب او البعيد.. لو فهم كل عضو ذلك لترفع عن الوشاية والنميمة والخداع، وإيهام بقية الاعضاء انه الاهم بحكم قربه من مصدر القرار، وانه يوزع عليهم الهبات والعطايا، ظاناً -بسذاجته- انه استطاع خداعهم، مع انه لم يستطع إلا خداع نفسه، واستمالة من تستهويهم المناصب الادارية فقط.
بالمقابل ينبغي اعطاء تلك المناصب الادارية للجديرين بها، غير الباحثين عنها، ولا الزاهدين فيها.. فالعضو الزاهد بها الذي يريد تفريغ وقته لتدريسه وأبحاثه وخدمة محيطه، يتوجب على جامعته ان تتركه يعمل في هذا الميدان ليبدع، لا أن ترغمه على الاعمال المكتبية، كالإدارات والكنترول... والمصيبة ان راغبين في المناصب ينتقون الاماكن الاكثر دسامة والأقل تعباً، ويتفننون في البحث عن ايقاع زملائهم غير الراغبين اصلاً في مناصبهم بأعمال يريدون ايقاعهم من خلالها في مخالفات، لتكون ورقة ضغط عليهم متى شاءوا.
اليمن بحاجة الى ان يدلي عضو هيئة التدريس بدلوه في القضايا المصيرية التي تهم الوطن، كالحوار الوطني، الذي هو هم الشارع بكل فئاته، فيما يكتفي الاستاذ الجامعي الحديث عنه في مقايل القات.. أين تأثير الاستاذ وتأثره بقضايا أمته؟ فالدكتوراه ليست شهادة تمنح لتعلق على الجدران بعد التوظيف بها في الجامعة، بل هي درجة انفقت الدولة فيها الكثير ليصبح حاملوها مشعلاً للتغيير لا تابعين لهذا أو ذاك.
*أستاذ مساعد بجامعة البيضاء
بالعلم نبني اليمن
أخبار متعلقة