العوالق في التاريخ
هذا الكتاب من الدراسات التاريخية التي استندت إلى عدة مرجعيات من صور وخرائط وبيانات ليقدم لنا الكثير من المعلومات عن بلاد العوالق عموماً ومخلاف احور خصوصاً، بداية مراحل التاريخ القديم وموقع المكان في الازمنة البعيدة، كما هو اطلالة على دور المنطقة بعد ظهور الإسلام، كذلك يقدم دراسة عن اصول العوالق ونسبتهم وتسلسل سلاطين العوالق وفترات حكمهم.كما يبحث في مرحلة الحماية البريطانية، والمعاهدات وما كان لذلك من انعكاس على الواقع الاجتماعي والسياسي، وحقبة الاتحاد الفدرالي، وما ترتب على هذا من تطور في أكثر من مجال.مؤلف الكتاب هو السيد أبوبكر العدني ابن علي بن ابي بكر المشهور، وقد صدرت الطبعة الاولى عام 2007م، عن دار الفتح للدراسات والنشر في الأردن.من المعلومات التي يقدمها لنا الكاتب عن قبائل العوالق السفلى يذكر قائلاً: (تمتد بلاد العوالق السفلى من بحر العرب جنوباً حتى حدود الكور وبلاد الواحدي شمالاً ومن حيد يحيى غرباً حتى حدود عرقة الساحلية شرقاً وما يحاذيها من بلاد الواحدي كما كانت تسمى قديماً، وتنتشر في هذه المساحة الواسعة قبائل وفئات اجتماعية عديدة تختلف في عراقتها التاريخية بالمنطقة.وتعتبر مدينة احور العاصمة الأولى للسلطنة في آخر مراحل تطور العهد القبلي، حيث كان مقر السلطنة بادئ ذي بدء في منطقة الحيق أو الحالق بالمنقعة ناحية المحفد وكان للدولة حصن معروف بالشقماء يسكنه سلاطين البلاد، ثم انتقل الحكم من الحاق إلى أحور، وكان بادئ ذي بدء في ناحية الرواد قريباً من الجبل، ثم انتقلت السلطنة إلى أحور المعروفة اليوم، ومن أهم مدن العوالق السفلى المحفد، وهي العاصمة الثانية، وهي السوق الذي تجتمع فيه قبائل آل سعد المنتشرين في أودية المحفد المنقعة وما حولها.ومن أهم أوديتها (حمراء) وفيه قرى عديدة منها لباخة والخور والعرقين والجانح والشقيب ووادي رفض ووادي مريع والجبر.ويتبع أحور عدة قرى منها امبسطي وحناذ والرواد والشواق والمساني والمحصامة والبندر وجول الهيل وجول الشوير حية وحصن بلعيد والملحة وغيرها. تعد فترة الاهتمام البريطاني ببلاد العوالق من المراحل التاريخية والسياسية المهمة في العصر الحديث، فهي تعود إلى عهد حكم المقيم السياسي البريطاني البريد يجادير وليام كوجلان والذي حكم عدن من عام 1856م حتى عام 1863م وكان عهد السلطان منصر بن ابي بكر بن مهدي، وهو أول اهتمام بريطاني يرجع إلى عام 1863م، حول العلاقة بين حكومة عدن البريطانية والقبائل المحيطة بعدن، فقد كانت سياسة كوجلان مع السلطان علي بن محسن بن فضل العبدلي سلطان لحج ودية، غير ان علاقته ساءت مع قبائل الفضلي والعقربي بسبب عدم الاستقرار في الطرق المرابطة ما بين مناطقها وعدن، وهو ما دفع كوجلان إلى الاتصال بقبيلة العوالق السفلى القوية، بعد ان أدرك بان السلطان العبدلي يفتقر للقوة اللازمة للدخول في صراع مع تلك القبائل.وقد نجح كوجلان وضمن عدم انضمام العوالق السفلى للفضلي ضد سلطان لحج، كذلك نجح في منع العوالق العليا من التحالف مع الفضلي، كما قام بعدة عمليات هجومية ضد القبائل غير المتحالفة معه حتى يجبرها على ادخالها في مواقف موالية لحكومة عدن البريطانية.