رحل (بطاش) ناقما على المجتمع..
تحقيق / دفاع صالحلأنه نشأ في معيشة الضنك، فقد ترعرع ناقما على مجتمع حرمه نعمة الطفولة، فسلك طريق السوء.. استهوته جنحة السرقة فتوغل في ظلامها.. طفل لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره قبض عليه وتناقلته أياد عدة، وما أكثر المسميات المهتمة بقضايا الأطفال.. مات الطفل في إحدى ضواحي محافظة لحج قبل بضعة أشهر، ودفنت أحلام وأمنيات وطفولة أكهلها عناء العيش .. (بطاش) حكاية وجع لمئات الأطفال الأحداث الذين يواجهون صراعا مع المجتمع : بيئة سيئة، ووصمة مؤلمة، وقانون لا يحمي الضعفاء.. [c1]غموض![/c]الجهات المعنية بقضايا الأطفال الأحداث لم تضع تفسيرا واضحا لما حدث للطفل بطاش، تبادل الاتهامات بين تلك الجهات لم يفرز نتيجة واضحة بحيث يستفاد منها للحد من تكرار ما حدث.. فالطفل هرب من دار التوجيه الاجتماعي بحسب إفادة مديرة الدار لولة سعيد، وهذا ما أكدت عليه نيابة الأحداث على لسان القاضية فوزية سلام، ولم تشر أي من الجهتين إلى تفاصيل أخرى حول ذلك.توجهنا بسؤالنا إلى شرطة الأحداث (المركز النموذجي للأحداث)، وأجابت مديرة المركز عقيد/ ماجدة محمد منصور قائلة: (الطفل وصل إلى المركز محالاً من شرطة الشيخ عثمان بتهمة السرقة، أجرينا معه تحقيقا أوليا، وتم نقله إلى دار التوجيه الاجتماعي، وهنا تكون مسؤوليتنا انتهت بالنسبة للاحتجاز، لكن ظللنا نتابع قضيته إلى أن عرفنا بهروبه من دار الأحداث، والحقيقة لا ندري ما هي ملابسات هروبه) . أخت الطفل أوضحت على (حذر) أن أخاها وبعد خروجه من الدار بأيام كان يعاني من الصداع الشديد..جثة الطفل تعرضت للتشريح بطلب من أسرته، ولم نستطع الحصول على نسخة من تقرير الطبيب الشرعي، غير أن الأسرة تقول أن طفلها تعرض لضربات على رأسه، فيما تقول مديرة دار الأحداث أن تقرير الطبيب الشرعي بين وجود بعض الكدمات البسيطة التي لا تؤدي إلى وفاة، وأن الطفل كان من سابق يعاني من بعض التشنجات الدماغية أدت إلى حدوث عدة جلطات وهي سبب وفاته.من جانبها تستبعد مديرة المركز النموذجي للأحداث أن يكون الطفل قد تعرض للضرب من قبل الشرطة التي ألقت القبض عليه. [c1]مسؤولية غائبة[/c] ويتساءل د/ عبد الوهاب شكري- الاختصاصي الاجتماعي والنفسي للأطفال الأحداث حول الاجراءات الوقائية التي تم اتخاذها من قبل الجهات ذات العلاقة للحد من هروب الأطفال الأحداث، وعدم تكرار ما حدث للطفل بطاش!وتقول هدى الصراري - محامية وناشطة حقوقية، أن الطفل الحدث ( وهو الطفل في مساس مع القانون) - كما عرفته، لا يعي بالشكل الصحيح مدى الجرم الذي قام به، بل يكون في الاساس ضحية الاسرة والمجتمع والبيئة المحيطة به، وتضيف: (على الرغم من تخصيص دور الاحداث للأولاد والفتيات إلا أنه لا توجد خدمات رعاية لاحقة للأطفال بالشكل الذي يتطلبه سن الحدث من احتياجات صحية وتعليمية ونفسية، فالحدث عندما يوضع في الدار يطاله الاهمال في كل الجوانب بحجة أن الدولة لا تقدم الدعم والرعاية للدور، فتوجيه الاتهامات من قبل المسئولين على الدار إلى وزارة الشئون الاجتماعية والعمل ممثلة بمكاتبها في المحافظات وشحة الامكانيات بالرغم من وجود الكادر المتخصص في الرعاية الاجتماعية والنفسية أدى الى انعدام الرعاية والتوجيه والتعليم للطفل الحدث الساكن فيه لقضاء مدة العقوبة).