حروب “إسرائيل” على الفلسطينيين والعرب هي حروب استباقية في طبيعتها، وهي تتجه إلى اجتثاث كل الإمكانيات في المستقبل العربي بشرياً وتكنولوجياً واقتصادياً . ترمي استراتيجية الحروب الاستباقية “الإسرائيلية” إلى تحويل المحيط العربي إلى ساحات من التصدع الداخلي والخراب والدمار والتخلف والإفقار التام .ولم تكن الحرب على العراق حرباً من أجل النفط بل حرباً لأجل “إسرائيل” بدمار هذا البلد العربي وتنحيته استراتيجياً في الصراع مع الدولة الصهيونية .لقد أعادت الحرب “الإسرائيلية” على غزة القضية الفلسطينية إلى الواجهة والمركز من جديد بعد زمن من تصدر حروب الربيع العربي الأهلية . هذا صحيح، لكن هذه الحرب على غزة تعيد ربط الحروب الداخلية العربية بالسياق العام الاستباقي للحروب الصهيونية على العرب حيث الحرب الحالية على غزة هي الذروة الآن في هذه الحروب الاستباقية على العرب .غزة هي صورة من المشهد التدميري للمستقبل العربي الذي أخذ مساراً إجرائياً خطيراً منذ غزو العراق واحتلاله حيث لم يكن الربيع العربي وما فجره من انقسامات أهلية وحروب بينية في المحيط العربي المحاذي للدولة الصهيونية إلا المرحلة التالية لتلك الحرب .هل كانت “إسرائيل” تحتاج سبباً أقوى للحرب على الأطفال الفلسطينيين من قتل الفتية الثلاثة من أبناء المستوطنين؛ في رد فعل أولي تم قتل العديد من الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس على يد الجيش “الإسرائيلي” . ولقد اختطف وقتل محمد خضير بحرقه حياً على يد مجموعة من المستوطنين . ولكن ذلك لن يكون كافياً بالطبع لـ“إسرائيل” القائمة على العقيدة العنصرية والتي لا تتساوى عندها حياة العربي مع “الإسرائيلي”، بل يجب أن يذهب الآلاف من العرب قتلى في مقابل موت “إسرائيلي” .لقد شرعت “إسرائيل” وكرد فعل لقتل الشباب الثلاثة في شن حرب انتقام جماعية ومعركة استباقية أخرى موجهة ضد إمكانيات المستقبل الفلسطيني والأجيال الفتية التي تشكل أعدادها نسبة كبيرة في القتلى بواسطة آلة الإجرام والوحشية الصهيونية، بمعنى أن هذه الأجيال هي محل استهداف مقصود ممن يديرون هذه الحرب .أن تكون حرب غزة موجهة ضد الأطفال الفلسطينيين كفعل انتقام رمزي وفعلي ليس أمراً خافياً علينا نحن فحسب، بل كذلك على الإعلام الغربي الذي ينقل الأحداث وشن الحرب على غزة كرد فعل دموي ممتد وكمباراة انتقامية بشعة من طرف واحد ودون أن يتوقف هذا الإعلام “الموضوعي” ليتحدث عن هذه الخلاصة المرعبة .لقد شنت “إسرائيل” كل حروبها على العرب باسم حق الدفاع عن نفسها وهذا الحق غير المحدد والمعرَّف قد أثبت في العقد الأخير أنه يستهدف “إسرائيلياً” وأمريكياً اجتثاث الواقع البشري والمجتمعي العربي بحضاريته وأمنه وقوته وكرامته الإنسانية واستبداله بملايين من المتشردين واللاجئين ومجتمعات من الخوف والرجوع إلى الخلف حضارياً، وهذا ما يحدث في بلدان الربيع العربي .ها هي غزة التي دمرت الدولة الصهيونية كل المقومات الطبيعية لحياة سكانها، وأغلقت عليها كل إمكانيات التطور والنمو البشري والاقتصادي وشنت عليها الحروب المتتالية، ها هي لاتزال تشكل “تهديداً” لـ “إسرائيل” في المفهوم “الإسرائيلي” والأمريكي ولذلك يبرر أوباما الحرب عليها كحق “إسرائيلي” في الدفاع عن النفس .المعنى أن هذه الحرب هي حرب وجود “إسرائيلية”، وبالتالي فهي جزء من الحرب الاستباقية اللانهائية على الفلسطينيين والعرب . ومن هنا، فإن حرب غزة التي تقتل أطفال فلسطين وتضرب في لحم الشعب الغزاوي هي جزء من منظومة حروب الربيع العربي في أهدافها وتفسيرها وسياقها الكلي .وها هي حرب غزة تستغل من الأطراف الراعية والداعمة للربيع الدموي، تركيا وقطر، وبكل نفعية واستغلالية لإشعال مزيد من الانقسامات والصراعات الداخلية ومحاولة إسقاط دول لم تسقط .
حرب استباقية أخرى
أخبار متعلقة