(60) عاما على تأسيسها ..
لقاءات/ دفاع صالحعدن .. المدينة، الإنسان، وتاريخ يحكي عراقة المكان .. ولأن رائدة التمدن كانت سباقة في النهوض، فقد كان لنشأة إذاعتها المسموعة صدى يلامس آمال أبنائها البسطاء..(هنا عدن) عبر موجات الأثير، ذلك الصوت الذي ألفه الكثيرون، وتعلق به جمهور واسع كأحد الأوجه المضيئة لهذه المدينة الأزلية المنشأ..ستون عاما مضت منذ تأسيس إذاعة عدن كواحدة من أقدم الإذاعات العربية، هكذا يروي التاريخ، ونروي نحن في الأسطر التالية أحاديث لعدد من كوادرها، فماذا قالوا؟هنا عدن منذ إنشاء إذاعة عدن عام 1954م تركزت أهميتها على أن تكون عاملاً لتحويل نظر الشعب للتحولات الجديدة التي شهدها الوطن العربي أواخر الخمسينات وبداية الستينات، حيث كانت الثورات العربية تشهد نمواً متسارعاً وتحقق الاستقلال للعديد من الدول العربية بفضل الكفاح المسلح الذي اختارته الشعوب المكافحة سعياً لتحقيق وحدة عربية حينذاك.. هذا ما جاء على لسان رئيس قطاع إذاعة عدن يسلم مطر، الذي استطرد حديثه قائلا: (عندما بدأت الإذاعة بثها لم تكن تبث سوى ساعة و (45) دقيقة، ارتفع لاحقاً ليصل اليوم إلى بث متواصل على مدى (24) ساعة متواصلة، ولا يخفى على أحد أن صوت إذاعة عدن التي بدأ بثها منذ بدء افتتاحها قد جذب جمهوراً واسعاً من المستمعين الذين أحبوا صوت الإذاعة، و رأوا فيه بداية نهوض وطني وتحديد هوية شعب ظل لسنوات طويلة بلغت ما يقارب (129) عاماً غائبا عن مواكبة ما يشهده العالم من تطورات وأحداث ، ومن المعروف أن المواطنين الذين استبشروا خيراً في افتتاح الإذاعة قد سعوا لاقتناء أجهزة الراديو، ويذكر اهالينا ان المقاهي والمطاعم والمشارب كانت تقتني هذا الجهاز لجذب المزيد من المستمعين إلى متابعته باعتباره حدثاً جديداً على المجتمع وجد قبولاً واستحسانا لديهم).ويواصل حديثه: (فإذاعة عدن خلال فترة أواخر السبعينات وبداية الثمانينات استبدلت جيلاً جديداً من الكوادر المتعلمة والمتخرجة من كليات اللغات والصحافة والهندسة والآداب، شكلوا جميعاً فرق عمل صحافية تعمل بصورة مهنية وفقاً للضوابط العالمية وما زالت المكتبة تعج بالمواد الإذاعية لهؤلاء الشباب والشابات ويمكننا اليوم ملاحظة متابعاتنا الاخبارية والبرامجية تسير وفق النمط والمقاييس العالمية للأشكال الصحافية والبرامجية، حيث يقدم العاملون خدمات برامجية وإخبارية لا تقل أهمية عن باقي وسائل الإعلام العربية والدولية، لكن ما يعيب خدمتنا للمستمع هو الوضع الهندسي البائس للإرسال الإذاعي إذ أنه في حرب صيف 1994م أحرقت محطة الإرسال الإذاعي وأصبحت رماداً، هذا الأمر يعرفه الكثيرون غير أن الحلول التي ترافقت مع إعادة تأهيل الإذاعة لم تكن متوازية مع طموحات العاملين والمستمعين على حد سواء.. وأصبحت الإذاعة تعاني من مشاكل فنية وهندسية جمة عطلت قدرات الكثير من المبدعين، بالمقابل فإن الكادر الإذاعي قدم عصارة جهده وأرقى خبراته العملية في المثابرة والعمل .. وللأسف كانت رسالتنا محدودة لدى المستمع فمحطة إرسال الحسوة في عام 1994م انتهت تماماً وكانت بالكاد تبث برامجها على مستوى بعض مديريات محافظة عدن أي أقل من إذاعة محلية وهذا عيب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والمستمع معذور لا يعرف ما هي مشكلاتنا الفنية وبالقدر ذاته لم نكن لنتوقف عند هذا الحد بل بذلنا جميعاً الجهد للخروج من هذه الأزمة ومن هذا الوضع المخزي، وفعلاً حدثت نقلة طيبة في إرسالنا وأصبح إرسال إذاعة عدن يصل اليوم إلى كافة أنحاء العالم عبر شبكة الانترنت والأقمار الصناعية: نايل سات وعرب سات ومحطة الـ FM . غير أن هناك مشكلة نحن بصدد حلها قريباً إن شاء الله وهذه المشكلة تتمثل في الانقطاعات المتكررة التي يلمسها المواطن وسنتغلب قريباً عليها بإذن الله تعالى وقد تجاوزنا الكثير منها). جيل بعد جيل كان أول مدير للإذاعة السيد توفيق إيراني وهو لبناني الجنسية ، ويعمل تحت إشراف المستشار البريطاني المستر (مارسك) أحد كوادر مكتب العلاقات العامة والنشر ، واستمر مديراً للإذاعة حتى عام 1958م ، وبعد مغادرته الإذاعة عين بديلاً عنه أحمد محمد زوقري عام 1958م... أفادت بذلك مديرة إدارة البرامج سهام عبدالحافظ، وأردفت: (وتعاقبت اﻷجيال وقيض الله لإذاعة عدن مديرا رائعا لها هو الاستاذ جمال الدين الخطيب والذي في عهده تم استيعاب أول دفعة من خريجي كلية التربية العليا قسم لغة عربية كان قوامها خمسة عشر كادرا مابين معدي برامج ومذيعين ومذيعات، منهم على سبيل المثال لا الحصر الاستاذة لولة محفوظ والراحلة غادة نصر عباد والمعدة المتألقة الأستاذة آمال حميد وسهام عبد الحافظ والمعد الأستاذ حسين قاسم الشطيري والاستاذ سعيد علي نور، ولكن للأسف لم ننعم بالعمل في ظل قيادة الاستاذ الخطيب نتيجة استشهاده في الأحداث الدامية التي شهدتها عدن في 13 يناير 1986م).وتضيف: (بعد الأحداث تعاقبت على الإذاعة قيادات حزبية منهم عبد الرحمن عمر السقاف الذي استمر إلى عام 1990م تقريبا ثم تولت قيادات كان لها باع طويل في العمل الإذاعي وهم الأساتذة عبد الله عمر بلفقيه ثم جميل محمد أحمد وحاليا الأستاذ يسلم مطر الذي نحتفل معه بالذكرى الستين لتأسيس معشوقة الملايين (إذاعة عدن)، وننتهزها فرصة هنا لتقديم التهاني لكل منتسبيها منذ التأسيس وحتى الآن وكذلك لكل مستمعي إذاعتنا الذين كانوا السند والداعم لاستمرارية أعرق إذاعة في الشرق الأوسط في كل مرحلة من مراحلها، ورغم ما حل بهذه الإذاعة من تدمير جراء الصراعات ما أفقدها ألقها وتضررت بنيتها واقتصر إرسالها على البث الداخلي إلا أنها مازالت محتفظة بمستمعيها الذين بادلوها الحب بالحب والوفاء بالوفاء من خلال تواصلهم الدائم ببرامجها المباشرة، وخلال السنوات العشر الماضية استقطبت الإذاعة مجموعة من الشباب مذيعين ومذيعات ليشكلوا استمرارية للجيل الذي سبقهم، فهناك أصوات رائعة تصافح أذن المستمع رغم أنها بحاجة الى تأهيل في هذا المجال، وبحاجة