صورة المرأة في قصص عبد الله سالم باوزير ( 3 - 3)
*أمل أحمد عبدَّن:صفات المرأةسأحاول في هذا المبحث الكشف عن صفات المرأة الإيجابية والسلبية من خلال تحليلنا للقصص في المبحث الأول.وقد حاولنا في المبحث السابق بعد الانتهاء من تحليل كل قصة توضح الصورة التي قدم بها القاص المرأة وهل هي إيجابية أم سلبية .والحقيقة أن الصورة تتراوح بين الجانبين الإيجابي والسلبي ,كما إن بعض القصص يمتزج فيها الجانبان الإيجابي والسلبي .أولا:الصفات الايجابية :ممالا شك فيه إننا لاحظنا من خلال تحليلنا للنماذج القصصية السابقة أن هناك الكثير من الصفات الإيجابية للمرأة عمد القاص إلى إبرازها.ومن تلك الصفات الشجاعة والصبر في مواجهة الأزمات ويتمثل ذلك في قصة (المتسللون) حين كانت المرأة شريكا فعليا وأساسيا في الحرب .وكذلك التضحية والبذل من أجل أولادها وقد تجلى لنا هذا في قصة (أمنية )والقصة هذه يمتزج فيها الجانب الإيجابي بالسلبي قد وضحت ذلك سابقا,وبإمكاننا أن ندرج قصة سقوط طائر الخشب في هذا الجانب.ومن الصفات الإيجابية ما يتجلى لنا في قصة( بريق وحريق) وهي قصة يمتزج فيها الجانب الإيجابي بالسلبي وتتمثل الصفة الإيجابية فيها من خلال نصيحتها لابنها بالحفاظ على ماله لضمان مستقبله .ومن الصفات الإيجابية التي حاول القاص إبرازها هو الوعي الذي نجده في كثير من النماذج القصصية .ففي قصة (أطفال وفئران) يظهر لنا القاص صورة للزوجة وإنها على قدر كبير من الوعي فهي تعي حقوقها وتتخذ قراراتها وإن كلفها الأمر إخفاء ذلك على زوجها .وكذلك نجد هذه الصفة في قصة (الهدية) حين تظهر فاطمة وعيا بدورها السياسي فتقرر مقاطعة الانتخابات.ثمة صفة أخرى بإمكاننا أن ندرجها ضمن الصفات الإيجابية ,هذه الصفة تتمثل لنا بوجود نماذج قصصية تصور لنا المرأة على قدر كبير من العلم والثقافة ونجد ذلك في قصة (الربيع والخريف) وقصة (حسك ومسك وزعفران).وعموما فإن باوزير قدم لنا الكثير من الصفات الإيجابية للمرأة في قصصه قلما نجدها عند غيره.حيث أبدى حرصا على إبراز تلك الصفات الإيجابية حتى في النماذج التي تقدم لنا المرأة بصورة سلبية ,نجد إن الجانب السلبي الذي يظهر فيه المرأة يمتزج بالإيجابي .ثانيا: الصفات السلبية :وبالمقابل فإن هناك صفات أخرى سلبية صور بها القاص المرأة في بعض القصص .حيث نجد الكثير من القصص تقدم لنا المرأة بقصور في العقل وولع بظاهر الأشياء والاهتمام بالطلبات الثانوية .ففي قصة( الأصلع ) تظهر لنا الزوجة بهذه الصفة,وكذلك نجد إن الزوجة في قصة( قطع غيار للسيدات )تبدي اهتماما ملفتا بالطلبات الثانوية ,ونجد في بعض القصص صفة أخرى كثيرا مانجدها في القصص والروايات وهي افتعال المشاكل والمشاحنات على نحو ما نجد ذلك في قصة (المعركة).بالإضافة إلى ذلك نجد بعض القصص تقدم لنا صورة للمرأة الطائشة المنحرفة ، وتعتبر قصة(إعلان زواج) نموذج واضح لهذه الصورة .ويجدر الإشارة إلى إن هناك قصص أخرى تصور لنا جوانب سلبية في المرأة لكن تلك الصور تقدم لنا المرأة كضحية ,فالقاص في هذه القصص يوجه الإدانة للمجتمع ولا يكتفي بالمرأة نفسها.بالإضافة إلى بعض القصص في نموذج المرأة الحبيبة والتي صور لنا بها القاص المرأة من خلال رؤية الرجل ,وجميع تلك الصور تصور المرأة كإطار لشهوات الرجل ,والقليل جدا تصور المرأة الحبيبة بصورة تخرج عن ذلك الإطار.