عشقناه وألفناه صوتاً عذباً شجياً صافياً متدفقاً كنهر جارٍ قوياً ومؤثراً ينـفـذُ بسلاسة وعفوية الى الروح والقلب يتوغل بتلـقائية وعمق بين حنايا وثـنايا الأفـئـدة والمشاعر والأحاسيس يلامس بفنه
الراقي ويحتضن عقولنا ووجداننا وعواطفنا بل ونستطيع القول أنه (حالة فنية شديدة الفرادة والخصوصية) أجتمعت في دواخله قدرات ومزايا وملكات ربانية مدعمة بموهبة فـذة لتشكل وحـدةً
ونسيجاً وتناغماً إنسانياً ورومانسياً تبلور بوضوح جلي وحنكة واقتدار في تجربته الإبداعية في مسارات وسياقات نغمية مقامية وإيقاعية فقدم للجماهير في الداخل والخارج خلاصته وخلطته
الإبداعية السحرية بمزيج من التلاقـح والتداخل والانصهار بين الغناء البدوي والفلكلور والتراث بمختلف أنماطه وأشكاله وتلويناته وإيقاعاته والعبور به بمعرفة وثقافة ودراية الى مدارات سفر
الغناء الحديث والمعاصر ليصبح (الفنان الميسري) وبما قدمه من غناء متألق ( رقماً بارزاً ) صعباً ومهماً في سجلات وصفحات تاريخنا الغنائي الحديث اخـترقـت تجربته الفنية جميع الفواصل
والحواجز والأزمنة والأماكن وتميزت مدرسته الغنائية الموسيقية المتكئة على عنصرين ومحورين هامين:
المحور الأول :التعامل والتعاطي مع الأصالة والتراث والفلكلور الشعبي والإيقاعات المتداولة المختلفة في المحافظات التالية: أبين / لحج / حضرموت / ومدينة عدن.. وإعادة تقديمها بمحاولة
محاكاة ذلك الإرث الفني والإنساني بمعالجة إبداعية تحمل رؤى وأبعاداً جمالية إضافية جديدة تجاوزت النطاق المحدود والدوائر البيئية المحلية الضيقة إلى آفاق غنائية موسيقية رحبة.
أما المحور الثاني : يستند الى عنصر الإبتكار والخلق والحداثة والتجديد في أساليب وطرائق الغناء اليمني المعاصر.
تـفردت غنائياته في بناءاتها المعمارية الهندسية الشاهقة الباسقة وبالتمرد والخروج من دوائر الرتابة والسكون الى فضاءات وأمـداء الحركة والتحليق وخلق جمل وقوالب موسيقية (تطـريـبية
تعـبـيريـة) مليئة مفعمة بالحيوية والرشاقة والنشاط والحوارات النغمية (الديالكتيكية والديناميكية الفنية المدعمة لحنياً ومقامياً وإيقاعياً ) المستندة على إبراز وإظهار (كوامن ومطارح
وانبـعـاثات البهجة والفرحة والتفاؤل والجمال) .
نجح الفنان المتألق الميسري مطرباً وملحناً وشاعراً بوضع بصمة غير مسبوقة في الحانه وأغـانيه الخالـدة التي نتـذكر منها على سبيل المثال: يافـلاحـه / الزعل دا على إيش / كيفكم ياحبايب/
شي معك لي أخبار / سلم.. سلم يا محبوب / كتبت إسمك/ ليـلة / عيدو..يا عيدو (كل سنه وأنتم طيبين) / وأغنيته الشهيرة غني يا عدن الثورة / بالإضافة لتعاونه مع شاعر مودية الكبير (علي
رامي) في أغنية أنا هاجسي في رأس عبدالله حسن الضابط السياسي الإيراني ( عبدالله حسن جعفر المبعوث من عدن الى مودية) إبـان فترة حكم الإستعمار البريطاني/ وأغنية يا عم منصور..
