أحضان جبال خنفر وروابي سلسلة جبال شمسان وقمم جبال ردفان وسهول ووديان حضرموت ورمال صحارى شبوة والضالع الحرة ولحج الخضيرة، كانت المناطق الساخنة في مرحلة الكفاح والمواجهات المسلحة مع قوات الجيش البريطاني أثناء الاحتلال البريطاني للجزء الجنوبي من الوطن، ورسمت لوحة ثورية بطولية لم يهدأ لها بال منذ يوم الانطلاقة الأولى لشرارة الثورة في 14أكتوبر 1963م الخالدة في ضمير ووجدان الأمة سطر خلالها الثوار الأحرار والمناضلون الأوائل للحركة الوطنية اليمنية نموذجاً في الصمود والتضحية ومقارعة التواجد الاستعماري البريطاني بكافة صوره والتصدي لسياساته ومشاريعه الصغيرة ومحاولة التفريق وتمزيق الصفوف الشعبية وشرخ وحدة العمل السياسي الوطني الذي شكل ملحمة الوعي النضالي الوطني وقيادة مسيرة الكفاح الثوري الشعبي بكافة الوسائل والأساليب النضالية المتاحة والممكنة بما فيها خيار الكفاح المسلح، وعملت الحركة الوطنية على ترتيب وتنظيم الصفوف على أسس وقواعد منهجية منظمة ومنضبطة وسط التكوين الاجتماعي والمكونات السياسية والاجتماعية الأمر الذي وسع من دائرة الالتفاف الشعبي حول منهجية النضال الثوري الوطني وانخراط الكثير بقناعات مبدئية واعية بأهمية المشاركة الشبابية الشعبية لمواجهة السياسات الاستعمارية والتصدي لعمليات القمع والعنف المسلح الذي كان يلجأ إليه الاستعمار البريطاني في مواجهة وقمع المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية الشعبية عمالية وطلابية وتشارك فيها المرأة بشكل فاعل وإيجابي، في مواقف اذهلت القيادات البريطانية القائمة على إدارة السياسة الاستعمارية.
ومع استمرار وتصاعد الحركات الاحتجاجية الشعبية التي تزامنت مع توسع دائرة المواجهات المسلحة لثورة 14أكتوبر ونقلها إلى قلب العاصمة عدن اهتزت الأرض تحت أقدام القوات الاستعمارية وتحولت عدن إلى جحيم ثوري كبد المستعمر البريطاني الكثير من الخسائر البشرية والمادية فاهتز عرش التاج البريطاني في الامبراطورية البريطانية التي كانت لاتغيب عنها الشمس، الأمر الذي احدث لدى الإدارة البريطانية نوعاً من الإرباك لعدم توقع ما يحدث على الأرض في جنوب اليمن وقد فقد الجيش البريطاني السيطرة على الكثير من مناطق الجنوب وهاهي عدن تتحول إلى جحيم ونار حارقة فكان لابد من الإقرار بالهزيمة والبحث عما يحفظ ماء الوجه ومحاولة إيقاف نزيف الخسائر التي تتكبدها يومياً مع تزايد الضربات الثورية الموجعة والقاتلة وكان القرار الثوري باستمرار الضغط بمزيد من الضربات على القوات الاستعمارية البريطانية حيثما ما وجدت وهو الأمر الذي عجل بالإعلان البريطاني للانسحاب من الجزء الجنوبي من الوطن وتسليم السلطة للجبهة القومية بعد مباحثات جادة ومعمقة وتحديد يوم 30 نوفمبر 1967م موعداً نهائياً لخروج آخر جندي بريطاني من أرض الجزء الجنوبي من الوطن المحتل وهو اليوم الذي أعلن فيه الاستقلال الوطني وإعلان قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.
ومع ذكريات الحياة والنضال والثورة في الجزء الجنوبي من الوطن والهجرة القسرية للعيش في شمال الوطن (مدينة تعز) ابتداءً، وذكريات الحزن الشديد الذي سيطر على المناضلين الوطنيين الذين وجدوا أنفسهم بعيداً وخارج الفرحة الاحتفالية بيوم النصر والاستقلال عند الاستماع إلى إعلان الاستقلال الوطني ورفع العلم الوطني مع خروج آخر جندي بريطاني من الجزء الجنوبي من الوطن في 30 نوفمبر 1967 وكثير من القوى الثورية الوطنية التي كان لها دور فاعل ومشاركات إيجابية في قيام الثورة والاشتراك في الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني، قوى ثورية عاشت حلاوة ومرارة الحياة الثورية أثناء المواجهات والصراعات الفكرية والسياسية والمسلحة مع السياسات الانجلو استعمارية وقواتها المسلحة كان المناضلون الثوريون على مختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية مشدودين ومشحونين بالحس والوعي الثوري والثقافي للوطن من أجل الانتصار للمبادئ والأهداف الوطنية الثورية العظيمة.
ونتيجة لحسابات خاصة وتحالفات استراتيجية مع اجندات خارجية للقوى الدولية الباحثة عن مناطق نفوذ لمصالحها الاستعمارية الجديدة ـ اقتصادية وثقافية وسياسية ـ وجدت الكثير من القوى الثورية الوطنية اليمنية نفسها غائبة عن المشهد السياسي الجديد في الجزء الجنوبي من الوطن الذي كانت هي أحد عناصر تكوينه، والحقيقة الغامضة هي الحلقة المفقودة المسكوت عنها في تاريخ النضال الوطني للحركة الوطنية اليمنية في جنوب اليمن حيث إن هناك حقائق غائبة وغير واضحة حول الطبيعة السياسية للحربين الأهليتين اللتين جرتا بين الفصائل الثورية الرئيسية في الكفاح المسلح قبل إعلان الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م وأسبابها وعوامل الغموض فيها التي كانت مقدمات للمتغيرات على الساحة السياسية الوطنية وغيرت في المعادلة السياسية على طريق الاستقلال وبناء الجمهورية الوليدة التي لم تكن على مستوى الآمال والتطلعات الوطنية، بغياب قوى ثورية وطنية عن المشهد والنظام السياسي الذي قام مع استلام السلطة في 30 نوفمبر 1967م وهي مرحلة هامة في الحياة التاريخية لنضالات ومساهمات الحركة الوطنية في جنوب الوطن لم تأخذ حقها من الكتابة والتفسير سلباً أم إيجاباً للكثير من جوانب الغموض لما فيها من أسرار وخفايا لابد من معرفتها والحديث عنها كونها جزءاً مهماً ومكملاً لتاريخ النضال الوطني والسياسي للحركة الوطنية اليمنية خصوصاً ونحن نعيش مرحلة من الانفتاح السياسي وهناك مجالات واسعة لإبداء الرأي والتعبير وإظهار الحقائق التاريخية كما كانت عليه في أرض الواقع..
ونتمنى ممن يمتلكون المعلومة والحقيقة التاريخية الصادقة بل وندعوهم للكتابة بكل شفافية ومصداقية من أجل كتابة التاريخ بحيادية بعيداً عن التاويل والانحياز ليكون مادة تاريخية وطنية ومخزوناً وإرثاً تاريخاً لنضالات الحركة الوطنية وقواها السياسية يستفاد منها كدروس لمستقبل الأجيال القادمة.
الذكرى الـ (45) للاستقلال الوطني
أخبار متعلقة