إن علوم التشريح والفسيولوجيا فتحت أعيننا على عجائب ومدهشات يقف أمامها العقل مذهولاً .نعلم الآن بالحساب والأرقام أن الرئتين فيهما من وسائل تنقية الدم وتهويته سبعة أضعاف ما نحتاج إليه من النسيج التنفسي..وبالمثل في الكليتين احتياطي فائض عن الحاجة سبعة أضعاف اللازم لحفظ الحياة...ونجد هذا الكرم والسخاء أيضا في نسيج مثل الكبد وعضلات القلب وكريات الدم الحمراء وكرياته البيضاء ..هنا يد الخالق وحكمته ومحبته مبسوطة على آخرها ، ويقول لنا التشريح أيضا أن العصب البصري فيه أكثر من مليون خط عصبي تتشابك كلها لتصنع شبكية هي قاع العين حيث تقع الصورة ويتم التقاطها في دقة فائقة وحيث نرى في العتمة وأحيانا في الظلام ونميز بين درجات اللون الواحد وبين اختلاطه ما يذهل .أما قدرة الأذن على التمييز بين درجات الصوت ونوعياته فتفوق معجزة الإبصار.. فالأم قد تعجز عن تبين وجه طفلها الضائع في الزحام ولكنها تستطيع أن تميز صوت بكائه من ألف صوت..وإذا وصلنا إلى المخ فنحن أمام خارقة الخوارق ...فهاهنا مجمع خطوط عصبية أشبه بمفتاح هائل يلتقي فيه أكثر من مائة مليون خط عصبي كلها تعمل معا وفي وقت واحد في تلقي الرسائل وتحليلها والرد عليها ...في كل لحظة يصل إلى المخ شلال من الإحساسات من الجلد والأحشاء والعين والأذن ويخرج من المخ ذاته في ذات اللحظة طوفان من الردود في كابلات عصبية توصل كل رسالة الى مكانها .جميع العضلات تبعث إلى المخ في ذات اللحظة تفاصيل غاية في الدقة على ما يطرأ عليها من توتر وانقباض وارتخاء وعلى المخ أن يرد في ذات اللحظة بالتعليمات المطلوبة للحصول على أي وضع نريده، وهكذا نستطي أن نقف على رأسنا أو نمشي على أيدينا أو نحفظ توازننا على قدم واحدة دون أن نقع .وهكذا نجد أن عملية حفظ التوازن هي عملية معقدة من آلاف الضوابط, كل عضلة لها مخ إلكتروني صغير ومركز تنظيم في الدماغ, والمراكز العديدة لها مجمع ترابط ينظمها جميعا، ثم يخضع كل هذا للإرادة والاختيار .فاذا اعترفنا أن فوق المخ شيء أعظم هو العقل , وأن المخ ليس إلا الجانب الآلي من عملية شديدة الغموض .وأن العقل هو السيد ، هو الذي يأمر وهو الذي يتكلم من وراء هذا المفتاح العجيب... فنحن في النهاية أمام معجزة أكبر , ذلك العقل الذي حاربنا به الميكروب وروضنا به الأسد واصطدنا به الأرنب واخضعنا به وحوش الغاب....ذلك العقل الذي بنينا به الأهرام والسدود ونقلنا الجبال من مكانها وهدمنا الإمبراطوريات وأقمنا إمبراطوريات... وأخيرا صعدنا إلى القمر وسبحنا إلى النجوم .ها نحن كلما اكتشفنا آية من آيات كرم الخالق قادنا تأمل هذا الكرم إلى كرم أكبر وعطاء أكبر..ومن وراء العقل يقودنا التأمل إلى الروح ...سر الأسرار ...وذروة العطاء الرحماني..وهنا يعجز القلم ويسكت الفكر حياء أمام نعمة لا يملك الخيال أن يحيط بها، إذ يصفها الخالق بأنها فيض منه فيقول عن خلق آدم عليه السلام «فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين» فهي نور نوره .. تعالى وتبارك في سماواته الذي خلقنا باسمه الكريم الوهاب وتناهت عطاياه فما تناهت ... وما استطاع قلم أن يحيط بكرمه أو يحصر أفعاله..
|
المجتمع
هل فكرت مرة في نفسك وجسمك ؟
أخبار متعلقة