عام 1855م عملت السلطات البريطانية على التمهيد سراً لزيارة كوجلان للعوالق السفلى عبر اتصالات متعددة، حيث قام برحلة بحرية حول خليج عدن على ظهر الباخرة (سراميس) كما قام بزيارة زعيم العوالق السفلى، وجرى التوقيع على عدة معاهدات، منها اتفاقية تحريم تجارة الرقيق، ومن وثائق تلك المرحلة، ما جاء في كتاب وكيل وزارة الشؤون الخارجية لحكومة الهند والمعروف باسم (مجموعة معاهدات والتزامات وسندات متعلقة بالهند والبلاد المجاورة). وهذا هو نص الاتفاقية:عدن ـ العولقي ـ رقم 35 ـ 1855م رقم 35ترجمة اتفاقية مع مشايخ العولقي لتحريم تجارة الرقيق ـ 1855.ان الغرض من تحرير هذا العهد تفرضه دوافع انسانية والتزام بالمبادئ التي تسير عليها حكومة انجلترا العظمى، اننا نعير اذاناً صاغية إلى مقترحات صديقنا البريجادير دبليو . أم كوجلان حاكم عدن، واننا نتفق معه ومع بعضنا بعضاً بالغاء وتحريم تصدير الرقيق من أية منطقة في افريقيا إلى آسيا أو اية بقعة تحت سلطتنا.اننا الموقعين ادناه ملتزمون بهذا التعهد وبشهادته تعالى نعلن للملا اجمع عن نيتنا لتحريم تصدير الرقيق من افريقيا بكل الوسائل الممكنة لدينا، واننا لن نصدر أحداً كما اننا لن نسمح لرعايانا ان يفعلوا ذلك، وفي حالة استيلائنا على أية باخرة محملة بالرقيق فاننا سنصادر الباخرة، ونطلق سراح الرقيق، والسلام.السلطان منصر بن بوبكر بن مهدي العولقيوقعت في أحور في الرابع عشر من أكتوبر سنة 1855م.السلطان ابوبكر بن عبدالله بن مهدي العولقي وقعت في نفس المكان والتاريخ.شهد على ذلك السيد محمد بن علي الجفري.وكانت هذه الاتفاقية البداية البريطانية التي خولت لها التوسع في اراضي العوالق السفلى.امتدت المسافة الزمنية ما بين المعاهدة الأولى والثانية 33 سنة، وهي فترة التهيئة التي رسمتها حكومة عدن البريطانية حتى تمرر سياستها المستقبلية في هذه المنطقة، وجاءت معاهدة الحماية الموقعة في عدن بتاريخ 2 يونيو 1888م متميزة بشمول الموافقة عليها من كافة بيوت السلطنة وفروعهم بالعوالق السفلى.ثم جاءت معاهدات اخرى نذكر منها هذه المعاهدة.معاهدة الصداقة والأمن مع مشيخة العوالق العليا.عدن ـ العولقي - رقم (33) 1903م 1321 هـ العولقي ـ رقم (33).معاهدة مع الشيخ بن فريد بن ناصر اليسلمي العولقي رغبة من الحكومة البريطانية والشيخ محسن بن فريد بن ناصر اليسلمي شيخ (العوالق العليا) في ان يقيما علاقة صداقة وأمن، فقد سمت وعينت الحكومة البريطانية الميجور جنرال بلهام جيمس ميتلاند (سي ـ بي) المقيم السياسي في عدن إبرام هذه الاتفاقية، ولقد اتفق الشيخ محسن بن فريد بن ناصر اليسلمي والميجور جنرال بلهام ميتلاند : المادة (1) ستنشأ علاقة أمن وصداقة بين البريطانيين وأهل العوالق العليا، وأن للرعايا البريطانيين وقبائل العوالق العليا الخاضعة لإمرة الشيخ المذكور مطلق الحرية أن يتنقلوا في أراضي كل منهم دون تعسف أو كراهية وفي ظل احترام دائم متى شاؤوا وحيثما حلوا. إن الشيخ المذكور أعلاه وكل الأعيان سيزورون عدناً متى شاؤوا، وسيلقون خلال