تعتبر اليمن من ضمن الدول الأقل نمواً والأشد فقراً، بشهادة الدول الراعية للمبادرة الخليجية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومعظم الدول الأوروبية التي استدلت بشهادتها على تقارير خبرائها وابحاث المنظمات العاملة داخل اليمن ناهيكم عن تقارير الأمم المتحدة التي لا يخيب بها الظن.
ولذلك فقد أعلن وزير التنمية والتعاون البريطاني (ألن دنكن) أن بلاده تقدم 35 مليون جنيه استرليني دعماً لبرنامج مساعدة وتحسين التغذية لنحو مليون ونصف مليون امرأة وطفل في اليمن.
بينما أعلن (جيفري فيلتمان) مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى عن زيادة في حجم المساعدة الأمريكية للاحتياجات الإنسانية في اليمن بـ (36) مليون دولار ليرتفع بذلك حجم المساعدات لليمن خلال هذا العام إلى (55) مليون دولار، وقد أعلن ذلك السيد (فيلتمان) أثناء زيارته إلى مقر توزيع المواد الغذائية للنازحين.
وبحسب تقارير المنظمات فإن هناك عشرة ملايين نسمة من بين السكان البالغ عددهم عشرين مليون نسمة تقريباً يواجهون خطر المجاعة نظراً لما تعانيه بلادنا من مصاعب كثيرة وفي مقدمتها الجانب الاقتصادي الذي أثرت عليه الأزمات السياسية المتوالية ولم يتعاف منها حتى اللحظة.
وفي الحقيقة ان الشعب اليمني يدرك ان وطنه ليس فقيراً بما يمتلكه من ثروات مخزونة في باطنه وفي ثرواته الطبيعية التي نهبت بعضها واستغلت بعضها بطريقة بشعة لصالح فئة معينة في المجتمع ولم تصل خيراتها إلى فقراء الشعب وبعضها الآخر لم يستغل الاستغلال الأمثل ولم توظف معظمها لصالح المواطن ومازالت الخيرات موجودة ولم تستغل حتى الآن، ولا يعلم عامة الناس وفقراء المواطنين الذين يبدو أنهم يرقصون اليوم على أعراس الذكرى الخمسين للثورة، إلا انهم في الحقيقة يرقصون كالطائر الذبيح وهم يمدون ايديهم للحصول على رغيف الخبز والمساعدات الإنسانية من الآخرين، ولا يعلمون متى ستعود خيرات الوطن لصالحهم ومتى ستعفيهم من مد اليد .. مضت خمسة عقود على قيام الثورة ولم يتوفر للمواطن أدنى قدر من الرخاء والاستقرار بل يفيق كل صباح على كابوس مرعب يضاف إلى همومه واحزانه.
والحقيقة المرة تؤكد اننا شعب لسنا فقراء ولكننا شعب كان قدره أن يعيش تحت وطأة زعامات ذات سياسات فقيرة داست على رقابه بأقدام عساكرها وسيطرت عليه بنظرياتها العقائدية وباحكامها العرقية والقبلية والعشائرية، وابهتت أي دور فاعل للأجهزة التشريعية والتنفيذية ووظفت معظم أجهزة الدولة لمصلحتها ومصالح المرتبطين بها.
هذا هو قدر العشرين مليون مواطن الذي أكده الشاعر بقوله:
وصفوا لي حاكماً
لم يقترف منذ زمن
فتنة أو مذبحة
لم يكذب
لم يخن؟
لم يطلق النار على من ذمه
لم ينثر المال على من مدحه
لم يضع فوق فم دبابه!
لم يزرع تحت ضمير كاسحة
لم يجر
لم يضطرب
لم يختبى من شعبه
خلف جبال الاسلحة
هو شعبي ومأواه بسيط
مثل مأوى الطبقات الكادحة
زرت مأواه البسيط البارحة
وقرأت الفاتحه
ومما لاشك فيه أن المواطن لم يلمس الدور الحقيقي للدولة لا في مستواه المعيشي والسكني ولا في مستواه الصحي ولا في أمنه واستقراره.
ومع الأسف الشديد أن القيادات التي تعاقبت على مقاليد السلطة خلال السنوات المنصرمة عملت على تدمير كل ماهو جميل ونافع يصب في مصلحة الوطن والمواطن وتحويله إلى منافع خاصة وان كان على حساب لقمة عيش مئات الأسر.
وأبرز مثال على ذلك تدمير كل المصانع التي انشئت كقطاع عام في محافظة عدن وتحويل بعضها إلى قطاع خاص لم نر أو نلمس منتجاته في السوق حتى الآن والبعض الآخر اغلق تماماً مع تشريد آلاف العمال وتحويلهم إلى قوى غير منتجة مع وضع حلول لها كتحصيل حاصل هذا فضلاً عن العبث بالموانئ والارصفة والعبث بالثروة السمكية وابهات دور المؤسسات السمكية التي كانت تدر ربحاً للدولة يفوق العشرة ملايين دولار، ناهيكم على البسط على الأراضي واغتصاب راضي المواطنين مع العلم ان هناك من مواطني عدن من قضى نحبه وهو يتابع إعادة ملكية أرضه وبكل ألم نقولها ان بعض القيادات التي كلفت بإعادة ملكية المواطن هي من اغتصبها وبنى عليها أمام مرأى الجميع.
ومن البديهي جداً في ظل وضع مرير فرض علينا وعلى أبناء هذا الوطن كان على السلطة ان تعزز نفوذها ببؤر الفساد وسفك الدماء ونشر الفوضى مع استغلال بشع لصناديق التنمية والمساعدات والهبات في ظل غياب أي توزيع عادل للثروة على كامل محافظات اليمن.
إننا اليوم نقف على حافة وضع مأساوي يقودنا جميعاً قيادة وقاعدة إلى التفكير ملياً منطلقين من مصلحة الوطن فوق كل اعتبار ووضع المنافع الشخصية بعيداً والمصالح الحزبية بعيدا ايضاً عما تمليه الثوابت الحقيقية للوطن وتمليه علينا ضمائرنا بحق هذا الشعب الذي تحمل ارزاء سلطات خذلته ولم تنظر له بعين الرفق والرضا وتحمل حتى كل صبره ومازال صامداً.
لقد وصلنا إلى حافة جرف هار، يطاردنا شبح الخوف من المجهول، إذا لم تتجه كل القوى الوطنية والاحزاب صوب الحوار الوطني كحل نهائي والالتفاف الحقيقي لإنجاح المبادرة الخليجية كمخرج وحيد للأزمة السياسية التي لحقت بوطننا.
إننا نظر بأمل كبير لنجاح الحوار الوطني وما سيتمخض عنه من قرارات وتوصيات ربما ستوقف نزيف دم الوطن.
مــتى يتوقـــف نزيف الوطـــن؟
أخبار متعلقة