وغيرها من الأغنيات العذاب الحاليات الخالدات التي وشمت في ذاكرة وذائقة المستمعين في داخل الوطن وخارجه.
ابـتـدأ فناننا المبدع حياته الفنية رسمياً في ( تسجيلات إذاعة عدن عام 1966م ) واستطاع أن يحتل مكانة فنية متميزة مرموقة، ويـعـدُ الفنان الميسري من أبناء مدينة (مودية) الباسلة الأبية
الثائرة المشهودة والمعروفة بتاريخها الوطني المشرف في الملاحم النضالية البطولية.
عرفته فناناً متواضعاً مـثـقـفاً مثابراً معتزاً بنفسه وبما قدمه من عطاء فني إبداعي نوعي متفرد جعله من الفنانين المتصدرين للمشهد الغنائي في اليمن والجزيرة العربية والخليج العربي بجدارة
وإستحقاق بل واعتلى وتبـوأ مواطن النجاح والتفوق في قلوبنا وضمائرنا أنه واحد من الفنانين الكبار والقلائل المنشغلين المشتغلين في هاجس البحث والتعب المضني للوصول الى منابر وغايات
التجديد والمغايرة في أسلوب ونمط وشكل الغناء اليمني الحديث والمعاصر مع الاحتفاظ بالهوية والمذاق والنكهة العريقة والأصيلة.
صرخة مناشدة الى رئيس الجمهورية
فناننا القدير محمد علي ميسري يتجرع منذ سنوات مرارة وقسوة (الغربة في الوطن) وشدة وطأة المرض المميت إثر تعرضه وإصابته بـ(داء الفشل الكلوي) الذي داهمه من مدة ليست قصيرة مما
فرض عليه والزمه الفراش والخضوع لعناية الغسيل الكلوي المرهق والمتلاحق حيث يعاني مشقة الطريق وإرتفاع الأسعار أثناء ذهابه كل إثنين وخميس من كل أسبوع لإجراء عملية غسيل
الكلى، ويعتبر الفنان محمد علي ميسري من أبرز الفنانين الوطنيين الذين تغنوا وهتفوا للثورة والوطن والوحدة ويعاني اليوم جحود ونكران وإهمال الجهات الرسمية المختصة ولا يستطيع
مقاومة تكاليف الأدوية وإرتفاع أجرة المواصلات أثناء تنقله لتلقي العلاج بعد أن ضاقت في وجهه وأمامه الإمكانات المادية والمعنوية.. (والأخـلاقـيـة) في مطلب العلاج خارج الوطن..؟!
ونحن بدورنا نتوجه بصرخة اسـتغـاثة إلى سيادة رئيس الجمهورية المناضل/ عبد ربه منصور هادي نـناشـده ونحثه ونلفت عنايته الى ضرورة الإلـتـفـات والإهتمام والرعاية والعناية بالأستاذ
التربوي والمناضل الخلوق الزاهد المتعفف الفنان المرهف والرقيق (الميسري) وبالإسراع والنظر في (إعطاء توجيهات رئاسية عاجلة لإنـقـاذه) وسفـره للعلاج في الخارج على (نـفـقـة الدولة)
تـقـديراً وعرفاناً لدوره ومواقفه الوطنية والتربوية والفنية البارزة والمشهودة على إمتداد مشواره الإبداعي المتنوع والحافل المشرف والمشرق المضيء الجاد والهادف الملتزم لخدمة قضايا
وهموم وطموحات وتطلعات كافة أبناء الشعب اليمني .
آملـين عنايتكم وتفاعلكم المعهود سيادة الرئيس في تبني ورعاية المبدعين حاملي رايات الفكر والمعرفة والتنوير ضمير الأمة ونبضها الحقيقي..فلا يـجـدي الـنـدم بعد فوات الأوان خاصة وحالة
الفنان المبدع الميسري الصحية متـدهـورة حرجة وصعبة في الآونة الأخيرة.
والله من وراء القصد..