وبشكل عام فان مايميز صفات المرأة السلبية في قصص عبد الله سالم باوزير إنه في بعض القصص لايصور المرأة بصورة سلبية خالصة بل يمزج الجانب السلبي بالجانب الإيجابي ,وفي بعض القصص الأخرى يقدم لنا المرأة كضحية للمجتمع حتى وإن كانت مخطئة .أبعاد الصفات :أولا: الأبعاد الاجتماعية :مما لاشك فيه أن هناك جوانب مشتركة بين بنية العمل القصصي وبنية الوسط الاجتماعي على نحوما ذهب» جولد مان» لذلك يجب أن نلم بطبيعة النظام الذي يسود المجتمع اليمني لنتعرف على مكانة المرأة في هذا المجتمع .والمجتمع اليمني كغيره من المجتمعات العربية التقليدية يسود فيه النظام الأبوي ,فالعائلة هي نواة التنظيم الاجتماعي حيث تتمحور حولها حياة الناس بصرف النظر عن أنماط معيشتهم .ويحتل الأب أساس التنظيم ,ولهذه المكانة التي يحتلها الأب تأثيرات في تحديد مكانة النساء .فالأب يتولى زمام الأمور في العائلة فهو المنتج والمالك ,أما بقية أفراد الأسرة فهم دونه في المكانة.وكان لهذه المكانة أن يحتل الأب مركز السلطة والمسؤولية ، ما أدى إلى انقسام العالم إلى عالمين :عالم يكافح فيه الرجال في سبيل تامين الرزق,وعالم خاص داخل البيت تمارس فيه النساء المهمات المنزلية من إنجاب وطهي وتنشئة الأطفال فكان العالم الأول عيبا على النساء مما أدى إلى حصرهن داخل البيت وبالمقابل اعتبر من العيب على الرجال أن يمكثوا في البيت .في هذا الإطار يمكن أن ندرج بعض قصص عبد الله سالم باوزير التي لاتشكل فيها المرأة أي أهمية خارج نطاق الأسرة ومن هذه القصص (اسود وابيض) و(ناصر) و(الأصلع) و(أمنية) و(وأطفال وفئران).وجميع هذه القصص يمكن إدراجها في هذا الإطار إلا أن هناك تطورات في المجتمع اليمني في تلك الفترة حيث بدأت إزالة الحدود بين الجنسين .و على الرغم من كل تلك التطورات إلا أن الأب مازال يحتل مركز السلطة والمسؤولية ولهذا على جميع أفراد الأسرة الامتثال والطاعة وعدم مناقشته فيما يراه مناسبا ,وان لايتدخل أي أحد منهم في حياته . وكان لصورة الأب هذه دور في تحديد صورة المرأة وفق رؤيته هو,وهذا نجده واضحا في نموذج المرأة الحبيبة حيث تحددت صورتها وفق رؤية الرجل وهي رؤية لاتتعدى كونها إطارا لشهواته .والمتأمل في قصص باوزير يجد أن المرأة تحتل في بعض القصص موقعا رئيسا ,حين كان لها دور في المقاومة والعمل الثوري مما يعطينا صورة واضحة للمرأة والدور الذي نهضت به لمواجهة الاحتلال وتعتبر قصة (المتسللون)نموذجا واضحا لما لعبته المرأة من دور .إلا إنها سرعان ماهمشت في المجتمع ,وكأنها لم تلعب ذلك الدور المهم.حين ينظر إليها بماهي موضوع وليس بماهي إنسان فيتم إبعادها من المسرح السياسي والاجتماعي وفق ذلك المجتمع الذكوري ,وهم في ذلك يزيحون المرأة مما يتبقى أن تتمتع به لتسهم في حمل أمانة إنجاب الرجل ووفق هذه الأبعاد الاجتماعية السابقة الذكر كانت قصص عبد الله سالم باوزير تدور في إطارها العام .