إلى دورات في اللغة العربية وفن الإلقاء وكيفية إدارة الحوارات كي تزدهر الإذاعة بهم ومن هؤلاء الشباب : عبير بدر وميرفت العبسي وندى محمود وفاطمة ناجي وعلي بن عامر وحديثا محمد باجميل و ريهام جمال ومحمد صلاح وعبدالله الكثيري). عشق الأوفياءلأنه كان محبا لإذاعة عدن، فقد التحق للعمل فيها مساهما وهو ما يزال طالبا في الثانوية العامة.. (قال لي والدي ليش كل يوم في الإذاعة إيش بتطلع فنان) .. هكذا عبر المخرج الإذاعي محمود أحمد صالح عن مدى تعلقه بإذاعة عدن منذ السبعينات من القرن الماضي.. عادت به الذكريات إلى تلك المرحلة، فحدثنا قائلا: (تقدمت بطلب العمل في الإذاعة، فعملت أولا في المكتبة الإذاعية، كان المسؤول عنها حينها علي حسين الحاج وهو من أقدم عمال إذاعة عدن، وحصلت على الوظيفة في الإذاعة عام 1973م بعد التخرج من الثانوية مباشرة، كنت حينها ضابط صوت وقدمنا برامج على الهواء بإمكانيات بسيطة، ومن حبنا للعمل كنا لا نحسب الوقت الذي نعمل فيه، وروح المبادرة كانت تدفعنا دوما).يدعو في ختام حديثه إلى الاهتمام بالكوادر القديمة، وهي دعوة يوجهها أيضا مدير إدارة المذيعين صلاح الديني، الذي يصف مشواره مع الإذاعة قائلا: (تتلمذنا على أيدي أساتذة كبار من الرعيل الأول مثل جمال الخطيب، ومحمد مدي، وفيصل باعباد، وسالم بن شعيب، وكنا لا نفارق الإذاعة، نعمل ليل نهار).وعن الكادر الإذاعي الشاب يقول: (الكوادر الشبابية ممتازة لكنها بحاجة إلى اكتساب الخبرة، والاستفادة من الكادر القديم).المهندس علي يسلم علي يعمل في إذاعة عدن منذ عام 1975م، وتلقى في تلك الفترة دورات تأهيلية في الصيانة في كل من تشيكوسلوفاكيا والمجر.. (كنا نسمع إذاعتنا ونحن في الخارج، فيأخذنا شعور بالفخر، كانت إمكانيات الإذاعة ضعيفة لكنها مسموعة).. بأسى على زمن مضى يروي ذلك، ويستدرك: (مشكلتنا الآن هي الموجات الإذاعية المتوسطة والقصيرة بعد ضرب المحطة وتحطم جهاز الارسال في حرب صيف 1994م، نحن الآن نتمنى أن يصل صوت إذاعتنا إلى أبعد مستوى، ونتمنى أن يكون هناك تأهيل للكادر الشاب بما يواكب التطورات المتسارعة).إذاعة عدن تحصد الذهبمخرج إذاعي منذ (30) عاما، بدأ عمله كضابط صوت وحاليا هو مدير إدارة التشغيل، المخرج سعيد شمسان أخرج العديد من البرامج الإذاعية منها على سبيل المثال: قاص وقصة، نداء الوطن، الوجه الآخر،واحة الدراما، محطات صحفية، إضافة إلى العديد من المسلسلات المحلية منها: مطلوب مدير عام، شوامخ إسلامية، مذكرات سعدان، فصيح في مهب الريح. يقول عن إذاعة عدن: (كل مرحلة مرت بها الإذاعة تكون مرتبطة بالظروف العامة، لكن مع ذلك نقول أن الإذاعة ما زالت بخير، الإذاعة تزهو، هناك كوادر شبابية مبدعة وعندها الحماس ومع الأيام سوف تصقل مواهبها، وهذه المرحلة تعد مرحلة ذهبية للإذاعة بقيادة يسلم مطر، فهناك العديد من المشاركات، والمهرجانات الخارجية، منها حصول إذاعة عدن على الجائزة الذهبية من مهرجان الخليج الحادي عشر للإذاعة والتلفزيون عام 2010م، في البحرين عن برنامج نحن والبيئة وهو من إعداد علي سلام فارع وتقديم نبيلة حمود يرحمها الله).