زيارتهم كل احترام، كما سيسمح لهم بحمل أسلحتهم. المادة (2) تنازلاً عند رغبه الشيخ محسن بن فريد بن ناصر اليسلمي شيخ العوالق العليا فإن الحكومة البريطانية تبسط حماية صاحبه الجلالة الملكة على أراضي الشيخ المذكور وملحقاتها الخاضعة لسلطته واختصاصه. المادة (3) يوافق الشيخ محسن بن فريد بن ناصر اليسلمي، ويعد عن نفسه وورثته وخلفائه وكل قبائل العوالق العليا المنضوية تحت إمرته أن يمتنع عن الدخول في أية مراسلات أو عقد اتفاقيات أو الدخول في معاهدات مع اية أمة أو دولة أجنبية وأن يبلغ فوراً المقيم السياسي في عدن أو أي ضابط بريطاني آخر عن أية محاولة من اية دولة خارجة للتدخل في شؤون وأراضي العوالق العليا وملحقاتها. المادة (4) يلتزم الشيخ محسن بن فريد ناصر السلمي عن نفسه وورثته وخلفائه وإلى الأبد بألا يتنازل أو يبيع أو يرهن أو يعهد ويؤخر من أراضي العوالق العليا التي تحت إمرته وفي أي وقت إلا للحكومة البريطانية.المادة (5) يعد الشيخ محسن بن فريد بن ناصر السلمي عن نفسه وورثته وخلفائهم أن يتركوا الطريق مفتوحاً في أراضي العوالق العليا وملحقاتها الخاضعة لسلطته واختصاصه، ويعد أيضاً أن يحمي الأشخاص المارين في اتجاه عدن لأغراض التجارة، وكذا العائدون منها. واعتباراً لذلك فإن الحكومة البريطانية توافق على أن تدفع للشيخ المذكور ولخلفائه مخصصاً شهرياً قدره (60) ريالاً نصفه ثلاثون. المادة (6) يسري مفعول هذه المعاهدة من تاريخه وبحضور الشهود تم التوقيع ووضع الاختام في عدن يوم الثامن من ديسمبر 1903م. بي . جي . ميتلاند الميجور جنرال المقيم السياسي - عدن. إبهام الشيخ محسن بن فريد بن ناصر في عام 1925م أسس الانجليز جيش الليوي ، وكلمة الليوي تحريف هندي للكلمة الانجليزية ليفي وتعني القوات المجندة، وكان يضم مجندين من العوالق أكثر من المناطق الأخرى، وكان قائده (ليك) يميل إلى اختيار الجنود من هذه المنطقة، وكان جيش الليوي يعد جزءاً من القوة الجوية الملكية البريطانية وضباطه من فرقة الطيران في لندن. مع بداية الثلاثينات من القرن الماضي أخذ اسم العوالق في الجيش يبرز، وسعت الحكومة البريطانية إلى استخدام هذا الجيش في زيارة مناطق المحميات بهدف إحكام السيطرة عليها. ومن تلك الزيارات ، تلك الرحلة التي قام بها الضابط ليك عام 1931م من عدن إلى العواذل والعوالق وبيحان وغيرها من المناطق ، وكان معه الطابور العولقي من جيش الليوي بقيادة محسن علوي. وقد ظهر عدد من أبناء العوالق كقيادات في جيش الليوي، ومنهم: أحمد بن صالح مقطري، مبارك السحم، الخضر محمد عولقي ، عوض بن عبدالله عولقي ، محمد بن سهيل عولقي ، يسلم بن ابوبكر عولقي ، محسن بن علوي عولقي ، يسلم بن رويس عولقي. وأشار هاملتون في كتابه الطريق الوعر، وهو المعين سنة 1934م بدلاً عن ليك: ( إلى العوالق ومكانتهم العربية ونخوتهم القبلية ). عن امتداد النفوذ البريطاني إلى بلاد العوالق وما حولها ودور القبائل في المقاومة يقول الكاتب: ( بدأت الحكومة البريطانية سياسة مد النفوذ إلى بلاد العوالق بطريقتها المعهودة بدءاً بالمعاهدات ذات الطابع الدبلوماسي، ثم