وترى القاضية فوزية سلام - وكيل نيابة الأحداث أن استحداث شرطة قضائية متخصصة للأحداث يعد خطوة إيجابية، وتقول: (قضايا الأحداث بحاجة إلى سرعة في اجراءات التحقيق والحكم، ووجود شرطة للأحداث يساعد في ذلك، ونأمل بالفعل أن تكون هناك خطوات متقدمة لمساندة هذه الشريحة، والارتقاء بمستوى التعامل معها).[c1]الأحداث .. ماذا بعد؟[/c](بطاش) فقط أنموذجا لتفاصيل تعددت حولها التقارير والدراسات، وازدادت فيها المسميات: المصلحة الفضلى للطفل، العدالة التصالحية، نظام العدالة الصديق للأطفال، وفوق كل ذلك يأتي قانون رعاية الأحداث. [c1]حبر على ورق[/c]يعرف الحدث في القانون بأنه كل شخص يرتكب فعلا أو جرما قانونيا ما بين السابعة والخامسة عشرة، وينص القانون رقم (24) لسنة 1992م والمعدل بموجب القانون رقم (26) لسنة 1997م، في إحدى مواده على رعاية الحدث من خلال تأهيله والعناية به وتربيته تربية تجعل منه إنسانا صالحا في المجتمع قادرا على العيش والعمل الشريف.تطبيق قانون رعاية الأحداث يعتمد على جهود منظومة متكاملة وإلا فسيظل حبرا على ورق![c1]السن القانونية للحدث[/c](صباح) حكاية وجع أخرى لطفلة أودعت أحلامها سجن عدن المركزي وهي في سن الـ 12 سنة بتهمة القتل، تجاوز عمرها الان السن القانوني للحدث، وحكم عليها بالإعدام! هناك مطالبات بتخفيف الحكم، لكن هذا ليس بذات جدوى، فهذه معالجة لقضية واحدة وليس للمشكلة الأساسية وهي سن الحدث.ظل أعضاء البرلمان وعلى مدى سنوات وبضغط مجتمعي، يناقشون إمكانية رفع سن الحدث إلى (18 سنة) وهي سن الطفولة المحددة في الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل، مازالت القضية معلقة، ومازال الطفل يعاقب معاقبة الكبار، وبهذا الخصوص أظهرت نتائج دراسة لهيئة التنسيق للمنظمات اليمنية غير الحكومية لرعاية حقوق الطفل على السجون المركزية والاحتياطية ومراكز التوقيف الخاصة بالأطفال والأحداث بأن السجون ومراكز التوقيف تشكل خطرا على القابعين فيها من الأطفال، وتساعد على انتهاك حقوقهم الإنسانية.[c1]بيئة غير ملائمة[/c]قضية (صباح) ليست الوحيدة لطفلة وجدت نفسها في سجن الكبار، فهناك العديد ممن هم في سن الطفولة يقبعون في السجن المركزي، هذا ما أكده د/ عبد الوهاب شكري، حيث قال: (نفتقر في السجون إلى المقومات الأساسية في التعامل مع الأطفال الأحداث، هناك غياب للكادر المتخصص، إضافة إلى انعدام الخدمات المطلوبة، وهذا ينطبق أيضا على دور الأحداث للفتيان والفتيات، لأن التعامل مع الأحداث يتطلب قبل أي شيء استعدادا نفسيا للتعامل مع هذه الشريحة، والكادر بحاجة إلى تأهيل وإشراف ومراقبة، فحماية الطفل ليست فقط وجود طقم عسكري، بل هي منظومة متكاملة تراعى فيها الجوانب النفسية وكل ما يحفظ للطفل كرامته).