د . زينب حزام على الرغم من هذه الحقائق العلمية والثقافية فإن هناك فئة كبيرة من الباحثين تؤكد أن الحضارة في عدن تميزت بالإبداع انطلاقاً من الهندسة المعمارية في بناء الصهاريج وقلعة صيرة في عدن وبناء القصور والمتاحف والجوامع والزخارف الفنية للمباني التي تميز بها الغساسنة إضافة إلى صناعة الآلات الموسيقية المختلفة وأشهرها (القنبوس) وطوله من 90 إلى 100 سم وعرضه 25 سم وعمقه بين 12 و 15 سم وان أساليب العزف عليه أما بالتفريق كما يظهر من عرق ( المطول) أو بالخلط الذي يعطي بعداً موسيقياً هارمونيا كما يذكر القاموس أن أول من أشار إلى القنبوس كان (أي لان ) في لندن 1863م ولان هذا هو الذي أشار ايضاً إلى ذكر ابن المقريزي ( توفي 1223م) لطنبور أهل اليمن الذي يسمونه ( المعزف) وهي الآلة التي اسماها الزبيدي ( توفي في 1790) القنبوس في كتابه تاج العروس ويوجد القنبوس في متحف لندن بهولندا وهو القنبوس الذي أتى المستشرق الهولندي الذي اعتنق الإسلام هرجونية ( توفي في اندونسيا في 1913م ) كما أن خديوي مصر أهدى متحف الجنوب كنجثون في عام 1874م ربابة تشبه صندوق القنبوس ومشط مفاتيح العود محدودة في قطعة خشبية واحدة وأسفلها محفورة في قطعة خشبية واحدة مغطى بالجلد. يقول الباحث الموسيقى اليمني عبدالقادر قائد محاضر في معهد الفنون الجميلة بعدن عن (القنبوس) : « وبعد قراءة الكثير من المصادر التي تناولت القنبوس نجد أن له اثراً في كثير من بقاع العالم. وهذا يقودنا إلى البحث عن معنى واصل التسمية وما اشتق منها فنحن في اليمن أن لم نسميه الطوبي سميناه بالقنبوس والكبج كما أشار غانم الأب صاحب شعر الغناء الصنعاني وهو العود المصري والشامي الذي نعرفه اليوم. لقد ذكر ابن خرداذبة قنبوزات الأنماط والجرمك ويذكر عبدالقادر غيبة في مخطوطته بالمتحف البريطاني المسماة ( برسالة الألحان) والمكتوبة في القرن الخامس عشر الميلادي ( القنبوز الرومي ) وأشارت التركية افيليا شلبي ( توفيت في 1679م) إلى أن القابوز من اختراع وزير السلطان العثماني محمد الثاني توفي 1481م وذهب الدكتور محمد محمود سامي حافظ في كتابه تاريخ الموسيقى والغناء العربي إلى ان القنبوس صحفت من (القنبوز). الشيخ عوض المسلمي وإسهاماته في تطوير الأغنية العدنية في عام 1860م رحلت الأسرة بكامل أفرادها في رحلة داخلية من محافظة شبوة صوب حضرموت على قافلة من الجمال وفي قرية بئر علي الواقعة على الشريط الساحلي بين محافظتي شبوة وحضرموت توقفت قليلاً لتشهد ولادة الفنان عوض عبدالله المسلمي حتى انه لقب بعوض البيئر جاء ذلك في كتاب ( المسلمي حياته وفنه ) لمؤلفة الشاعر احمد بو مهدي كما جاء في قصة حياة الفنان الخالد الذي ينحدر من أسرة ميسورة الحال سيطرت الأمية على افرداها نتيجة التخلف في الريف والمدينة. كان المسلمي يجيد العزف على السمسمية إجادة تامة. كان وصوله إلى عدن 1928م وفيها تعرف على الفنان عمر محفوظ غابة الذي أعجب بصوت المسلمي فقرر اصطحابه إلى حفلات المخادر والمقايل كضارب على الدف