المساعدات والأعطيات والمرتبات السنوية، ثم الاعتناء بتوظيف أبناء السلطنات في الجيش والحرس، ومن ثم صار الكثير منهم يمهدون الطريق لإدخال النفوذ الحكومي والإدارة الحديثة إلى الأرياف الغارقة في التخلف والعلاقات الاجتماعية الفجة. وكانت العاصمة عدن أنموذجاً لتطور الحياة من حيثيات محدودة لا يوجد لها مثال في المناطق الريفية. وكانت الأوضاع القبلية ذاتها تسهم في ضرورة وجود قوة رادعة لهمجية البادية وعنجهيتهم، والتزامهم لحكم سلاطينهم خصوصاً بعد أن قامت المساعدات البريطانية بتعميق بعض المتناقضات في نفوس القبائل والحكام. وكانت العوالق السفلى قد قطعت شوطاً كبيراً في العلاقة مع الحكومة البريطانية خصوصاً السلطة الحاكمة وقبائلها، وأبرزت هذه العلاقة على سطح الحياة الاجتماعية صراعات أدت إلى تمرد بعض أفراد القبائل واختلاف وجهات النظر بين بيوت السلطنة. وأما سلطنة العوالق العليا نصاب فرغم أن الانجليز مهدوا طريق التفاهم مع السلطان صالح بن عبدالله بن عوض بأساليب ملتوية محاولين فتح ثغرة في جدار الصلابة العولقية، إلا أن هذه العلاقة ظلت متوترة وساخنة، حيث أن السلطان صالحاً كان يعتقد بأن الانجليز هم السبب في خروج قبائل دثينة من تحت سلطته ، وتشجيعهم إياها بأن تكون لنفسها دولة مستقلة عن نفوذ العوالق التقليدي. وكان سلطان العوالق يتهم الانجليزي سيجر المعتمد البريطاني بأنه سرق حدوده، ولذلك لم يرضخ سلطان نصاب إلى طلبات الانجليز المتكررة في مد نفوذهم المباشر إلى سلطنته). يعود زمن اهتمام الانجليز بمنطقة دثينة إلى عام 1900م عندما كانت تقف مع الاتراك ضدهم، ولذلك أرسلت الحكومة البريطانية إليها، قوات برية، ووضعت مخطط فصلها عن المناطق الأخرى تحت إدارة الضابط السياسي عبدالله بن حسن جعفر الذي أوكلت إليه الحكومة البريطانية في عدن مع مستشاريها أمر تطبيع ولاية دثينة ، ولكنها لم تستسلم هي وما حولها من المناطق لمثل هذا المشروع ولا للهيمنة العسكرية البريطانية، مما ساعد على قيام المقاومة والتي اتسع مداها في البلاد. كانت العوالق السفلى ومن اطرافها مثل القبائل البعيدة في المحفد والأودية ، لا تعترف كلياً بالحكومة البريطانية ولا توافق على منحها التسهيلات في المنطقة، وعندما احست الحكومة البريطانية بما يفيد ذلك، أرسلت في نهاية عام 1934م ثلاث طائرات حربية تطير على مسافات منخفضة فوق بعض المناطق الجنوبية، ومنها العوالق السفلى وقد مرت على وادي مريع مقر المشايخ آل باعزب ، وقد أطلق رجال آل باعزب النار على الطائرات ، مما جعل الطائرات تأخذ بعض الصور وتعود إلى عدن، ولكن بعد خمسة أيام جاءت (26) طائرة مقاتلة تحلق على مريع وألقت بإنذارات مكتوبة تطالب فيها المقابلة من عقال آل باعزب في يشبم بمنزل السيد محمد بن علي الجفري. كثيرة هي المعلومات الواردة في هذا السفر التاريخي الذي يعزز عند الباحث معنى المعرفة في التاريخ. ولعل البحث في مثل هذه الجوانب من التاريخ يتطلب اللقاء المباشر مع المعلومة، لأن الذهاب إلى مكان الحدث جزء من الاتصال مع أكثر من طرف، وهو ما يجعل لدور الكتابة منزلة صنع القرار في هذا الاتجاه.