لقد شهدت الساحة اليمنية خلال السنوات القليلة الماضية جملة من الاحداث والعمليات الارهابية ضمن موجة العنف السياسي التي شهدتها المنطقة العربية والساحتان الإقليمية والدولية.
ولا شك ان وراء تلك العمليات الإرهابية دوافع واسباباً مختلفة، استند اليها منفذو تلك العمليات لتبرير ذلك السلوك في التعبير عن أنفسهم ومطالبهم.
والعمليات الإرهابية بشكل عام لم تأت من فراغ،وانما أتت كنتيجة حتمية لتفاعلات شديدة في إطار ما عرفته الساحة الدولية من تغييرات وصراعات وتوترات شكلت مجتمعة بيئة خصبة لنمو ظاهرة الإرهاب في هذا البلد أو ذاك.
والإرهاب في أقرب تعريفاته هو كل استخدام فعلي للقوة لإلحاق الأذى والضرر بالأفراد واتلاف الممتلكات، أو إيجاد حالة من الخوف والرعب والرهبة في المجتمع، وجعل الناس لا يشعرون بالأمان.
ولقد شهدت اليمن منذ بداية عقد التسعينات من القرن الماضي جملة من المتغيرات والتحولات، التي كان من أبرزها قيام الوحدة اليمنية، وقد ترافق مع قيام الوحدة اليمنية تبني خيار النهج الديمقراطي والتعددية السياسية وحرية الرأي.
وفي ظل الوحدة للأسف طفت على سطح الحياة السياسية اليمنية ظاهرة الإرهاب، مستغلة المناخ الديمقراطي والتعددية، حيث بدأت التيارات والقوى السياسية المختلفة العمل بحرية بعد ان كانت قبل الوحدة تعمل بشكل سري.
وليس بخاف ان حالة الصراع السياسي بدأت منذ السنوات الأولى من عمر الوحدة، بين شريكي الحكم آنذاك، حيث عمل كل طرف على استقطاب العناصر والجماعات المعادية للطرف الآخر، بغرض توظيفها في عملية الصراع، وكان من ضمن تلك العناصر والجماعات بعض العناصر العائدة من افغانستان، فقد تم دفعهم ليكونوا في مقدمة صفوف المواجهة في حرب 1994م. وبعد انتهاء حرب 94م وجدت هذه الجماعات فرصة سانحة لها للانتشار والنمو وأخذت تسميات متعددة، وأخذت هذه الجماعات تتصرف بقوة وثقة كبيرة حيث شاركت في الحرب وهزيمة الحزب الاشتراكي وخروجه من السلطة كشريك واعتبرت نفسها أنها البديل للاشتراكي، وتصرفت بثقة على هذا الأساس.
وكانت اليمن قد شهدت في الفترة من 90 ـ 94م صراعا سياسيا خفيا بين قطبي السلطة، أدى الى انشغال أجهزة الأمن بالتنافس بين الحزبين الحاكمين، واتساع دائرة الصراع بينهما، وانصراف أجهزة الأمن عن مهامها الأساسية المتمثلة بحماية الأمن الوطني وتأمين المنافذ الحدودية، وهو ما فتح المجال واسعاً أمام العناصر الجهادية العائدة من افغانستان، بمن فيهم الهاربون من بلدانهم من جنسيات مختلفة، مستغلين حالة الفراغ الأمني وانشغال الحكم بالصراعات السياسية، فاستفاد هذا التيار من رغبة بعض أطراف الصراع في التصدير لبعض التيارات اليسارية، فتغلغل في ثنايا المجتمع، الى ان بات يشعر ان الظروف السياسية مواتية له، لتبني العنف بدلاً عن الديمقراطية لتحقيق مآرب سياسية.