والدربوجة وكان لا يبخل بالتشجيع حيث كان يتيح له فرصاً كبيرة للغناء ويقوم بتعليمه ضبط أوتار العود تمهيداً للبدء في تعلم العزف عليه فنجح المسلمي وهو ضرير في العزف على العود وضبط الأوتار فكان سريع الالتقاط والحفظ وكما يقال أن الشيخ علي أبو بكر باشراحيل كان يخشى أن يغنى أغنية جديدة وصلت إليه من صنعاء أو يافع بوجود المسلمي في مخدرة أو أي مكان لأنه كان سريع ما يلتقطها. ذاع صيث المسلمي ولمع اسمه الفني نتيجة مشاركته الكثير من حفلات الزواج ومجالس القات وتجاوزت شهرته عدن إلى ريف الصومال وجيبوتي وكون لنفسه تختاً موسيقياً صغيراًُ اختار له بعض العازفين امثال محمد سعد عبدالله الذي استفاد من صحبته للمسلمي حيث أتيحت له الفرصة للتعرف على ألوان الغناء اليمني وأساليب أدائه ما أدى إلى تدعيم الروح الفنية في أعمالة. أول أغنية سجلت للمسلمي على اسطوانات كانت للشاعر عبدالمجيد الاصنج ( من للباب ذا المغلق ) على لحن أغنية القمندان الشهيرة ( حالي يا عنب رازقي ) وذلك في عام 1951م. الفن عند المسلمي انضباط والتزام لقد كان المطرب عوض عبدالله المسلمي يتمتع بصوت جميل ويعد من المجيدين للموشحة اليمنية ويحفظ الكثير من القصائد اليمنية والعربية الأمر الذي جعله في قائمة كبار المطربين أمثال الشيخ أبو بكر با شراحيل وفي أيامه الأخيرة أصيب بمرض السرطان وسافر إلى الكويت لتلقي العلاج حيث مكث هناك ثلاثة أشهر عاد بعدها إلى عدن وهو يشعر بتحسن كبير في صحته وذلك في عام 1975م ولكن المرض عاوده بغتة وقضى عليه يوم السبت الأول من نوفمبر من العام نفسه بعد عمر طويل قضى سبعاً وأربعين سنة منه في خدمة الفن اليمني. من أغاني التراث الموسيقي القديم يقول الشاعر عبدالله الناخبي في قصيدته الغنائية « عظيم الشأن » والتي قام بتقديمها بصوته الرائع الفنان الكبير الراحل محمد مرشد ناجي وأغنية « عظيم الشأن « للشاعر عبدالله الناخبي هي من أغاني التراث بالإيقاع اليافعي : عظيم الشأن يسر لي مرادي ولا طف سائلك ثم اعف عنه بأهل البيت سادات العباد وسيلة من دعاك بحسن ظنه يقول ابن الشريف ذي في فؤادي عجائب كل عاشق يجهلنه عرفت الناس خافيهم وبادي نظرت أفعالهم فاحذرت منه وجربت المحب مع المعادي وجدت على قلوبهم أكنه إذا ضحكوا فداخلهم السواد لهم في العيب قلوباً مظلمنة وخيرة ما عزمت على الفراد وعزلي عن جميع الناس جنه يسبوا الناس بالسنة حداد وعند لقاك مالك للاعنة انالي دمع كالأنهار جار عيوني من فراقك يسكبنه فخاف الله يا ملك قيادي تواعدني تنال الخير منه ولكن صادني سمسم فؤادي رشا أكل الغواني يخد منه رشيق أهيف مخصب بالزبادي ومن شاهد عيونه يفتننه وقد حرمت شربي ثم زادي وعقلي والفؤاد فارقتهنه تواصلني أريد لثم الأيادي سلام العبد يا فتان سنه إلهي أنت ساقي كل وادي ومحصي للسحاب وما تشنه ورازق كل مخلوق وهادي تفرج كربة المحزون عنه وصلوا ما حدا في العيس حادي وما سارت إلى طيبة اعنه
|
ثقافة
التراث الموسيقي وإسهامات الشيخ والفنان الراحل عوض عبدالله المسلمي
أخبار متعلقة