ثانيا:الأبعاد النفسية:أما الأبعاد النفسية لتلك الصفات فهي كثيرة ومتعددة وبإمكاننا أن نحددها في جانبين ,جانب يتمثل وفق رؤية الرجل للمرأة والتي تكون وفق خلفيات ترسخت في وعيه الباطن نتيجة لموروثات اجتماعية كما سبق أن تحدثت عنها في الأبعاد الاجتماعية فالرجل يتمثل المراكز المهيمنة على كل أفراد الأسرة وهذه الرؤية التي تقوم على أساس الهيمنة فمن الصعب أن تتقبل نفسية الرجل أن يكون في مركز أقل من المرأة وهذا يمكننا أن نتمثله في قصة (أطفال وفئران) مثلا,والذي كان الرجل هو المهيمن الأول على الأسرة والزوجة وقراراته يجب أن تكون نافذة,هذا وفق نظرته للمرأة والتي كان للموروث الثقافي دور فيها كما ذكرت ذلك في التمهيد لهذا البحث والذي تم الحديث فيها عن الأمثال الشعبية والصورة التي قدمت فيها المرأة وصورة المرأة وفق رؤية الرجل ونفسيته لاتتعدى كونها إطارا لشهواته وقد سبق الحديث عن ذلك وهذا الجانب نجده كثيرا في قصص باوزير.أما الجانب الآخر وهو جانب يعتمد على سيكولوجية المرأة من خلال تصرفاتها وسلوكها مما يعكس نفسيتها .وهي في الكثير من القصص تظهر بصفات سلبية فتارة نلاحظ إنها تعاني من قصور في العقل وسطحية التفكير وقد وضحت ذلك في المبحث الثاني ولعل هذه الصفة تعكس جانباً نفسياً مهماً فمعظم من يتصفن بذلك هن من النساء الغير المتعلمات بالمقابل نجد صورة أخرى للمرأة والتي تكون على قدر كبير من الثقافة.وعموما فإن تلك التصرفات تعكس جوانباً شخصية المرأة ونفسيتها، فمن خلال تلك التصرفات نستطيع الكشف عن نفسية المرأة .ثالثا :الأبعاد الدينية :ممالا شك فيه إن للنص الديني أهمية كبيرة في نفوس المسلمين فهو المهيمن الأول لما يحيط بهم من أشياء .ولقد حدد الإسلام صفات كثيرة للمرأة وهو في هذا التحديد يعتمد على ثنائية خير ,وشر فالمرأة أما صالحة أو طالحة .وفي إطار تلك الأهمية الدينية كان الأدباء يصورون المرأة وفق إطار الدين لكن يجب أن لاننسى إن الكثير منهم لم يفهموا تلك الصورة في إطارها الصحيح,فوقعوا في الخلط بين صورة المرأة في النص الديني وصورتها في الموروث الثقافي .وتتجلى لنا في بعض قصص باوزير بعض الأبعاد الدينية ففي قصة (أطفال وفئران) نجد الزوج يرغم زوجته على الإنجاب بمعدل طفل كل عام ويرفض مجرد التفكير في إيقاف الحمل ويعتبره حراماً وهو في هذه النظرة ينظر للمرأة على أساس إنها للإنجاب فقط واعتبار إن الإسلام حث على التكاثر وعلى المرأة الولود.وهناك الكثير من القصص التي ترتكز على البعد الديني فمن الصعب أن نجد قصة تخلو من هذا البعد فمثلا نجد إن الإسلام جعل القوامة للرجل إلا إن القوامة تم فهمها على أساس الهيمنة والمجال لايتسع للحديث عنها .وعموما بإمكاننا القول إن كل تلك الأبعاد تتداخل وتمتزج بعضها ببعض بحيث يمكننا أن نعدها ككيان واحد .وتحفل عوالم السرد عند القاص عبد الله سالم باوزير بهذا الملمح في مجموعاته القصصية (الرمال الذهبية وثورة البركان والحذاء وسقوط طائر الخشب).والمتأمل في صورة المرأة في تلك القصص يلاحظ إنها متعددة ومتنوعة ، تتراوح فيها صورة المرأة بين الجانب الإيجابي والسلبي.وكشفت تلك الصورة في بعض الجوانب مشاركة المرأة مع الرجل في الثورة جنبا إلى جنب مع الرجل .والمتأمل لنظرة الرجل إلى المرأة في بعض تلك القصص يرى إنه ينظر إليها على إنها مخلوق خلق للجنس والحب والمتعة ، فهي لاتخرج عن كونها إطارا لشهواته .وفي المقابل كانت هناك نماذج أخرى تقدم صورة للمرأة المضحية في سبيل أولادها ووطنها.ويتداخل في بعض القصص الجانب الإيجابي بالجانب السلبي على نحو يصعب فيه تحديد الصورة و هل هي إيجابية أم سلبية.ونلاحظ إن القاص قدم في بعض القصص المرأة كضحية رغم أخطائها فهو ينتقل من الإدانة المباشرة لها إلى المجتمع.