وقد اتخذت هذه الجماعة من الدين مصدراً لشرعية عملها السياسي والتعبئة الاجتماعية، فأخذت تنهج نهجاً متطرفا ومتشددا في التعاطي مع كثير من القضايا السياسية والاجتماعية، وتبنت فكرة تكفير الدولة والمجتمع، ووجوب الإطاحة بالنظام السياسي وإعادة بناء الدولة والمجتمع على أساس تطبيق احكام الشريعة الاسلامية، وظهر في أوساط هذه الجماعة تيار مغال يطرح فكرة استخدام العنف للوصول الى هذه الغاية، وبدأ هذا التيار يعمل على جذب الشباب المنتمين الى الفئات الفقيرة والمهمشة وقام بعزلهم عن المجتمع، وغسل ادمغتهم مما علق بها من أفكار وسطية ومسالمة، وتكثيف التوعية والتوجيه بأفكار التطرف والإرهاب، وجعلهم يشعرون أن الموت وسيلتهم للوصول الى الجنة، والتنعم بالحور العين، إذا ماتوا شهداء، ولو لجؤوا في ذلك الى القيام بعمليات انتحارية، وقد رفعوا شعار:
(ولست أبالي حين اقتل مسلماً
على أي جنب كان في الله مصرعي)
وكان من جراء ذلك بروز ظاهرة العنف في أوساط الشباب، واتساع نطاق العمليات الإرهابية، هنا أوهناك وآخرها عملية ساحة السبعين يوم الاثنين 12 مايو 2012م، والتي راح ضحيتها عشرات من الأبرياء.
وكثيرة هي العمليات الإرهابية التي شهدتها الساحة اليمنية قبل حادثة ساحة السبعين، استخدمت فيها الأحزمة الناسفة أو الرصاص الحي، أو السيارات المفخخة، وذهب ضحيتها مئات الاشخاص في مختلف المدن اليمنية، وبالذات في الفترة الواقعة بين عامي 1997م وحتى الآن.. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، بعض العمليات الإرهابية التي حصلت قبل عقد من الزمان تقريباً.
وكانت أول عملية إرهابية في عدن في 16 يناير 1997م، بواسطة سيارة مفخخة، ثم تلتها ثلاثة انفجارات في يوليو من العام ذاته، ثم تسعة انفجارات في شهر أكتوبر من نفس العام. ثم توالت الأحداث والعمليات بعد ذلك تباعاً في أنحاء مختلفة من اليمن. كانت أبرزها حادثة التقطع التي قام بها ما يسمى بجيش عدن أبين الإسلامي، في مديرية مودية بأبين، وتم إثرها اختطاف مجموعة من السائحين، وذلك عام 1998م. وهناك عمليات إرهابية أخرى جرت في عدن في أكتوبر عام 2000م نسبت أيضا لمجموعة إرهابية قامت باستهداف مبنى السفارة البريطانية بصنعاء، واستخدمت فيها العبوات الناسفة.
وهناك عملية ثالثة نسبت لنفس المجموعة حدثت في أكتوبر عام 2002م بالقرب من ميناء الضبة بالمكلا في محافظة حضرموت، استهدفت طائرة مروحية تابعة لشركة هنت البترولية، لمحاولة اسقاطها بصاروخ.
ولم تقتصر العمليات الإرهابية على استهداف الأجانب ومنشآتهم بل تعدته لتصل الى استهداف المدنيين هنا أو هناك، وقد سقط من جرائها مئات الضحايا الأبرياء وتعطلت على أثرها عملية التنمية.
ولست هنا في صدد تعديد العمليات الإرهابية ولا تحديد أسبابها والقائمين بها، ولكني أذكر بعضها وبالذات التي حدثت قبل عقد من الزمان، لبيان ان الارهاب بمختلف اصنافه وألوانه لم يجد شيئاً في حل المشكلات بل يعقدها، بحيث يستعصي حلها. فلو لجأ الناس إلى الحوار لحل مشكلاتهم، وتخلو عن العنف والإرهاب لمناقشة قضاياهم لما وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم من انفلات أمني واضطراب سياسي وانهيار اقتصادي ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الإرهاب لماذا طفا على السطح؟!
أخبار متعلقة