وأضاف: (الأطفال الأحداث الذين تجاوزوا سن الـ15 سنة هم في الأساس في سن الطفولة استنادا إلى قانون حقوق الطفل، والاتفاقيات والمواثيق الدولية، ولأن سن الحدث منخفض فالسجن المركزي يستقبل من تجاوز السن المحددة للحدث حتى بيوم واحد).هل هناك رصد لحالات الأطفال المودعين في السجن المركزي؟ سألته، فأجاب: (بالتأكيد هناك رصد لكل الحالات، فالسجن أستقبل خلال الربع الأول من العام الجاري ما يقارب (18) طفلا تتفاوت أعمارهم بين (15) و(18) سنة). وحول أهم المسببات التي تؤدي إلى ارتكاب الأطفال للجرائم قال: (الفقر وحالة العوز المادي التي تعاني منها الكثير من الأسر، وكذلك الجوانب الاجتماعية من تفكك أسري، وتفشي ظاهرة التسرب من المدرسة، ورفاق السوء، وغيرها الكثير).[c1]ضحايا في قفص الاتهام[/c][img]ahdaat3.jpg[/img]في المركز النموذجي للأحداث كانت لنا وقفة تساءلنا فيها عن دور المركز ومهامه الأساسية .. المركز الذي يقع على خط عقبة عدن استحدث وفقا للهيكلة الجديدة لوزارة الداخلية .. هذا ما جاء على لسان مديرة المركز عقيد/ ماجدة محمد منصور التي بينت أن المهمة الأساسية للمركز هي استقبال الأطفال الأحداث المحالين من مراكز الشرطة في مختلف مديريات محافظة عدن، وإجراء التحقيقات الأولية معهم، منوهة أن المركز يستقبل أيضا بلاغات المواطنين بشأن ارتكاب الأطفال لبعض الجنح.وحول نوع القضايا التي يستقبلها المركز، قالت: (أكثر القضايا المحالة إلينا من أقسام الشرطة، وبلاغات الأهالي هي عبارة عن قضايا سرقة وشروع في لواط وإيذاء عمدي واغتصاب موجهة لأطفال لا يتجاوز عمرهم الـ 15 سنة، وهذة هي السن القانوني للحدث في اليمن، وبعد التحقيقات الأولية معهم يتم إحالتهم إلى نيابة الأحداث، أو دار التوجيه الاجتماعي، ومن مهام المركز أيضا متابعة القضايا والحصول على نسخ من الأحكام).وتضيف: (الطفل الحدث هو في الأول والأخير ضحية لأوضاع المجتمع، وما يزيد الأمر سوءاً أن سن الحدث في بلادنا (15 سنة) وهذا يعني أن الطفل الذي عمره يزيد عن السن المحدد حتى بيوم واحد يعاقب معاقبة الكبار، وهذه بحد ذاتها جريمة ضد الطفولة) .[c1]إثبات سن الحدث[/c] يؤكد د/ عبد المؤمن شجاع الدين - أستاذ الشريعة والقانون، في بحثه الخاص بإثبات سن الطفل المتهم أنه عند الشك في سن المتهم ينبغي على النيابة والقضاء تفسير هذا الشك لمصلحة الطفل طبقا للقواعد القانونية العامة في العالم بأسره والتي تفسر الشك لصالح المتهم، كما شدد على ضرورة إعادة النظر في وسيلة إثبات السن عن طريق الفحص الطبي من حيث عدم إسناد الفحص الطبي لطبيب واحد، بل تسند المهمة للجنة طبية - حسب تعبيره.