عندما بدأ الانقضاض على ثقافية ومدنية تعز جاء قرار اعتبارها عاصمة ثقافية لليمن، مع أن تعز - كما ذكرنا في مقال سابق- المدينة والمحافظة، منذ عهد الرسوليين تعتبر منبراً للعلم والثقافة والمعرفة وربما من قبل ذلك، لكن هذا نتركه للمؤرخين، ولأنها كذلك كانت وما تزال عرضة لنزعات العقليات المتخلفة التدميرية، ولكن بعد كل دمار وخراب تتعرض له هذه المحافظة تخرج من بين رماده كطائر الفينيق حاملة على جناحيها مشروعاً حضارياً وطنياً جديداً لليمن واليمانيين .. هكذا حول أبناء تعز وأخواتها من المحافظات المدنية خصوصاً عدن ولحج وإب والحديدة ثورة سبتمبر من مجرد انقلاب عسكري قابل للإجهاض إلى ثورة حقيقية بالدفاع عنها كمشروع وطني ينتقل باليمن من حياة القرون الوسطى إلى القرن العشرين.. لم يكن أبناء تعز يفكرون يوماً بأية مكاسب أو مغانم تخصهم بقدر ما كان همهم الأول إحداث تغيير تطوري للوطن كله،وهذا لا يناسب من رأى في سبتمبر انتقالاً للسلطة من الملكية الإمامية السلالية المذهبية الاستبدادية إلى جمهورية القبيلة التي شنت حروبا متعددة ضد قوى المدنية والتحديث سياسياً واقتصادياً ، عسكرياً وأمنياً، وكانت المذابح والسجون والمعتقلات والنهب والإقصاء والتهميش.. محتفظة بأراجيز خانعة لتعطي صورة الوجود الشكلي في السلطة وتوفر الغطاء لكل جرائمها .. محاولة وأد روح التغيير بضرب القوى المجسدة له..في هذا السياق فإن السنوات الـ 33 الأخيرة كانت هي الأصلف والأقسى والأكثر إيلاماً وإيغالا في التدمير الممنهج لتطلعات القوى المدنية في يمن موحد وديمقراطي تقوم دولته على النظام والقانون والمواطنة المتساوية، وهذا ما يتعارض مع مصالح تلك القوى بعقليتها الهمجية الفيدية الإقصائية الاستحواذية، لهذا كانت شعواء وشنيعة على تعز وقوى المدنية والتحديث في الوطن.
تعز وأبناؤها كانوا أيضاً في طليعة من حملوا راية التحرر ضد المستعمر، وكانوا في مقدمة صفوف الحركة الوطنية التحررية في جنوب الوطن، وكانت تعز السند والظهير والحاضنة لثوار الـ14 من أكتوبر 63م، وحاملة راية الاستقلال، فكانوا روح العملية الثورية مع إخوانهم في جنوب الوطن، كما كانوا في الشمال، وهذا يؤكد أن أبناء تعز لم يكونوا مناطقيين أو طائفيين أو قبليين أو جهويين.. صحيح أنهم كانوا مؤسسين ومنتمين تقريباً لكل الأحزاب والتنظيمات السياسية من الإخوان المسلمين مروراً بالقوميين وانتهاءً بالاتجاهات اليسارية الماركسية، لكن هذا ليس نقيصة بل تأكيد لمدنيتهم وانتمائهم للعصر بكل تفاعلاته واتجاهاته.. كانوا وما زالوا يريدون تجاوز الماضي بالانتقال إلى المستقبل ومعهم كل اليمنيين حتى أولئك الذين أوغلوا في حقدهم عليهم، وهذه القوى المتخلفة تحاول اليوم من جديد جر تعز إلى مربعها الهمجي كطريقة جديدة للعقاب من أجل إجهاض المشروع الوطني التغييري لثورة 11 فبراير 2011م من خلال محاولات إيجاد موطئ قدم لمشاريعهم الصغيرة في هذه المحافظة، ولكنهم سيفشلون كما فشلوا في الماضي بكل تأكيد، لأن تعز أكبر من أن تستوعبها مشاريع كهذه، وكل ما يستطيعون فعله هو إعاقة المشروع الكبير بإشغال أبناء تعز عن قضيتهم الحقيقية ومشروعهم الوطني الكبير، ولكن إلى حين..!!
تعز أكبر من أن تستوعبها المشاريع الصغيرة!!
أخبار متعلقة