لم تكن المستشارة الالمانية « انجيلا ميركل» واثقة يوما من نظرتها تجاه احداث اليمن مثلما بدت عليه بشان فصل اليمن الى يمنين.. وحين رأت الدهشة في وجوهنا اشارت بإصبعها للفت انظارنا الى ما كانت تبثه القناة الالمانية من مشاهد لمئات آلاف اليمنيين الجنوبيين وهم يحتفلون في عدن بذكرى التحرر من الاستعمار البريطاني، ويرفعون اعلام دولتهم التي توحدت مع دولة الشمال في 1990م.
ماتنبأت به قبل عام حول عواقب اقصاء الجنوبيين والحوثيين من الاتفاق الخليجي هو اليوم المأزق الذي تعيشه اليمن فتلك المغامرة الطائشة لم تكن كذلك للأمريكيين والأوروبيين الذين كانوا واثقين مما يجب عليهم فعله وإقناع اليمنيين به لإعادة فرض خارطة التقسيم كأمر واقع..
ومما يبدو ان مظاهرات 30 نوفمبر كانت رسالة مفهومة لدول الخليج القلقة من احداث اليمن لذلك بادرت حكوماتها الى دعوة قادة الجنوب لمفاوضات تحت سقف مجلس التعاون الخليجي.. وانا اعتقد ان الحكومات الخليجية ايقنت بان الوحدة اليمنية دخلت مرحلة الموت السريري وعليها اعادة ترتيب اوراقها مع الجنوبيين في اليمن.
فالمملكة العربية السعودية اشد المتحمسين للاحتواء المبكر للجنوب خوفا من توغل ايراني محتمل اذا ما نجح الزعيم الجنوبي «علي سالم البيض»بالعودة الى الحكم حيث تتهمه كثير من الفصائل الثورية الجنوبية بالتحالف مع ايران..!
ربما يعول اليمنيون في الشمال على المبعوث الاممي السيد جمال بن عمر في الخروج من المأزق لكن في الحقيقة ان «بن عمر» رجل مراوغ لا يبدو لي مخلصا في ادارته للملف اليمني. فالمرجح من تجاهل تقاريره لقضية الجنوب انه يحاول تأمين بعض الظروف في الشمال قبل الدفع بمجلس الامن لتمهيد انفصال الجنوب بقرار دولي لا يقر الانفصال وإنما يمنح قادة الجنوب وضعا سياسيا يؤمن لهم فرصة الاعداد الجيد لأنفسهم لإعلان الانفصال عن الشمال من واقع مفروض.
الجنوبيون في «ميونيخ» غير واثقين من قدرتهم على استعادة دولتهم بدون دعم دولي.. فهم يعتقدون ان الاسلاميين والتحالف القبلي الشمالي بقيادة مشائخ آل الاحمر لن يسمحوا بخسارة مصالحهم في الجنوب خاصة الاستثمارات النفطية التي تقاسموها مع نظام «صالح» ثمنا لأدوارهم في احتلال الجنوب بحرب صيف 1994م لذلك هم قلقون من حرب يتوقعونها وقد توعد بها فعلا الشيخ صادق الاحمر.
«وول ستيفن» الخبير الاقليمي بسياسات الجزيرة العربية انتقد في نقاش بقناة «فوكس نيوز» تعيين محافظين اسلاميين على المحافظات الجنوبية رغم معرفة الجميع بالعداء الايديولوجي بينهم وبين الجنوبيين!
وقال «ستيفن» ان الاسلاميين فقدوا نفوذهم في عدن لكنهم عادو اليها بصورة اخطر حيث تم تجنيدهم بوحدات امنية بعد رفض قادة الوحدات الرسمية توجيهات المحافظ بتنفيذ اعمال قمع واعتقالات لقادة الاحتجاجات الجنوبية واعتبر تعيين محافظين اسلاميين «خطا جسيم» جعل الدولة خصما للثوار الجنوبيين تخوض الصراع السياسي بالنيابة عن الاسلاميين وحذر من ان ذلك زاد من تمسك الجنوبيين بالانفصال لان ما يتعرضون له ينفذ باسم الدولة الحاكمة في صنعاء.
اعتقد ان تركيا والمملكة العربية السعودية انقذتا الجنوبيين من اخطر ورقة في الصراع وذلك بترحيل المئات من عناصر القاعدة وأنصار الشريعة من ابين ومدن اخرى للقتال في سوريا فقد كان متوقعا ان يتم الدفع بهذه العناصر الى عدن ومدن جنوبية اخرى لتفجير العنف فيها ونشر الخوف بين سكانها ودفعهم للتشبث بالدولة بجانب تبرير اي حشود عسكرية او اعمال قمعية او حتى استقدام مليشيات قبلية بدعوى تشكيل « لجان شعبية « مناهضة للإرهاب..!
ان مأزق اليمن يكمن في ان الجميع يرى ان العنف والفوضى الامنية يحققان طموحه وهذه الانانية مرجعها غياب المشاريع السياسية الناضجة لكون الصراع القائم صراع قوى انتهازية فاسدة تخشى ان يفسح الاستقرار الفرصة للقوى الوطنية المدنية للظهور فتزيحها بالتفاف شعبي.. لذلك من غير المتوقع نجاح مؤتمر الحوار الوطني مما يؤكد فرصة الجنوبيين في الانفصال عن الشمال المتناحر بينه البين..!
في بداية 2011م كان اليمنيون يخرجون الى الشوارع معلنين الثورة ضد نظام الرئيس صالح من اجل بناء دولة مدنية.. لكن بعد مضي عامين على عمر «الثور» استعادت جميع القوى الرجعية الانتهازية من قبائل وتيارات دينية امجادها ولم يعد للدولة قانون ولا احترام لذلك كانت السيدة «ميركل» على صواب في ان الجنوب سينفصل عن الشمال..
* باحثة ألمانية
هل ينجو اليمن من الانفصال؟
أخبار متعلقة