من جانبها تقول المحامية هدى الصراري: (هناك تضارب واضح في القانون لتحديد سن الحدث تماشيا مع القوانين الأخرى، فالقانون المدني يحدد سن الطفولة بـ 18 سنة، وقانون الطفل بـ 15 سنة، لذا تسعى المنظمات الحقوقية المتخصصة بقضايا الاطفال وغيرها بالمناصرة والضغط على صناع القرار من المشرعين بتوحيد سن المسئولية الجنائية ورفعها إلى (18) سنة بدلا من (15) سنة تماشيا مع القوانين الأخرى) .[c1]هل من مجيب؟[/c](هروب فتاة من دار الأحداث أدى إلى مثول الطاقم العامل في دار التوجيه الاجتماعي للفتيات للمحاكمة.. ولأن الدار غير مؤهلة من جوانب عدة فلم نتمكن من إيداع الطفلة حواء التي تقبع الآن في سجن النساء.. ) هكذا تقول مديرة دار التوجيه الاجتماعي للفتيات انتصار الدالي، وتضيف: (ما زلنا نطالب بضرورة وجود شرطة نسائية لحراسة الدار، ورفع ميزانية التغذية والتطبيب لكن لا حياة لمن تنادي).(لا حياة لمن تنادي) عبارة انتهت بها الدالي وبدأت بها لولة سعيد مديرة دار التوجيه الاجتماعي للفتيان، وهذا يعني أن الهم واحد في الدارين: دار التوجيه الاجتماعي للفتيات ودار التوجيه الاجتماعي للفتيان! فهل من مجيب حي لنداء إنساني يدعو لرعاية آمنة للأطفال الأحداث؟![c1]نهج العدالة.. إلى أين؟[/c]أظهرت نتائج دراسة نفذتها المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي العام الماضي حول مدى تطبيق نهج العدالة التصالحية على قضايا الاحداث والأطفال المتهمين والمدانين بخرق القانون في بعض المحافظات اليمنية بأن العديد من الأحداث المودعين في السجون هم من الأرياف ومن محافظات أخرى ولعدم زيارتهم من قبل أهاليهم فإنهم يعانون من حالات اكتئاب وشعور بالغربة والخوف والتعرض للابتزاز والاستغلال من قبل زملائهم الأحداث ومن قبل المسجونين الكبار بسبب ندرة زيارات الأهل وبالتالي يزيد انحرافهم.ونظام العدالة التصالحية له مؤشرات قياس لفاعليته وكفاءته متفق عليها دوليا أبرزها طول مدة الاحتجاز وعدد حالات الأطفال المتوفين في أماكن الاحتجاز ونسبة الأطفال المحتجزين مع البالغين في نفس المكان ونسبة المحتجزين في أماكن مغلقة أو محصورة لمرة واحدة على الأقل خلال فترة اثني عشر شهرا، ووجود نظام يضمن القيام بتفتيش مستقل ومنتظم على أماكن احتجاز الأطفال ومعايير وأعراف بشأن عدم استعمال القوة مع الأطفال المجردين من حريتهم وتدابيرهم التأديبية.وأوصت الدراسة بضرورة رفع سن الحدث إلى (18) سنة، وتفعيل دور الإدارة العامة لشرطة الأحداث في وزارة الداخلية، والمتابعة والمراقبة لأقسام شرطة الأحداث في وزارة الداخلية، وتفعيل دور المحامي للدفاع عن الحدث في النيابة وأقسام الشرطة، وتفعيل دور الاختصاصيين في التحقق من أوضاع الأحداث الاجتماعية والبيئية، ورفد محاكم الأحداث بالقضاة والإداريين والاستمرار في تدريب وتأهيل الكوادر العاملة في مجال الأحداث. [c1] أول الغيث[/c]لن يخلو المجتمع من أطفال يظلون في نزاع مع القانون طالما هناك مسببات لارتكاب الجنح أو الجرائم بأنواعها، ومعالجة ذلك ليس بالأمر الهين، لكن على أقل تقدير فإن تكاتف الجهود المجتمعية ربما يخفف من حدة المؤشرات المرتفعة.. وأول الغيث قطرة ..