عدن عروس البحر على خليج عدن مدينة حباها الله تعالى بخصوصية نادرة في الجمال والتكوين الجغرافي كموقع متميز يطل على باب المندب، المدخل الرئيس للبحر الأحمر الطريق البحري الذي يربط بين دول الجنوب ودول الشمال ودول الشرق والقرن الأفريقي والغرب والجنوب الغربي الآسيوي المطلة على البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، موقع يعطيه السيطرة والتحكم بحركة الملاحة البحرية في هذه النقطة والمنطقة الجغرافية لهذا التكوين الاستثنائي والتميز الجمالي للمكان المنفتح بشكل طبيعي وفيه سهولة الحركة البحرية للسفن العابرة من هذا المنفذ المهم والإستراتيجي.
ولهذا كان مزاراً ومركزاً لمرور النشاط التجاري وطريقاً رئيسياً للتجارة الدولية ومحطة لتموين السفن والتوقف للتزود بالاحتياجات الضرورية (غذاء، مياه، زيوت، وقود) وفيها الكثير من الخدمات الأساسية للسفن.
(عدن) شهدت حضارات تاريخية قديمة وفنوناً معمارية ضخمة وكبيرة نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر صهاريج الطويلة والمدرجات الجبلية على امتداد السلسة الجبلية لجبال شمسان كما تمتاز بشواطئ روعة في الجمال (جولدمور في مدينة التواهي والخيسة وفقم والغدير في البريقة) والمدن الخضراء من الحسوة وبئر أحمد وبئر فضل حتى المناطق الحدودية مع لحج الخضيرة في دار العرائس والحسيني التي فيها الخضرة والوجه الحسن.
عدن حاضنة الثقافات والديانات المختلفة والمتنوعة وتميزت بالعيش المشترك وتطور الحضارات وجاذبية المكان المليء بالجمال النادر وسلوة الخاطر والمسك والعنبر وروائح العطر والبخور وجنات عدن تجري من تحتها الأنهار .. عدن مدينة السحر الأسطوري وخطوط التماس مع إشعاعات ألوان الطيف وضوء الشمس عند المغيب، عندما يعانق شفق الشمس الأحمر أعماق البحر في حركة دورانها اليومي حول الأرض المتناسقة مع حركة الكواكب والأجرام السماوية، خلق جميل بديع متناسق في منتهى الدقة من حيث الزمان والمكان في عدن الحب والعطاء.
كذلك ترى الإنسان المبدع في الفن والرسم والعمارة وارتشاف قهوة الصباح مع الاستماع لصوت فيروز الشجي في (يا جارة الوادي طربت) .. وأحاديث تدور بين الزنود السمر من القوى اليمنية العاملة في البناء والتسيير وعمال المرفأ يرددون الأغاني وأناشيد الصباح الجميل يشكلون لوحة فنية رائعة يختلط فيها الانسجام والحب والابتسامات التي أصبحنا نفتقدها في أيامنا الحاضرة لثقل الحياة وصعوبتها على واقع الحال اليمني المحمل بالكثير من مشاق وعذابات وآلام الأيام الصعبة.
يكابد العمال فيها ضنك الحياة وصعوبة العيش ومرارة وقساوة الحياة المختلطة بتطورات العلوم وعولمة حركة الكون القاتلة للطبيعة الحية بالسموم والكيماويات الضارة وأسمدة الأرض القاتلة التي أخلت بتوازن العلاقات بين الكائنات الطبيعية الحية (الأرض والإنسان والحيوان) فكان أثرها سلبياً على الحياة العامة، قتلاً ودماراً بدفن النفايات في باطن الأرض ورميها حيناً آخر في البحر.
ولكن تبقى عدن محروسة بأبنائها الطيبين بعد الله رغم التوسعات العمرانية والتغيرات الإنشائية حيث ارتفعت المباني الأسمنتية التي غيرت كثيراً من بساطة المساكن الشعبية التي تميزت بها مدينة عدن، وهدمت القبور كونها بدعاً وتبعثرت القيم والأخلاقيات المجتمعية بشكل مقصود لإحداث تغيير يطمس الهوية والبنية التاريخية والجغرافية لكنها محاولات بائسة باءت بالفشل وعادت أدراجها من حيث أتت لأن الشعب أكثر حضارة ومدنية انتصر لحريته وأطلق العنان للطيور تحلق في سماء المدينة أسراباً جميلة تطير بأريحية تامة.
ورجل كهل يتمتم في زاوية المكان وآخر يردد الأغنية: يا جارة الوادي طربت .. واستمر الطرب وعادت الحياة كما كانت وكما أراد لها الله تعالى أن تكون ومن ثم أبناء المدينة عدن التي عودتنا أن تعطي ما تريد أن تعطي ولا تعطي أكثر مما تريد أن تعطي .. وهنا اكتفت من العطاء، وأخذ رجل كان قد حضر مؤخراً إلى المدينة عصاه ورحل من حيث جاء وسلمت عدن لأهلها وبقيت كما كانت عدن ميناء وشعلة ومطاراً وبالحب والإصرار تستمر الحياة رغم ما تعانيه من كل هذه المصاعب.
عدن بوابة الحضارة والثقافة
أخبار متعلقة