نبيلة حمود الصوت الذي لا ينسى كانت هي مقدمة برنامج (نحن والبيئة) للمعد علي سلام فارع الذي تحدث قائلا: (ظل صوت إذاعة عدن يصول ويجول على مستوى خمس قارات، وكانت أغلب أعمالنا ميدانية لصناعة الخبر الحي الذي هو أساس كل فن صحفي أو إذاعي آخر، فالعمل الميداني هو الذي يكشف للمحرر خبايا الخبر، وهذه نصيحة أقدمها للإعلاميين الشباب سواء كانوا محررين في الصحافة المكتوبة أو الإذاعة أو التلفزيون أن يهتموا بالعمل الميداني والتغطية الحية للأحداث، والقرب من القضايا المجتمعية التي تلامس وبشكل مباشر حياة الناس، وهذا هدف تسمو به أي وسيلة إعلامية تسعى لخدمة جمهورها).برامج رائدةحرص على مدى عقود أن يظل برنامجه الإذاعي يبث في الموعد الأسبوعي المحدد ليجعل علوم العصر وتطوراته العلمية في متناول فهم الجميع، ويضاف كل ذلك إلى رصيد إذاعة عدن ذات التاريخ العريق التي مازالت تحمل على موجاتها (العلم والإنسان) مع أحمد عمر بن سلمان.يقول بن سلمان: (كانت إذاعة عدن هي الوسيلة الإعلامية الأكثر انتشاراً وتأثيراً، عكس الصحافة التي كانت حينها محدودة التوزيع نتيجة لارتفاع نسبة الأمية، لذا وقع اختياري على إذاعة عدن وكانت حينها تعد من أهم محطات الإذاعة في المنطقة العربية، وأحببت المجال العلمي وطمحت أن أجعل حقائق العلم في متناول أكبر عدد من الناس، نتيجة للتطورات المتسارعة التي رافقت النصف الثاني من القرن العشرين). عطاء لا ينضبونختم هذه الوقفة بالعودة إلى حديث رئيس قطاع إذاعة عدن يسلم مطر، حيث يقول: (إن المقارنة بين الإذاعة في الأمس واليوم فيها الكثير من الفوارق، فالعديد من القضايا اليوم تناقش في مختلف البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والقانونية والمنوعة، وسواها وتقدم خدمة البرامج المباشرة ونقل الفعاليات الحية أولاً بأول).. ويردف: (الإذاعة حالياً تمثل في برامجها شبكة من المعلومات القيمة والمواضيع الآنية التي تستحق المتابعة، بل أصبحت تبث برامج مباشرة يومياً وهذا الامر كان غائباً في السابق أو كان محدوداً جداً.. وإذاعة عدن بالمقابل تعتمد على كادرها الوطني اعتماداً كلياً ويكفي شرفاً للإذاعة أنها خلال الأشهر الماضية قامت بتركيب استوديوهات حديثة بدون خبرات أجنبية، كما أنها استوعبت التقنية الحديثة في معداتها الجديدة لهذه الاستوديوهات وتعمل بصورة نشطة وقوية ومؤثرة، وقبل عشرة أيام تم تركيب جهاز يضمن ارسال المواد الإخبارية والبرامجية لإذاعة عدن للأقمار الصناعية ويضمن عدم انقطاع البث الفضائي). ويختم حديثه قائلا: (إننا ونحن نستعد للاحتفال بالعيد الستين لإذاعة عدن يحدونا الأمل بأن تكون وأن تظل إذاعة عدن ذلك الصوت الواضح والصادق والأمين لجميع المستمعين ولمواطني اليمن والمواطن العربي والناطقين باللغة العربية في كافة أنحاء العالم).